
قوله تعالى: ﴿رُّبَمَا﴾ ﴿رُبَ﴾ : فيها قولان، أحدُهما: أنها حرفُ جرٍّ، وزعم الكوفيون وأبو الحسن وابن الطَّراوة أنها اسم. ومعناها التقليلُ على المشهور. وقيل: تفيد التكثير. وقيل: تفيد التكثير في مواضعِ الافتخار كقوله:
٢٩٢٢ - ٠- فيا رُبَّ يومٍ قد لَهَوْتُ وليلةٍ | بآنسةٍ كأنها خطُّ تِمْثالِ |
٢٩٢ - ٣- رُبَّما الجامِلِ المُؤَبَّلِ فيهمُ | وعَنَاجيجُ بينهنَّ المهَارى |
٢٩٢ - ٤-............................ | ورُبَّه عَطِباً أَنْقَذْتُ مِنْ عَطَبِهْ |
٢٩٢ - ٥- يا رُبَّ قائلةٍ غداً | يا لهفَ أمِّ مُعاويهْ |
٢٩٢ - ٦- فإنْ أَهْلَِكْ فربَّ فتىً سيبكيْ | عليَّ مهذَّبٍ رَخْصِ البَنانِ |
٢٩٢ - ٧- ومعتصمٍ بالحيِّ من خشية الرَّدى | سيُرْدى وغازٍ مُشْفِقٍ سَيَؤُوب |
و «ما» في «رُبما» تحتمل وجهين، أظهرُهما: أنها المهيِّئَةُ، بمعنى: أن «رُبَّ» مختصةٌ بالأسماء، فلمَّا جاءت «ما» هَيَّأت دخولَها على الأفعال. وقد تقدَّم نظيرُ ذلك في «إنَّ» وأخواتها، وتَكُفُّها أيضاً عن العمل كقولِه:
٢٩٢ - ٨- رُبَّما الجامِلُ المُؤَبَّلُ......... | .......................... |

ما» نكرةٌ موصوفةٌ بالجملةِ الواقعة بعدها، والعائدُ على «ما» محذوفٌ، تقديره: رُبَّ شيءٍ يَوَدُّه الذين كفروا.
وقوله: ﴿يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ﴾ مَنْ لم يلتزمْ مُضِيَّ متعلِّقِها لم يَحْتَجْ إلى تأويلٍ، ومَنْ التَزَم ذلك قال: لأن المُتَرَقَّب في أخبار الله تعالى واقعٌ لا محالةَ، فعبَّر عنه بالماضي تحقيقاً لوقوعِه، كقوله: ﴿أتى أَمْرُ الله﴾ [النحل: ١] ونحوِه.
قوله: ﴿لَوْ كَانُواْ﴾ يجوز في «لو» أن تكونَ الامتناعيةَ، وحينئذٍ يكون جوابُها محذوفاً. تقديره: لو كانوا مسلمين لسُرُّوا بذلك، أو لَخَلصوا ممَّا هم فيه. ومفعولُ «يَوَدُّ» محذوفٌ على هذا التقديرِ: أي: رُبَّما يودُّ الذين كفروا النجاةَ، دَلَّ عليه الجملةُ الامتناعية.
والثاني: أنها مصدرية عند مَنْ يرى ذلك كما تقدَّم تقريرُه في البقرة. وحينئذٍ يكون هذا المصدرُ هو المفعولَ للوَدادة، أي: يَوَدُّون كونَهم مسلمين، إنْ جعلنا «ما» كافةً، وإنْ جعلناها نكرةً كانت «لو» وما في حَيِّزِها بدلاً مِنْ «ما».