
و [قيل] معنى ﴿مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً﴾، أي: قبله وانفسح له صدره.
قال: ﴿ذلك بِأَنَّهُمُ استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة﴾ أي: وجب العذاب لهم لاختيارهم زينة الحياة الدنيا على الآخرة ﴿وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين﴾ أي: لا يوفقهم بجحودهم آيات الله وتوحيده، وعبادتهم غيره.
قوله: ﴿أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾.
معناه: أولئك الذين تقدمت صفتهم، هم طبع الله على قلوبهم، أي ختم عليها بطابعه فلا يؤمنون ولا يهتدون، وأصم أسماعهم، فلا يسمعون داعي الله [ تعالى] سماع قبول، وأعمى أبصارهم، فلا يبصرون بصر مهتد معتبر. ﴿وأولئك هُمُ الغافلون﴾ أي: هم الساهون عما أعد الله [ تعالى] لأمثالهم من أهل الكفر وعما يراد بهم.
ثم قال: (لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [١٠٩].
قال الطبري: لا جرم معناه لا بد أنهم في الآخرة هم الهالكون الذين غبنوا أنفسهم حظوظها.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ﴾.
أي: هاجروا إلى المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم، أي من بعدما عذبوا على الإسلام بمكة ثم جاهدوا المشركين في الله [ تعالى] مع نبيه [ ﷺ] وصبروا في الجهاد، وعلى طاعة الله [ تعالى] إن ربك من بعد ذلك: أي: من بعد الفعلة التي

فعلوها ﴿لَغَفُورٌ﴾ أي لساتر على ذنوبهم ﴿رَّحِيمٌ﴾ بهم. وقد تقدم الكلام فيمن نزلت هذه الآيات.
ومن قرأ ﴿فُتِنُواْ﴾ بالفتح، وهي قراءة ابن عامر، فمعناه: عذبوا غيرهم على الإيمان ثم آمنوا هم من بعدما فعلوا ذلك بالمؤمنين، إن ربك من بعد الفعلة التي

فعلوها ساتر لذنوبهم، رحيم بهم.
قال ابن عباس وقتادة: نزلت في قوم خرجوا إلى المدينة فأدركهم المشرطون ففتنوهم فكفروا مكرهين.
وقال الحسن وعكرمة: نزلت في شأن ابن أبي سرح: فتنه المشركون فكفر، فنزلت: ﴿مَن كَفَرَ بالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ﴾ [النحل: ١٠٦]. [الآية، ثم استثنى إلا من أكره] ثم نسخ واستثنى بقوله: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ﴾ الآية، وهو عبد الله بن أبي سرح كان يكتب للنبي ﷺ فلحق بالمشركين، وأمر به النبي [ ﷺ] يوم فتح مكة، بأن يقتل فاستجار له عمر فأجاره رسول الله / ﷺ.