آيات من القرآن الكريم

لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ

- ١٠٦ - مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا

صفحة رقم 347

فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
- ١٠٧ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
- ١٠٨ - أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ
- ١٠٩ - لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ
أَخْبَرَ تَعَالَى عَمَّنْ كَفَرَ بِهِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالتَّبَصُّرِ وَشَرَحَ صَدْرَهُ بِالْكُفْرِ، وَاطْمَأَنَّ بِهِ، أَنَّهُ قَدْ غَضِبَ عَلَيْهِ لِعِلْمِهِمْ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ عُدُولِهِمْ عَنْهُ، وَأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا عَظِيمًا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، فَأَقْدَمُوا عَلَى مَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ مِنَ الرِّدَّةِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَهْدِ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَيُثَبِّتْهُمْ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ، فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ بِهَا شَيْئًا يَنْفَعُهُمْ، وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِمْ وأبصارهم فلا ينتفعون بها، فَهُمْ غَافِلُونَ عَمَّا يُرَادُ بِهِمْ، ﴿لاَ جَرَمَ﴾ أَيْ لَا بُدَّ وَلَا عَجَبَ أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، ﴿أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ أي الذين خسروا أَنفُسَهُمْ وأهليهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ - وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِلاَّ مَن أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِمَّنْ كَفَرَ بِلِسَانِهِ وَوَافَقَ الْمُشْرِكِينَ بِلَفْظِهِ مُكْرَهًا لِمَا نَالَهُ مِنْ ضَرْبٍ وَأَذًى وَقَلْبُهُ يَأْبَى مَا يَقُولُ، وهو مطمئن باللإيمان بالله ورسوله. وقد روى عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت فِي (عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) حِينَ عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى يَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مُكْرَهًا، وَجَاءَ مُعْتَذِرًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هذه الآية. وقال ابن جرير: أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَعَذَّبُوهُ، حَتَّى قَارَبَهُمْ فِي بَعْضِ مَا أَرَادُوا، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟» قَالَ: مُطَمْئِنًا بِالْإِيمَانِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عادوا فعد»، وَفِيهِ أَنَّهُ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وذكر آلهتهم بخير، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟» قَالَ: مُطَمْئِنًا بِالْإِيمَانِ، فَقَالَ: «إِنْ عَادُوا فَعُدْ»، وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾، وَلِهَذَا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يأبى كَمَا كَانَ بِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْبَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَهُمْ يَفْعَلُونَ بِهِ الْأَفَاعِيلَ، حَتَّى أَنَّهُمْ لَيَضَعُونَ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ عَلَى صَدْرِهِ فِي شدة الحر ويأمرونه بالشرك بِاللَّهِ فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ، أَحَدٌ، وَيَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ أَغْيَظُ لَكُمْ مِنْهَا لَقُلْتُهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ. وَكَذَلِكَ حَبِيبُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ لَمَّا قَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَسْمَعُ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَطِّعُهُ إرباً إرباً وهو ثابت على ذلك.
وَالْأَفْضَلُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمُسْلِمُ عَلَى دِينِهِ ولو أفضى إلى قتله؛ كما ذكر الحافظ فِي تَرْجَمَةِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ) أَحَدِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ أَسَرَتْهُ الرُّومُ فَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ فَقَالَ لَهُ: تَنَصَّرْ وَأَنَا أُشْرِكُكَ فِي مُلْكِي وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، فَقَالَ لَهُ: لَوْ أعطتني جَمِيعَ مَا تَمْلِكُ وَجَمِيعَ مَا تَمْلِكُهُ الْعَرَبُ على أن أرجع عن دين محمد ﷺ طَرْفَةَ عَيْنٍ مَا فَعَلْتُ، فَقَالَ: إِذًا أَقْتُلُكَ، فقال: أنت وذاك، قال: فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ، وَأَمَرَ الرُّمَاةَ فَرَمَوْهُ قَرِيبًا مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ فَيَأْبَى، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُنْزِلَ، ثُمَّ أمر بقدر مِنْ نُحَاسٍ، فَأُحْمِيَتْ وَجَاءَ بِأَسِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَلْقَاهُ وَهُوَ يَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ عِظَامٌ تَلُوحُ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ فَأَبَى، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُلْقَى فِيهَا فَرُفِعَ فِي الْبَكَرَةِ لِيُلْقَى فِيهَا، فَبَكَى، فطمع فيه ودعاه، فقال: إِنِّي إِنَّمَا بَكَيْتُ لِأَنَّ نَفْسِي إِنَّمَا هِيَ نَفْسٌ
وَاحِدَةٌ تُلْقَى فِي

صفحة رقم 348

هَذِهِ الْقِدْرِ السَّاعَةَ فِي اللَّهِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ لِي بِعَدَدِ كُلِّ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِي نَفْسٌ تُعَذَّبُ هَذَا الْعَذَابَ فِي اللَّهِ. وَفِي بعض الروايات: أنه سجنه ومنع منه الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ أَيَّامًا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِخَمْرٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ، فَلَمْ يَقْرَبْهُ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْكُلَ؟ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ حَلَّ لِي، وَلَكِنْ لَمْ أَكُنْ لِأُشَمِّتَكَ بي، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: فقبّلْ رَأْسِي، وَأَنَا أُطْلِقُكَ، فَقَالَ: وَتُطْلِقُ مَعِي جَمِيعَ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: نَعَمْ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، فَأَطْلَقَهُ، وَأَطْلَقَ مَعَهُ جَمِيعَ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ وَأَنَا أَبْدَأُ، فَقَامَ فقبل رأسه رضي الله عنهما.

صفحة رقم 349
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار القرآن الكريم، بيروت - لبنان
سنة النشر
1402 - 1981
الطبعة
السابعة
عدد الأجزاء
3
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية