آيات من القرآن الكريم

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ

كما هو اليوم عندنا عشرة. ونظيره قوله تعالى: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ «١».
وقوله في صفة أهل الجنّة حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها «٢».
وقوله لأزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم: ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً «٣».
وقال بعضهم: هذه واو الحكم والتحقيق، فكأنه حكى اختلافهم فتمّ الكلام عند قوله:
وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ، ثمّ حكم أن ثامنهم كلبهم، والثامن لا يكون إلّا بعد السّبع، فهذا تحقيق قول المسلمين. رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، قال قتادة: قليل من الناس. وقال عطاء:
يعني بالقليل: أهل الكتاب. يحيى بن أبي روق عن أبيه عن الضحّاك عن ابن عباس في قوله تعالى. ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ قال: أنا من أولئك القليل.
وهم: مكسلمينا، وتمليخا، ومرطونس «٤»، وسارينوس، وآنوانس، وروانوانس، ومشططيونس، وهو الرّاعي، والكلب واسمه قطمير كلب أنمر فوق القلطي «٥» ودون الكردي «٦».
وقال محمد بن المسيب: القلطي: كلب صيني، وقال: ما بقي بنيسابور محّدث إلّا كتب عنّي هذا الحديث إلّا من لم يقدر له. قال: وكتبه أبو عمرو، والحيري عني. فَلا تُمارِ فِيهِمْ، أي في عدّتهم وشأنهم إِلَّا مِراءً ظاهِراً وهو ما قصّ عليه في كتابه من خبرهم يقول: حسبك ما قصّصت عليك فلا تمار فيهم، وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً من أهل الكتاب.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٣ الى ٣١]
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧)
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)

(١) سورة التوبة: ١١٢.
(٢) سورة الزمر: ٧٣.
(٣) سورة التحريم: ٥. [.....]
(٤) في نسخة أصفهان: كلينونس.
(٥) القلطي: القصير جدا. كتاب العين: ٥/ ١٠٠.
(٦) راجع تفسير القرطبي: ١٠/ ٣٨٤.

صفحة رقم 163

وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، قال ابن عباس: يعني إذا عزمت على أن تفعل شيئا غدا، أو تحلف على شيء أن تقول: إني فاعل ذلك غدا إن شاء الله. وإن نسيت الاستثناء ثمّ ذكرته فقله ولو بعد سنة، وهذا تأديب من الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم حين سئل عن المسائل الثلاثة: أصحاب الكهف، والروح، وذي القرنين، فوعدهم أن يخبرهم ولم يستثن.
عبد الله بن سعيد المقري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتم إيمان العبد حتى يستثني «١» في كلّ كلامه» [٦٨].
وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، قال ابن عباس ومجاهد وأبو العالية والحسن: معناه: إذا نسيت الاستثناء ثمّ ذكرت، فاستثن. وقال عكرمة: معناه: واذكر ربّك إذا غضبت.
حدّثنا عبد الصّمد بن حسان عن وهيب قال: مكتوب في الإنجيل: ابن آدم، اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت فلا تنتصر فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك. وقال الضحّاك والسدي: هذا في الصلاة
لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نسي صلاة أو نام عنها فليصلّها إذا ذكرها» «٢» [٦٩].
وقال أهل الإشارة: معناه وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ غيره لأن ذكر الله تعالى إنما يتحقق بعد نسيان غيره. يؤيده قول ذي النون المصري: من ذكر الله ذكرا على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شيء، فإذا نسي في جنب ذكره كل شيء حفظ الله له كلّ شيء، وكان له عوضا من كل شيء. وقيل: معناه: واذكر ربّك إذا تركت ذكره، والنسيان هو الترك. وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً، أي يثبتني على طريق هو أقرب إليه، فأرشد. وقيل: معنا لعلّ الله أن يهديني ويسدّدني لأقرب مما وعدتكم وأخبرتكم أنه سيكون إن هو شاء. وقيل: إن الله تعالى أمره أن يذكره إذا نسي شيئا ويسأله أن يذكره فيتذكّر، أو يهديه لما هو خير له من تذكّر ما نسيه.
ويقال: إن القوم لمّا سألوه عن قصة أصحاب الكهف على وجه العناد أمره الله تعالى أن يخبرهم أن الله سيؤتيه من الحجج والبيان على صحة نبوّته وما دعاهم إليه من الحق ودلّهم على ما سألوه. ثمّ إن الله عز وجلّ فعل ذلك حيث آتاه من علم غيوب المرسلين وخبرهم ما كان أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف. وقال بعضهم: هذا شيء أمر أن

(١) أي حتى يقول: إن شاء الله.
(٢) سنن الدارمي: ١/ ٢٨٠.

صفحة رقم 164

يقوله مع قوله: أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إذا ذكر الاستثناء بعد ما نسيه، فإذا نسي الإنسان فيؤتيه «١» من ذلك. وكفارته أن يقول: عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً. وَلَبِثُوا يعني: أصحاب الكهف فِي كَهْفِهِمْ، قال بعضهم: هذا خبر عن أهل الكتاب أنهم قالوا ذلك، وقالوا: لو كان خبرا من الله عز وجلّ عن قدر لبثهم في الكهف لم يكن لقوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وجه مفهوم، وقد أعلم خلقه قدر لبثهم فيه، هذا قول قتادة.
يدل عليه قراءة ابن مسعود: (وقالوا لبثوا في كهفهم). وقال مطر الورّاق في هذه الآية: هذا شيء قالته اليهود، فردّه الله عليهم، وقال: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا. وقال الآخرون: هذا إخبار الله عن قدر لبثهم في الكهف، وقالوا: معنى قوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ أن أهل الكتاب قالوا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن للفتية من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين فردّ الله عز وجلّ ذلك عليهم، وقال: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا بعد أن قبض أرواحهم إلى يومنا هذا لا يعلم ذلك غير الله وغير من أعلمه الله ذلك. وقال الكلبي: قالت نصارى نجران: أما الثلاثمائة فقد عرفناها، وأما التسع فلا علم لنا بها فنزلت اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا.
... ثلاثمائة سنين مضاف غير منوّن، قرأها حمزة، والكسائي والباقون بالتنوين يعني: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة. وقال الضحّاك ومقاتل: نزلت: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ فقالوا:
أيّاما أو سنين؟ فنزلت سِنِينَ فلذلك قال: سِنِينَ ولم يقل: سنة. وَازْدَادُوا تِسْعاً. قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ يعني: ما أبصر الله بكل موجود! وأسمعه بكل مسموع! ما لَهُمْ، أي لأهل السماوات والأرض مِنْ دُونِهِ من دون الله مِنْ وَلِيٍّ: ناصر، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً من الأصنام وغيرها.
وَاتْلُ أي واقرأ يا محمد ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ، يعني: القرآن، واتّبع ما فيه لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ، قال الكلبي: لا مغير للقرآن «٢». وقال محمد بن جرير: يعني: لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه والمخالفين لكتابه «٣». وَلَنْ تَجِدَ أنت مِنْ دُونِهِ إن لم تتبع القرآن وخالفته مُلْتَحَداً، قال ابن عباس: حرزا. وقال الحسن: مدخلا. وقيل: معدلا.
وقيل: موئلا وقال مجاهد ملجأ، وأصله من الميل، ومنه لحد القبر.
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ- الآية-
قال المفسرون: نزلت في عيينة بن حصين الفزاري، وذلك أنه أتى النّبي صلّى الله عليه وسلّم قبل نزول هذه الآية، وعنده بلال وصهيب وخباب وعمار وعامر بن فهيرة ومهجع وسلمان، وعلى سلمان شملة قد عرق فيها وبيده خوصة يشتقها ثمّ ينسجها، فقال عيينة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

(١) كذا في مصوّرة المخطوط.
(٢) التسهيل في علوم التنزيل: ٢/ ١٨٧.
(٣) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٢٣٣.

صفحة رقم 165

أما يؤذيك ريح هؤلاء؟ فو الله لقد آذانا ريحهم. وقال: نحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا أسلم الناس وإن أبينا أبى الناس، وما يمنعنا من اتّباعك إلّا هؤلاء، فنحّ هؤلاء حتّى نتبعك، واجعل لنا مجلسا ولهم مجلسا.
فأنزل الله عز وجلّ: وَاصْبِرْ: واحبس نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ: يعبدون ربهم ويوقّرون رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ، أي طرفي النهار يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، يعني: يريدون الله عزّ وجلّ لا يريدون عرضا من الدنيا. والمراد منه: الحسنة وترك الرّياء. قال قتادة: يعني: صلاة الصبح والعصر. وقال كعب الأحبار: والذي نفسي بيده إنّهم لأهل الصّلوات المكتوبة. قال قتادة: نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة، وكانوا سبعمائة رجل فقراء لزموا مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يرجعون إلى تجارة ولا إلى زرع ولا ضرع، يصلّون صلاة وينتظرون أخرى.
قال قتادة: فلما نزلت هذه الآية قال نبي الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحمد لله الذي جعل في أمّتي من أمرت أن أصبر معهم» «١» [٧٠].
وَلا تَعْدُ عَيْناكَ: لا تصرف ولا تجاوز عيناك عَنْهُمْ إلى غيرهم تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا، يعني مجالسة الرؤساء والأغنياء والأشراف.
ومعنى الآية: وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ- مريدا زينة الدنيا- حال خوضهم في الاستغفار لأنه حكم على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإرادته الدنيا. وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا أي تركنا قلبه وأنسيناه ذكرنا. قال أبو العالية: يعني: أميّة بن خلف الجمحي. وقال غيره: يعني عيينة بن حصين، وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً، قال قتادة والضحّاك ومجاهد: ضياعا. وقال داود: ندما. وقال حباب: هلاكا. وقال ابن زيد: مخالفا للحق. وقال مقاتل بن حيّان: سرفا. وقال الأخفش:
مجاوزا للحد. وقال الفرّاء: متروكا. وقيل: باطلا. وقال أبو زيد البلخي: قدما في الشر. قال أبو عبيد: هو من قول العرب: فرس فرط إذا سبقت الخيل، وفرط القول منّي أي سبق. وقيل:
معناه ضيّع أمره وعطّل أيامه، قالوا: ان المؤمن من يستعمل الأوقات، ولا تستعمله الأوقات.
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، الحق: رفع على الحكاية، وقيل: هو رفع على خبر ابتداء مضمر معناه: وَقُلِ هو الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، يعني: ما ذكر من القرآن والإيمان وشأن محمد صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: هو رفع على الابتداء وخبره في قوله مِنْ رَبِّكُمْ، ومعنى الآية: وقل يا محمّد لهؤلاء الّذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا: أيّها الناس، من ربكم الحقّ، وإليه التوفيق والخذلان، وبيده الضلالة والهدى، يهدي من يشاء فيؤمن، ويضل من يشاء فيكفر «٢» ليس إليّ من ذلك شيء، ولست بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ لكم، فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا فإنكم إن كفرتم فقد أعدّ لكم ربكم على كفركم نارا أحاط بكم سرادقها، وإن آمنتم وأطعتم فإن لكم ما وصف الله عزّ وجلّ لأهل طاعته.

(١) مسند أبي يعلى: ٢/ ٣٨٣.
(٢) في نسخة أصفهان: فليكفر. (هامش نسخة أصفعان).

صفحة رقم 166

وقوله: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ليس بترخيص وتخيير، إنما هو وعيد وتهديد، كقوله: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ. قال ابن عباس: من شاء الله له الايمان آمن، ومن شاء له الكفر كفر، وهو قوله: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.
إِنَّا أَعْتَدْنا: أعددنا وهيّأنا، من العتاد، وهو العدّة لِلظَّالِمِينَ: للكافرين ناراً، وفيه دليل على أن النار مخلوقة لأنها لو لم تكن مخلوقة موجودة معدّة لكان المخبر كذّابا، وتعالى الله عن ذلك.
وقوله: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها،
روى [أبو] سعيد الخدري عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «سرادق النار أربعة جدر كثف، كل واحد مسيرة أربعين سنة» «١» [٧١].
وقال ابن عباس: هو حائط من نار.
الكلبي: هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفّار كالحظيرة. وقال القتيبي: السّرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط. قال رؤبة:

يا حكم بن المنذر بن الجارود سرادق المجد عليك ممدود «٢»
وقال سلامة بن جندل:
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه صدور الفيول بعد بيت مسردق «٣»
وهو هاهنا دخان يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الذي ذكره الله في سورة المرسلات:
انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ «٤».
وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا من شدة العطش يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ،
روى أبو مسلم عن أبي سعيد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بِماءٍ كَالْمُهْلِ قال: «كعكر الزّيت، فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه» «٥»
[٧٢]. وقال ابن عباس: ماء غليظ مثل دردي الزيت. وقال الأعمش: هو عصارة الزيت.
ومجاهد: القيح والدم. قال الضحّاك: المهل ماء أسود، وإن جهنم سوداء، ماؤها أسود، وشجرها أسود، وأهلها سود. وقال أبو عبيدة: كل ما أذيب من جواهر الأرض.
وروى روح بن عبادة، عن سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن ابن مسعود أهديت له سقاية من ذهب وفضّة، فأمر بأخدود فخدّ في الأرض، ثمّ قذف فيه من جزل الحطب، ثمّ قذف فيه تلك السقاية، فلما أزبدت وانماعت، قال لغلامه: ادع من بحضرتك من أهل الكوفة. فدعا رهطا، فلما دخلوا عليه قال: أترون هذا؟ قالوا: نعم. قال: ما رأينا في الدنيا شبها بالمهل أدنى
(١) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٢٩٨.
(٢) الصحاح: ٤/ ١٤٩٦.
(٣) لسان العرب: ١٠/ ١٥٨، وكتاب العين: ٥/ ٢٥١ وفيه: نحور، بدل: صدور.
(٤) سورة المرسلات: ٣٠. [.....]
(٥) مسند أحمد: ٣/ ٧١.

صفحة رقم 167

من هذا الذهب والفضّة حين أزبد وانماع. وقال سعيد بن جبير: المهل الذي قد انتهى حرّه.
وقال أبو عبيدة: سمعت المنتجع بن نبهان وذكر رجلا، فقال: هو أبغض إلىّ من الطليا والمهل، فقلت له: ما المهل؟ قال: الملّة التي تحدّد من جوانب الرغيف من النار، أحمر شديد الحمرة كأنّها الرمانة، وهي جمرة والطليا: الناقة المطليّة بالقطران. يَشْوِي الْوُجُوهَ، قال سعيد بن جبير: إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزّقوم فيأكلون منها فاختلست «١» جلودهم ووجوههم، فلو ان مارّا مرّ يعرفهم لعرف جلود وجوههم فيها، ثمّ يصبّ عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بِماءٍ كَالْمُهْلِ، وهو الذي قد انتهى حرّه، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حرّه لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود. بِئْسَ الشَّرابُ هذا، وَساءَتْ النار مُرْتَفَقاً، قال ابن عباس: منزلا. مجاهد: مجتمعا. عطاء: مقرّا. وقيل: مهادا. وقال القتيبي: مجلسا. وأصل:
المرتفق المتّكأ، يقال منه: ارتفقت، إذا اتّكأت على المرتفق. قال الشاعر:

قالت له وارتفقت ألا فتى يسوق بالقوم غزالات الضحى «٢»
ويقال: ارتفق الرجل، إذا بات على مرفقه لا يأتيه نوم. قال أبو ذويب الهذلي:
نام الخلي وبتّ الليل مرتفقا كأن عيني فيها الصاب مذبوح «٣»
أي مقطوع من معتضده، والصاب: شجر إذا استؤصل خرج منه كهيئة اللبن، وربما ترتفع منه تربة أي فطرة، فيقع في العين فكأنها شهاب نار، وربما أضعف البصر. ويجوز أن يكون قوله: مُرْتَفَقاً من الرفق والمنفعة.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا. ليس قوله: إِنَّا لا نُضِيعُ خبرا لقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بل هو كلام معترض، وخبر (إن) الأولى «٤» قوله:
أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ. ومثله في الكلام كثير، قال الشاعر:
إنّ الخليفة إنّ الله سربله سربال ملك به ترجى الخواتيم «٥»
ومنهم من قال: فيه إضمار فإن معناه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فإنا لا نضيع أجره بل نجازيه.
ثمّ ذكر الجزاء فقال: أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ، ووهي الإقامة
(١) كذا في المخطوط.
(٢) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٣٠٠.
(٣) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٣٠١، ولسان العرب: ٤/ ٣٩٧ وفيه: مشتجرا، بدل: مرتفقا.
(٤) أي الواقعة في صدر الآية.
(٥) لسان العرب: ١٢/ ١٦٤.

صفحة رقم 168
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية