
معه إلهًا.
٢ - قوله تعالى: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾، قال الزجاج (١): [المعنى أحكمت وفصلت لئلا تعبدوا إلا الله، وهو معنى قول الفراء (٢)، وقال الزجاج (٣)] (٤)، ويجوز أن يكون المعنى: أمركم ألا تعبدوا إلا الله، وموضع (أن) نصب على كل حال (٥).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّنِي لَكُمْ﴾، قال صاحب النظم (٦): هذا مضاف إلى النبي - ﷺ -، ولو كان الخطاب عن الله تعالى لقال إنه لكم، والتأويل في النظم: قل لهم يا محمد ﴿الر كِتَابٌ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ إلي قوله: ﴿فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾، فهذا كله من كلام النبي - ﷺ - مأمورًا به أن يقوله، وقد قيل: إن نظمه مثل نظم قوله: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ﴾ [إبراهيم: ١] الآية.. وعلى تأويل] (٧) ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ ليقول للناس ويأمرهم ألا يعبدوا إلا الله.
٣ - قوله تعالى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ الآية، (أن) هذه معطوفة على (أن) في قوله (أن لا تعبدوا)، وهي في محل النصب بإلقاء الخافض في
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٣.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٣٨.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ي).
(٥) أي على القولين وأنها منصوبة.
(٦) هو: أبو علي الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني،
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ي).

قول الفراء (١) والزجاج (٢).
وقال الكسائي (٣) في قوله ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾: التقدير فيه (بأن لا تعبدوا) و (بأن استغفروا)، وعلى هذا الجار يتعلق بالنكرة الموصوفة وهي قوله ﴿كِتَابٌ﴾ كأنه قيل كتاب بهذا، وما بعد قوله ﴿كِتَابٌ﴾ إلى قوله ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾ من صفة النكرة، ويعود التأويل إلى ما قاله الفراء (٤): كتاب فصلت آياته بأن لا تعبدوا، وبأن استغفروا ثم ألقى الخافض (٥).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾، قال أهل المعاني (٦): إنما رتبت التوبة بعد الاستغفار؛ لأن المعنى اطلبوا المغفرة تم توصلوا إلى مطلوبكم بالتوبة (٧)، فالمغفرة أول في الطلب وآخر في السبب، وقيل: المعنى استغفروا ربكم من ذنوبكم السالفة، ثم توبوا من المستأنفة متى وقعت منكم المعصية. وحكي عن الفراء (٨) أنه قال: ﴿ثُمَّ﴾ هاهنا بمعنى الواو، ومعناه: وتوبوا إليه.
وقوله تعالى: ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾، قال ابن عباس (٩):
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٣٨.
(٣) "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٢٧٢.
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٣.
(٥) ما سبق موجود في الثعلبي ٧/ ٣٢ بمعناه.
(٦) القرطبي ٩/ ٣ بنحوه، "فتح القدير" ٢/ ٦٩٥.
(٧) في (ي): (بالمغفرة فالتوبة).
(٨) البغوي ٦/ ١٥٩، "زاد المسير" ٤/ ٧٥، الثعلبي ٧/ ٣٢.
(٩) "زاد الميسر" ٤/ ٧٥.

[في رواية عطاء] (١): يريد أن يتفضل عليكم بالرزق والسعة (٢) حلالًا طيبًا إلى أجل الموت، قال مقاتل (٣): فأبوا، فدعا عليهم رسول الله - ﷺ - (٤) وابتلوا بالقحط سبع سنين حتى أكلوا العظام المحرقة، والقد (٥)، والكلاب، والجيف.
وقال أبو إسحاق (٦) في قوله: ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾: أي يبقكم ولا يستأصلكم بالعذاب كما استأصل أهل القرى الذين كفروا.
وقوله تعالى: ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ قال قتادة (٧): يعني في
قال ابن حجر: "ومن طريق ابن جريج رضي الله عنه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران، وما عدا ذلك يكون عطاء -رضي الله عنه- هو الخراساني، وهو لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما فيكون منقطعًا إلا إن صرح ابن جريج بأنه عطاء بن أبي رباح. "العجاب في بيان الأسباب" / ٥ أ. وانظر: "الدر" ٣/ ٥٧٨.
(٢) ساقط من (ي).
(٣) القرطبي ٩/ ٤، "تفسير مقاتل" ١٤٣ب.
(٤) أخرجه البخاري (٤٨٢١، ٤٨٢٢)، كتاب: تفسير سورة الدخان، باب: قوله: ﴿يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، باب: قوله: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾، وأحمد ١/ ٣٨١ بلفظ: "إنما كان هذا؛ لأن قريشا لما استعصت على النبي - ﷺ - دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهدوا حتى أكلوا العظام.. الحديث". وأخرجه البخاري بلفظ "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم السنة حتى حصت كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود".
(٥) القد: الجلد. انظر: "تهذيب اللغة" (قدد) ٣/ ٢٨٩٥، "اللسان" (قدد) ٦/ ٣٥٤٣.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٣٨. وانظر: "التهذيب" (متع) ٤/ ٣٤٥٩.
(٧) الطبري ١٥/ ٢٣١، البغوي ٤/ ١٦٠، القرطبي ٩/ ٤، ابن أبي حاتم ١٦/ ١٩٩٧.

الآخرة، والمعنى: يعطي كل ذى عمل صالح أجره وثوابه، فسمى الجزاء باسم الابتداء (١) وأراد: ويؤت كل ذي فضل ثواب فضله أو جزاء فضله، فحذف المضاف، وهذا أقوى بما قال ابن عباس: يريد أن منازل الآخرة بعضها أفضل من بعض، كما أن صلاح الناس في الدنيا بعضهم أفضل من بعض، ونحو هذا قال أبو العالية (٢): من كثرت طاعاته في الدنيا زادت درجات في الجنة؛ لأن الدرجات تكون بالأعمال.
وقال أبو إسحاق (٣): أي من كان ذا فضل في دينه، فضله الله في الثواب، وفضله في المنزلة. وهذه الأقوال معناها واحد، والفضل معناه فضل الدين والصلاح وكثرة الطاعة.
وقال مجاهد (٤): هو ما يحتسبه الإنسان من كلام يقوله بلسانه، أو عمل يعمله بيده أو رجله، أو ما تطوع به من ماله؛ وعلى هذا، الفضل يعني به: ما تبرع به الإنسان من عمل صالح ببدنه أو بماله.
وقوله تعالى: ﴿فَضْلَهُ﴾ أي ثواب ذلك الفضل وجزاؤه. وقال ابن عباس (٥)، وابن مسعود (٦)، والكلبي (٧): ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ﴾ كل من فضلت حسناته على سيئاته ﴿فَضْلَهُ﴾ يعني الجنة، وهي فضل الله، والكناية
(٢) الثعلبي ٧/ ٣٣ أ، البغوي ٤/ ١٦٠.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٣٨.
(٤) الطبري ١١/ ١٨٢، الثعلبي ٧/ ٣٣ أ، القرطبي ٩/ ٤، ابن أبي حاتم ٦/ ١٩٩٨.
(٥) الثعلبي ٧/ ٣٣ أ، البغوي ٤/ ١٦٠.
(٦) الطبري ١١/ ١٨٢، الثعلبي ٧/ ٣٣أ، ابن عطية ٧/ ٢٣٦، ابن كثير ٢/ ٤٧٧.
(٧) "تنوير المقباس" ١٣٨.