آيات من القرآن الكريم

رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ

تفسير سورة الحجر
لا عقاب قبل البيان الإلهي
ليس في ميزان الشّرع والعقل عقاب أحد قبل بيان التّكليف، والإنذار قبل العذاب لأن المكلف بشيء يحتاج لفترة يتمكن بها من تنفيذ الخطاب التكليفي، وفي تلك الفترة يظهر كونه طائعا أو عاصيا. وهذا منهاج القرآن في كل أمّة، لم يهلكها بسبب فواحشها قبل إنزال كتاب إلهي، يطالبها بأن تفعل الخير، وتتجنب الشّر، وتعمل المعروف، وتحذر المنكر. وهذا ما نجده واضحا في مطلع سورة الحجر في قوله تعالى:
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤)
ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥)
«١» «٢» «٣» [الحجر: ١٥/ ١- ٥].
ابتدأت سورة الحجر كغيرها من بعض السور بالحروف المقطعة الر بقصد التّنبيه وتحدّي العرب أهل البلاغة والفصاحة بأن يأتوا بمثل القرآن أو بعضه، علما بأنه مكوّن من هذه الحروف الهجائية التي تتركّب منها لغتهم.
(١) ربّ للتقليل و (ما) زائدة.
(٢) اتركهم.
(٣) أجل مقدّر.

صفحة رقم 1210

لذا اقترنت هذه الحروف غالبا بالكلام عن القرآن: لتلازم الأمرين معا، فأخبر سبحانه أن آيات القرآن الكريم في هذه السورة وغيرها، هي آيات الكتاب الكامل في كل شيء، وآيات البيان الفصيح المعجز، مما يدلّ على أن القرآن المبين هو الكتاب الجامع للكمال، والغرابة في البيان، كما قال الزمخشري رحمه الله.
ولكنّ الكفار والمشركين سيندمون حتما يوم القيامة على ترك الإيمان بالقرآن، وعلى ما كانوا عليه في الدنيا من كفر وضلال، ويتمنّون لو كانوا في الدنيا مسلمين مؤمنين، كما في آية أخرى: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) [الأنعام: ٦/ ٢٧].
فعند دخول الكفار النار، ومعرفتهم بدخول المؤمنين الجنّة، يودّون لو كانوا مسلمين، فينجون النجاء الذي مانعة أن لم يكونوا مسلمين. فإن النجاة في الآخرة بالإيمان والإسلام وحده دون غيره.
وإذا كان هذا حال الكفار، فهم بأشد الحاجة إلى التذكير والتنبيه، فكان مناسبا إيراد الوعيد والتهديد، فقال الله تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا أي اترك يا محمد الكفار في ملاهيهم وتمتّعهم باللذات في دنياهم، يأكلون كما تأكل الأنعام، وتلهيهم الآمال عن التوبة والإنابة، أو عن الآخرة، وأجل الموت، فسوف يعلمون عاقبة أعمالهم وأمرهم، ثم ختمت الآية بوعيد ثان، وهو قوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ قال بعض العلماء كما ذكر الطبري: الوعيد الأول في الدنيا، والثاني في الآخرة، فكيف تطيب حياة بين هذين الوعيدين؟! ومعنى قوله تعالى: وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ أي يشغلهم أملهم في الدنيا، والتزيد فيها عن النظر والإيمان بالله ورسوله.
ثم جاء البيان الإلهي العظيم، والاعلام بأنه لا عقاب قبل بيان، ولا عذاب قبل

صفحة رقم 1211

إنذار وكتاب إلهي، فقال سبحانه: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) أي لا تستبطئن هلاكهم، فليس من قرية أهلكت إلا بعد قيام الحجة عليهم، وإبلاغهم طريق الرّشد والحق، ولم يكن الهلاك إلا بأجل مقرر محدود، وكتاب واضح الشرائع والأحكام، وإنذار سابق بالعذاب، حتى تترك الفرصة لهم بالعدول عن عصيانهم، ومبادرتهم إلى سلوك جادة الاستقامة.
والمقصود بالآيات: أنه لو شاء الله، لعجّل العذاب للكفار المستكبرين، ولكن اقتضت حكمته إمهالهم لعلهم يتوبوا، فإن لكل أمّة أجلا معيّنا، لا تأخير فيه ولا تقديم، والله تعالى يمهل ولا يهمل.
وهذا تنبيه وتحذير شديد لأهل مكة وأمثالهم، وإرشاد لهم إلى الإقلاع عما هم عليه من الشّرك والعناد والإلحاد الذي يستحقّون به الهلاك، كما قال ابن كثير.
وأما الناس اليوم وربما في المستقبل، على الرغم من تقدم العقل البشري ونضجه، واكتشاف آفاق العلوم والمعارف الكونية، فإنهم فيما يتعلّق بالدين ما يزالون متأثّرين بالتقاليد الموروثة، وبالبيئات المعايشة، وبما يوجّههم إليه رجال الدين وسدنة الإرث القديم. ولكن التّمسك بالتقليد وإهمال دور العقل مرفوض في ميزان الحق والمسؤولية والحساب الإلهي في الدنيا والآخرة.
الرّد على مطاعن المشركين بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم
على الرغم من أن انتقادات المشركين وهم كفار قريش حول القرآن والرسول واهية ساقطة وسخيفة، فإنها كانت خطيرة تستوجب الإبطال والرّدع والتّوبيخ، لأنها لا تستند إلى منطق صحيح، ولا لحجة مقبولة، فضلا عن أنها تصادم الآداب والأعراف والواقع المشاهد، فهم يتّهمون النّبي صلّى الله عليه وسلّم بالجنون والسفاهة، ويطالبون

صفحة رقم 1212
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية