
﴿عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً﴾: يعني: يوسف، وأخاه روبيل الذي تخلف: (إنه هو العليم): بما (أجد) عليهم، ﴿الحكيم﴾ في تدبيره.
قوله: ﴿وتولى عَنْهُمْ وَقَالَ يا أسفى عَلَى يُوسُفَ﴾ - إلى قوله - ﴿مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾. والمعنى: وأعرض يعقوب عن بنيه، وقال: يا حزناً على يوسف.
والأسف شدة الحزن. ثم حكى الله تعالى ذكر [هـ] لنا أن / عَيْنَيْ يعقوب ابيضتا من الحزن، (ف) هو كظيم: أي: مكظوم، أي مَمْلُوءٌ من الحزن، ممسك عليه، لا يبثه.
قال ابن زيد: الكظيم الذي أسكته الحزن.
وقال مجاهد: كظم الحزن: إذا أمسكه عليه، لا يبثه.

وقال عطاء: كظ (ي) م: مكروب.
وقال السدي: كظيم من الغيظ. والكاظم في اللغة: الذي حزن لا يشكو حزنه وقال الحسن: وجد يعقوب على يوسف وُجْدَ سبعين ثَكْلَى وما ساء ظنه بالله ساعة قط، من ليل، ولا نهار.
(وروى الحسن عن النبي) ﷺ: " وإنما اشتد حزن يعقوب (على يوسف) لأنه علم بحياته، وخاف على دينه ".
وقيل: إنما حَزِنَ (نَدَ) ماً على تسليمه لإخوته، وهو صبي، والحزن

ليس بمحظور.
وقال النبي ﷺ: " إذ مات ولده إبراهيم: تدمع العين، ويحزن القلب، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب ".
وقال له أولاده: ﴿تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ أي: لا تزال تذكره. ولا تفتر من حبه.
﴿حتى تَكُونَ حَرَضاً﴾: أي، ذا جهد، وهو المريض البال (ي).
وقال قتادة: حرضاً هَرِماً.
وقال ابن زيد: الحرض الذي قد رد إلى أرذل العمر، حتى لا يعقل.

وقال الفراء: الحرض: الفاسد الجسم، والعقل.
(و) قال أبو عبيدة: الحرض: الذ [ي] أذابه الحزن.
﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين﴾: أي: من الموتى.
قال يعقوب لهم جواباً لقولهم: ﴿إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي﴾ أي: همي وحزني:
وحقيقة البث في اللغة: هو ما يرد على الإنسان من الأشياء المهلكة، التي لا يمكنه إخفاؤها، وسميت المعصية بثاً مجازاً، وهو من بثثته، أي فرقته.
وروي أن يعقوب كبر حتى سقط حاجباه على وجنتيه، فكان يرفعهما بخرقة. فقال (له) رجلٌ: ما بلغ بك ما أرى؟ فقال: طول الزمان، وكثرة الأحزان. فأوحى الله تعالى إليه: يا يعقوب تشكوني قال: خطيئة، فاغفرها،