آيات من القرآن الكريم

قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَكَى أَنَّ قَائِلًا قَالَ: لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ رُوبِيلَ وَكَانَ ابْنَ خَالَةِ يُوسُفَ وَكَانَ أَحْسَنَهُمْ رَأْيًا فيه فمنعهم عن القتل، وقيل يهوذا، وَكَانَ أَقْدَمَهُمْ فِي الرَّأْيِ وَالْفَضْلِ وَالسِّنِّ.
ثُمَّ قال: وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ نَافِعٌ فِي غَيَابَاتِ الْجُبِّ عَلَى الْجَمْعِ فِي الْحَرْفَيْنِ، هذا والذي بعده، والباقون غَيابَتِ عَلَى الْوَاحِدِ فِي الْحَرْفَيْنِ. أَمَّا وَجْهُ الْغَيَابَاتِ فَهُوَ أَنَّ لِلْجُبِّ أَقْطَارًا وَنَوَاحِيَ، فَيَكُونُ فِيهَا غيابات، ومن وحد قال: المقصود موضوع وَاحِدٌ مِنَ الْجُبِّ يَغِيبُ فِيهِ يُوسُفُ، فَالتَّوْحِيدُ أَخَصُّ وَأَدَلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ.
وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ فِي غَيْبَةِ الْجُبِّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْغَيَابَةُ كُلُّ مَا غَيَّبَ شَيْئًا وَسَتَرَهُ، فَغَيَابَةُ الْجُبِّ غَوْرُهُ، وَمَا غَابَ مِنْهُ عَنْ عَيْنِ النَّاظِرِ وَأَظْلَمَ مِنْ أَسْفَلِهِ. وَالْجُبُّ الْبِئْرُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَطْوِيَّةٍ سُمِّيَتْ جُبًّا، لِأَنَّهَا قَطَعَتْ قَطْعًا وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهَا غَيْرُ الْقَطْعِ مِنْ طَيٍّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الْغَيَابَةُ مَعَ الْجُبِّ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْمُشِيرَ أَشَارَ بِطَرْحِهِ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ مِنَ الْجُبِّ لَا يَلْحَقُهُ نَظَرُ النَّاظِرِينَ فَأَفَادَ ذِكْرُ الْغَيَابَةِ هَذَا الْمَعْنَى إِذْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُلْقَى فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْجُبِّ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاظِرِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْجُبِّ تَقْتَضِي الْمَعْهُودَ السَّابِقَ، اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْجُبِّ فَقَالَ قَتَادَةُ:
هُوَ بِئْرٌ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَالَ وَهْبٌ: هُوَ بِأَرْضِ الْأُرْدُنِّ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَنْزِلِ يَعْقُوبَ، وَإِنَّمَا عَيَّنُوا ذَلِكَ الْجُبَّ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا وَهِيَ قَوْلُهُمْ: يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الْبِئْرَ كَانَتْ مَعْرُوفَةً وَكَانُوا يَرِدُونَ عَلَيْهَا كَثِيرًا، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا طُرِحَ فِيهَا يَكُونُ إِلَى السَّلَامَةِ أَقْرَبَ، لِأَنَّ السَّيَّارَةَ إِذَا جَازُوا وَرَدُوهَا، وَإِذَا وَرَدُوهَا شَاهَدُوا ذَلِكَ الْإِنْسَانَ فِيهَا، وَإِذَا شَاهَدُوهُ أَخْرَجُوهُ وَذَهَبُوا بِهِ فَكَانَ إِلْقَاؤُهُ فِيهَا أَبْعَدَ عَنِ الْهَلَاكِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الِالْتِقَاطُ تَنَاوُلُ الشَّيْءِ مِنَ الطَّرِيقِ، وَمِنْهُ: اللُّقَطَةُ وَاللَّقِيطُ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ تَلْتَقِطْهُ بِالتَّاءِ عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ بَعْضَ السَّيَّارَةِ أَيْضًا سَيَّارَةٌ، وَالسَّيَّارَةُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يَسِيرُونَ فِي الطَّرِيقِ لِلسَّفَرِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْمَارَّةَ وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا تَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَاقْتَصِرُوا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل: ١٢٦] يعني الأولى أن لا تفعلوا ذلك.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١١ الى ١٢]
قالُوا يَا أَبانا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَخَافُهُمْ عَلَى يُوسُفَ وَلَوْلَا ذَلِكَ وَإِلَّا لَمَا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمَّا أَحْكَمُوا الْعَزْمَ ذَكَرُوا هَذَا الْكَلَامَ وَأَظْهَرُوا عِنْدَ أَبِيهِمْ أَنَّهُمْ فِي غَايَةِ الْمَحَبَّةِ لِيُوسُفَ وَفِي غَايَةِ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ أَنْ يَغِيبُوا عَنْهُ مُدَّةً إِلَى الرَّعْيِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُرْسِلَهُ مَعَهُمْ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُحِبُّ تَطْيِيبَ قَلْبِ يُوسُفَ فَاغْتَرَّ بِقَوْلِهِمْ وَأَرْسَلَهُ مَعَهُمْ. وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

صفحة رقم 425
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية