آيات من القرآن الكريم

قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠ الى ١٤]

قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠) قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤)
قوله تعالى: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يهوذا، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال وهب بن منبه، والسدي، ومقاتل. والثاني: أنه شمعون، قاله مجاهد. والثالث: روبيل، قاله قتادة، وابن إِسحاق.
فأما غيابة الجب، فقال أبو عبيدة: كل شيء غيَّب عنك شيئاً فهو غيابة. والجب: الرَّكية التي لم تطو. وقال الزجاج: الغيابة: كل ما غاب عنك، أو غيَّب شيئاً عنك، قال المنخَّل:
فإنْ أنا يَوْماً غيَّبَتْني غَيَابَتي فسِيروا بِسَيْري في العشيرة والأهْلِ
والجب: البئر التي لم تطو سميت جباً من أجل أنها قُطعت قطْعاً، ولم يحدث فيها غير القطع من طي وما أشبهه. وقال ابن عباس: «في غيابة الجب» أي: في ظلماته. وقال الحسن: في قعره. وقرأ نافع: «غيابات الجب» فجعل كلّ جزء منه غيابة. وروى خارجة عن نافع: «غيَّابات» بتشديد الياء. وقرأ الحسن، وقتادة، ومجاهد: «غيبة الجب» بغير ألف مع إِسكان الياء «١». وأين كان هذا الجب، فيه قولان: أحدهما: بأرض الأردن، قاله وهب. وقال مقاتل: هو بأرض الأردن على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب. والثاني: ببيت المقدس، قاله قتادة.
قوله تعالى: يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ قال ابن عباس: يأخذه بعض من يسير. إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ أي: إِن أضمرتم له ما تريدون. وأكثر القراء قرءوا «يلتقطه» بالياء. وقرأ الحسن، وقتادة، وابن أبي عبلة بالتاء. قال الزجاج: وجميع النحويين يجيزون ذلك، لأن بعض السيارة سيارة، فكأنه قال: تلتقطه سيارة بعض السيارة. وقال ابن الأنباري: من قرأ بالتاء، فقد أنَّث فعل بعض، وبعض مذكر، وإِنما فعل ذلك حملاً على المعنى، إِذ التأويل: تلتقطه السيارة، قال الشاعر:
رأت مر السنين أخذن مني كما أخذ السِّرارُ مِنَ الهِلاَلِ «٢»
أراد: رأت السنين، وقال الآخر:
طُولُ الليالي أَسْرَعتْ في نَقْضي طَوَيْنَ طُوِلي وَطَوَيْنَ عَرْضِي
أراد: الليالي أسرعت، وقال جرير:
لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ سُورُ المدينة والجبال الخشّع
(١) قال الإمام الطبري رحمه الله ٧/ ١٥٣: وقراءة ذلك بالتوحيد أحبّ إليّ.
(٢) البيت لجرير كما في ديوانه ٤٢٦، و «مجاز القرآن» ١/ ٩٨.
وفي «اللسان» السرار: آخر الشهر ليلة يستسر الهلال، واستسر القمر أي خفي ليلة السرار.

صفحة رقم 416

أراد: تواضعت المدينة، وقال الآخر:

وتشْرَقُ بالْقَوْلِ الَّذي قد أَذَعْتُهُ كما شَرقتْ صدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ «١»
أراد: كما شرقت القناة.
قال المفسرون: فلما عزم القوم على كيد يوسف، قالوا لأبيه: ما لَكَ لا تَأْمَنَّا قرأ الجماعة «تأمنا» بفتح الميم وإِدغام النون الأولى في الثانية والإِشارة إِلى إِعراب النون المدغمة بالضم قال مكي:
لأن الأصل «تأمننا» ثم أدغمت النون الأولى، وبقي الإِشمام يدل على ضمة النون الأولى. والإِشمام:
هو ضمّك شفتيك من غير صوت يُسمع، فهو بعد الإِدغام وقبل فتحه النون الثانية. وابن كيسان يسمي الإِشمام الإِشارة، ويسمى الرَّوم إِشماماً والرَّوْم: صوت ضعيف يُسمع خفياً. وقرأ أبو جعفر «تأمنّا» بفتح النون من غير إِشمام إِلى إعراب المدغم. وقرأ الحسن «ما لك لا تأمُنّا» بضم الميم. وقرأ ابن مقسم «تأمننا» بنونين على الأصل والمعنى: ما لك لا تأمنا على يوسف فترسله معنا، فانه قد كبر ولا يعلم شيئاً من أمر المعاش، وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ فيما أشرنا به عليك أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً إِلى الصحراء.
وقال مقاتل: في الكلام تقديم وتأخير، وذلك أنهم قالوا له: أرسله معنا، فقال: إِني لَيَحْزُنُني أن تذهبوا به، فقالوا: ما لك لا تأمنّا.
قوله تعالى: يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو «نرتع ونلعب» بالنون فيهما، والعين ساكنه وافقهم زيد عن يعقوب في «نرتع» فحسب. وفي معنى «نرتع» ثلاثة أقوال: أحدها: نَلْهُ، قاله الضحاك. والثاني: نَسْعَ، قاله قتادة. والثالث: نأكل يقال: رتعت الإِبل: إِذا رعت، وأرتعتها: إِذا تركتها ترعى. قال الشاعر:
وَحْبِيبٍ لي إِذَا لاقيته وإذا يخلو لَهُ لَحْمِي رَتَعْ «٢»
أي أكله، هذا قول ابن الأنباري، وابن قتيبة. وقرأ عاصم، وحمزة والكسائي: «يرتع ويلعب» بالياء فيهما وجزْم العين والباء، يعنون «يوسف». وقرأ نافع: «نرتعِ» بكسر العين من «نرتع» من غير بلوغ إِلى الياء. قال ابن قتيبة: ومعناها: نتحارس، ويرعى بعضنا بعضاً، أي: يحفظ ومنه يقال: رعاك الله، أي: حفظك. ورويت عن ابن كثير أيضاً «نرتعي» باثبات ياء بعد العين في الوصل والوقف. وقرأ أنس، وأبو رجاء «نرتعي» باثبات ياء بعد العين في الوصل والوقف. وقرأ أنس، وأبو رجاء «نُرتِعْ» بنون مرفوعة وكسر التاء وسكون العين، و «نلعبْ» بالنون. قال أبو عبيدة: أي: نرتع إِبلنا «٣».
فأمّا قوله تعالى: «ونلعب» فقال ابن عباس: نلهو.
(١) ذكره ابن منظور في «اللسان»، مادة «شرق» ونسبه للأعشى. وشرق الشيء شرقا فهو شرق: اشتدت حمرته بدم أو بحسن لون أحمر.
(٢) البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكري من قصيدة في «المفضليات» ١٩٠- ٢٠٢، و «الشعر والشعراء» ٣٨٤.
(٣) قال الإمام الطبري رحمه الله ٧/ ١٥٥: وأولى ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأه في الحرفين كليهما بالياء، وبجزم العين في «يرتع»، لأن القوم إنما سألوا أباهم إرسال يوسف معهم، وخدعوه بالخبر عن مسألتهم إياه ذلك، كما ليوسف في إرساله معهم من الفرح والسرور. والنشاط بخروجه إلى الصحراء وفسحتها ولعبه هنالك، لا بالخبر عن أنفسهم.

صفحة رقم 417
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية