آيات من القرآن الكريم

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ

﴿وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ أَيْ: يُثَبِّتُنِي عَلَى طَرِيقٍ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَأَرْشَدُ (١).
وَقِيلَ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ إِذَا نَسِيَ شَيْئًا وَيَسْأَلَهُ أَنْ يَهْدِيَهُ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذِكْرِ مَا نَسِيَهُ (٢).
وَيُقَالُ: هُوَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ عَلَى وَجْهِ الْعِنَادِ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ سَيُؤْتِيهِ مِنَ الْحُجَجِ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ مَا هُوَ أَدَلُّ لَهُمْ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَقَدْ فَعَلَ حَيْثُ أَتَاهُ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الْمُرْسَلِينَ مَا كَانَ أَوْضَحَ لَهُمْ فِي الْحُجَّةِ وَأَقْرَبَ إِلَى الرُّشْدِ مِنْ خَبَرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ (٣).
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا شَيْءٌ أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ مَعَ قَوْلِهِ "إِنْ شَاءَ اللَّهُ" إِذَا ذَكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ النِّسْيَانِ وَإِذَا نَسِيَ الْإِنْسَانُ "إِنْ شَاءَ اللَّهُ" فَتَوْبَتُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: "عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا" (٤).
﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ يَعْنِي: أَصْحَابَ الْكَهْفِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قَدْرِ لُبْثِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ "قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" وَجْهٌ وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: "وَقَالُوا لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ" ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَقَالَ: "قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" (٥).
وَقَالَ الْآخَرُونَ: هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ قَدْرِ لُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
[وَأَمَّا قَوْلُهُ: "قل اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" فَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْأَمْرَ مِنْ مُدَّةِ لُبْثِهِمْ] (٦) كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ نَازَعُوكَ فِيهَا فَأَجِبْهُمْ وَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ وَقَدْ أَخْبَرَنَا بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ.

(١) وهذا ما اعتمده ابن كثير ولم يذكر غيره.
(٢) انظر: البحر المحيط: ٦ / ١١٦.
(٣) انظر: زاد المسير: ٥ / ١٢٩، البحر المحيط: ٦ / ١١٦.
(٤) وهذا ما اعتمده الطبري: ١٥ / ٢٣٠.
(٥) وفي هذا الذي قاله قتادة نظر، فإن الذي بأيدي أهل الكتاب: أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة من غير تسع يعنون بالشمسية. ولو كان الله تعالى قد حكى قولهم لما قال: "وازدادوا تسعا". والظاهر من الآية إنما هو إخبار من الله لا حكاية عنهم -كما في القول الآتي الذي رجحه المصنف- وهو اختيار الطبري رحمه الله. ورواية قتادة قراءة ابن مسعود منقطعة ثم هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور فلا يحتج بها والله أعلم. تفسير ابن كثير: ٣ / ٨٠-٨١ وانظر: الطبري: ١٥ / ٢٣١-٢٣٢.
(٦) ما بين القوسين ساقط من "أ".

صفحة رقم 164
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية