آيات من القرآن الكريم

قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ

[٩٤- ٩٨]

[سُورَة يُوسُف (١٢) : الْآيَات ٩٤ الى ٩٨]
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٩٦) قالُوا يَا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨)
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً
التَّقْدِيرُ: فَخَرَجُوا وَارْتَحَلُوا فِي عِيرٍ.
وَمَعْنَى فَصَلَتِ ابْتَعَدَتْ عَنِ الْمَكَانِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٤٩].
وَالْعِيرُ تَقَدَّمَ آنِفًا، وَهِيَ الْعِيرُ الَّتِي أَقْبَلُوا فِيهَا مِنْ فِلَسْطِينَ.
وَوِجْدَانُ يَعْقُوبَ ريح يُوسُف عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِلْهَامٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ جَعَلَهُ اللَّهُ بِشَارَةً لَهُ إِذْ ذَكَّرَهُ بِشَمِّهِ الرِّيحَ الَّذِي ضَمَّخَ بِهِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ خُرُوجِهِ مَعَ إِخْوَتِهِ وَهَذَا مِنْ صِنْفِ الْوَحْيِ بِدُونِ كَلَامِ مَلَكٍ مُرْسَلٍ. وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً [سُورَة الشورى: ٥١].
وَالرِّيحُ: الرَّائِحَةُ، وَهِيَ مَا يَعْبَقُ مِنْ طِيبٍ تُدْرِكُهُ حَاسَّةُ الشَّمِّ.
وَأَكَّدَ هَذَا الْخَبَر بإن وَاللَّامِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِنْكَارِ وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ بِ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ.
وَجَوَابُ لَوْلا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ التَّأْكِيدُ، أَيْ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِي لَتَحَقَّقْتُمْ ذَلِكَ.
وَالتَّفْنِيدُ: النِّسْبَةُ لِلْفَنَدِ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ اخْتِلَالُ الْعقل من الخرف.
وَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ تَخْفِيفًا بَعْدَ نُونِ الْوِقَايَةِ وَبَقِيَتِ الْكِسْرَةُ.
وَالَّذِينَ قَالُوا: تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ هُمُ الْحَاضِرُونَ مِنْ أَهْلِهِ وَلَمْ يَسْبِقْ ذِكْرُهُمْ لِظُهُورِ الْمُرَادِ مِنْهُمْ وَلَيْسُوا أَبْنَاءَهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا سَائِرِينَ فِي طَرِيقِهِمْ إِلَيْهِ.

صفحة رقم 52

وَالضَّلَالُ: الْبُعْدُ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ. وَالظَّرْفِيَّةُ مَجَازٌ فِي قُوَّةِ الِاتِّصَافِ وَالتَّلَبُّسِ وَأَنَّهُ كَتَلَبُّسِ الْمَظْرُوفِ بِالظَّرْفِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّك مُسْتَمر على التَّلَبُّسِ بِتَطَلُّبِ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ. أَرَادُوا طَمَعَهُ فِي لِقَاءِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-. وَوَصَفُوا ذَلِكَ بِالْقَدِيمِ لِطُولِ مُدَّتِهِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ غَيْبَةِ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ- عَلَيْهِمَا السّلام- اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَكَانَ خِطَابُهُمْ إِيَّاهُ بِهَذَا مُشْتَمِلًا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْخُشُونَةِ إِذْ لَمْ يَكُنْ أَدَبُ عَشِيرَتِهِ مُنَافِيًا لِذَلِكَ فِي عُرْفِهِمْ.
وأَنْ فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ. وَوُقُوعُ أَنْ بعد فَلَمَّا التَّوْقِيتِيَّةِ كثير فِي الْكَلَامِ كَمَا فِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ».
وَفَائِدَةُ التَّأْكِيدِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَحْقِيقُ هَذِهِ الْكَرَامَةِ الْحَاصِلَةِ لِيَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهَا خَارِقُ عَادَةٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤْتَ بِ أَنْ فِي نَظَائِرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَاعٍ لِلتَّأْكِيدِ.
وَالْبَشِيرُ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَعِّلٍ، أَيِ الْمُبَشِّرُ، مِثْلَ السَّمِيعِ فِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ:
أَمِنْ رَيْحَانَةِ الدَّاعِي السَّمِيعِ وَالتَّبْشِيرُ: الْمُبَادَرَةُ بِإِبْلَاغِ الْخَبَرِ الْمُسِرِّ بِقَصْدِ إِدْخَالِ السُّرُورِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ [٢١]. وَهَذَا الْبَشِيرُ هُوَ يَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيِ الْعِيرِ لِيَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يُخْبِرُ أَبَاهُ بِخَبَرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَارْتَدَّ: رَجَعَ، وَهُوَ افْتِعَالٌ مُطَاوِعُ رَدَّهُ، أَيْ رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ قُوَّةَ بَصَرِهِ كَرَامَةً لَهُ وَلِيُوسُفَ عَلَيْهِمَا السّلام وخارق لِلْعَادَةِ. وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ [سُورَة يُوسُف: ٨٤].

صفحة رقم 53
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية