آيات من القرآن الكريم

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۚ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

اللغة: ﴿أُحْكِمَتْ﴾ الإِحكام: المنعُ من الفساد يقال: أحكم الأمر إِذا أتى به على وجه لا يتطرأ إِليه خلل أو فساد ﴿مُسْتَقَرَّهَا﴾ المكان الذي تأوي إليه في الدنيا ﴿مُسْتَوْدَعَهَا﴾ المكان الذي تصير إِليه بعد الموت ﴿أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ﴾ الأمة هنا بمعنى المدة من الزمن أي مدة محدودة من السنين قال القرطبي: والأُمَّة اسم مشترك يطلق على ثمانية أوجه: الجماعة، الملة، الرجل الجامع للخير، الحين والزمن، أتباع الأنبياء الخ ﴿مِرْيَةٍ﴾ شك وارتياب ﴿وَضَلَّ﴾ ضاع وتلاشى ﴿لاَ جَرَمَ﴾ كلمة واحدة بمعنى حقاً وهو قول الخليل وسيبويه ﴿وأخبتوا﴾ خشعوا وخضعوا والإِخباتُ: الذل والخضوع ﴿الأصم﴾ الذي لا يسمع وبه صمم.
سَبَبُ النُّزول: ذكر القرطبي عن ابن عباس أن «الأَخْنس بن شريق» كان رجلاً حلو الكلام وحلو المنطق، يلقى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما يحب، وينطوي له بقلبه على ما يسوء فأنزل الله ﴿أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ..﴾ الآية.
التفسِير: ﴿الر﴾ إِشارة إِلى إِعجاز القرآن، وأنه مركب من أمثال هذه الحروف الهجائية، وعن ابن عباس أن معناه: أنا الله أرى ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ أي هو كتابٌ جليل القدر، نظمت آياته نظماً محكماً، لا يلحقه تناقضٌ ولا خلل ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ أي بُيّنت فيه أمور الحلال والحرام، وما يحتاج إِليه العباد في أمور المعاش والمعاد ﴿مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ أي من عند الله فصَّلها وبيَّنها الخبير العالم بكيفيات الأمور، ولذا كانت محكمة أحسن الإِحكام ومفصلة أحسن التفصيل ﴿أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله﴾ أي لئلا تعبدوا إلا الله ﴿إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ أي إِنني مرسلٌ إليكم من جهته تعالى، أنذركم بعذابه إِن كفرتم، وأبشركم بثوابه إن آمنتم ﴿وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ﴾ أي استغفروه من الذنوب وأخلصوا التوبة واستقيموا عليها بالطاعة والإِنابة ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً﴾ أي يمتعكم في هذه الدنيا بالمنافع الجليلة من سعة الرزق، ورغَد العيش ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي إِلى وقتٍ محدَّد هو انتهاء أعماركم ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ أي ويعطي كل محسنٍ في عمله جزاء إحسانه ﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أي وإن تتولوا عن الإِيمان وتُعرضوا عن طاعة الرحمن ﴿فإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ أي أخاف عليكم عذاب يوم القيامة، ووصف العذاب بأنه كبير لما فيه من الأهوال الشديدة ﴿إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ﴾ أي إليه جلَّ وعلا رجوعكم بعد الموت ﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي قادر على إماتتكم ثم إحيائكم وعلى معاقبة من كذَّب لا يعجزه شيء، وفي الآية تهديد عظيم {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ

صفحة رقم 5

لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} قال ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق كان يجالس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويحلف أنه ليحبه ويضمر خلاف ما يظهر وقال القرطبي: أخبر عن معاداة المشركين للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمؤمنين، ويظنون أنه تخفى على الله أحوالهم والمعنى إنهم يطوون صدورهم على عداوة النبي والمؤمنين، يريدون بذلك أن يستخفوا من الله حتى لا يفتضح أمرهم ﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ أي حين يتغطون بثيابهم ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي يعلم تعالى ما يُبْطنون وما يُظهرون وكأن الآية تقول: لا تظنوا أن تغطيتكم تحجبكم عن الله بل الله يعلم سرائركم وزواهركم لا تخفى عليه خافية من أحوالكم ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ أي عالم بما في القلوب ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا﴾ أي ما من شيء يدب على وجه الأرض من إنسان أو حيوان إِلا تكفَّل الله برزقه تفضلاً منه تعالى وكرماً، فكما كان هو الخالق كان هو الرازق ﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ قال ابن عباس: مستقرها حيث تأوي إِليه من الأرض، ومستودعها الموضع الذي تموت فيه فتدفن ﴿كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ أي كلٌّ من الأرزاق، والأقدار، والأعمار، مسطَّرٌ في اللوح المحفوظ ﴿وَهُوَ الذي خَلَق السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ أي خلقها في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا، وفيه الحث للعباد على التأني في الأمور فإِن الإِله القادر على خلق الكائنات بلمح البصر خلقها في ستة أيام ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء﴾ أي وكان العرش قبل خلقهما على الماء قال الزمخشري: أي ما كان تحته خلق، وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السماوات والأرض ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ أي خلقهن لحكمة بالغة ليختبركم فيظهر المحسنُ من المسيء، ويجازيكم حسب أعمالكم ﴿وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت﴾ أي ولئن قلت يا محمد لأولئك المنكرين من كفار مكة إِنكم ستبعثون بعد موتكم للحساب ﴿لَيَقُولَنَّ الذين كفروا إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أي ليقولنَّ الكفار المنكرون للبعث والنشور ما هذا القرآن إِلا سحرٌ واضح مكشوف ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ﴾ أي إِلى مدةٍ من الزمن قليلة ﴿لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ أي ليقولُنَّ استهزاءً ما يمنعه من النزول؟ ﴿أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ﴾ أي ألا فلينتبهوا فإِنه يوم يأتيهم العذاب ليس مدفوعاً عنهم ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ﴾ أي نزل وأحاط بهم جزاء ما كانوا به يستهزئون ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً﴾ أي أنعمنا على الإِنسان بأنواع النعم من الصحة، والأمن، والرزق وغيرها من النعم ﴿ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ﴾ أي ثم سلبنا تلك النعم منه ﴿إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾ أي قنوط من رحمة الله، شديد الكفر به ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ﴾ أي ولئن منحنا الإِنسان نعمة من بعد ما نزل به من الضر، وما أصابه من البلاء، كالفقر والمرض والشدة ﴿لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عني﴾ أي انقطع الفقر والضيق والمصائب ولن تصيبني بعد اليوم ﴿إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ أي بطرٌ بالنعمة مغترٌ بها، متعاظم على الناس بما أُوتي، والآيةُ ذمٌ لمن يقنط عند الشدائد، ويبطر عند النعم ﴿إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي هذه عادة الإِنسان إِلا المؤمنين الذين يصبرون على الضراء، ويفعلون الخير في النعماء، فهم في حالتي المحنة والنعمة محسنون ﴿أولئك لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ أي أولئك

صفحة رقم 6

الموصوفون بالصفات الحميدة لهم مغفرةٌ لذنوبهم، وأجر كبيرٌ في الآخرة هو الجنة قال في البحر: ووصف الثواب بأنه كبير وذلك لما احتوى عليه من النعيم السرمدي، والأمن من العذاب، ورضا الله عنهم، والنظر إِلى وجهه الكريم ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ﴾ كان المشركون يقترحون على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يأتي بكنز أو يأتي معه ملك، وكانوا يستهزئون بالقرآن فقال الله تعالى له: فعلك يا محمد تاركٌ بعض ما أُنزل إِليك من ربك فلا تبلغهم إِيَّاه لاستهزائهم ﴿وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ أي ويضيق صدرك من تبليغهم ما نزل عليك من ربك خشية التكذيب، والغرضُ تحريضُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على تبليغ الرسالة وعدم المبالاة بمن عاداه ﴿أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ﴾ أي لأجل أن يقولوا هلاّ أُنزل عليه مالٌ كثير ﴿أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ أي جاء معه ملك يصدّقه كما اقترحنا، قال تعالى محدّداً مهمته عليه السلام ﴿إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ﴾ أي لست يا محمد إلا منذراً تخوّف المجرمين من عذاب الله ﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ أي قائم على شئون العباد يحفظ عليهم أعمالهم ﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ أي بل أيقولون اختلق محمد هذا القرآن وافتراه من عند نفسه؟ ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ أي إِن كان الأمر كذلك فأتوا بعشر سور مثله في الفصاحة والبلاغة مفتريات فأنتم عرب فصحاء ﴿وادعوا مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله﴾ أي استعينوا بمن شئتم غير الله سبحانه ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ في أنَّ هذا القرآن مفترى ﴿فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ الله﴾ أي فإِن لم يستجب لكم من دعوتموهم للمعاونة وعجزوا عن ذلك فاعلموا أيها المشركون أنما نزل هذا القرآن بوحيٍ من الله ﴿وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا ربّ ولا معبود إلا الله الذي أنزل هذا القرآن المعجز ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ لفظه استفهام ومعناه أمرٌ أي فأسلموا بعد ظهور هذه الحجة القاطعة إِذ لم يبق لكم عذر مانع من ذلك، قال في التسهيل: الاستفهام معناه استدعاءً إِلى الإِسلام، وإِلزامٌ للكفار أن يسلموا لما قام الدليل على صحة الإِسلام لعجزهم عن الإِتيان بمثل القرآن ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا﴾ أي من كان يقصد بأعماله الصاحلة نعيم الدنيا فقط لأنه لا يعتقد بالآخرة ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ أي نوفّ إِليهم أجور أعمالهم بما يحبون فيها من الصحة والأمن والرزق ﴿وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾ أي وهم في الدنيا لا يُنقصون شيئاً من أجورهم قال قتادة: من كانت الدنيا همَّه ونيّته جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يُفضي إِلى الآخرة وليس له حسنة يُعطى بها، وأما المؤمن فيُجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة ﴿أولئك الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار﴾ أي هؤلاء الذين هدفهم الدنيا ليس لهم في الآخرة إِلا نار جهنم وعذابها المخلَّد ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ أي بطل ما صنعوه من الأعمال الصالحة لأنهم قد استوفوا في الدنيا جزاءها ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ تأكيدٌ لما سبق أي باطل ما كانوا يعملون في الدنيا من الخيرات ﴿أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ أي أفمن كان على نور واضح، وبرهان ساطع من الله تعالى، وهو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمؤمنون، وجوابه محذوف أي كمن كان يريد الحياة الدنيا؟ يريد أن بينهما تفاوتاً كبيراً، وتبايناً بعيداً، فلا يستوي من أراد الله، ومن أراد الدنيا وزينتها ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ أي ويتبعه شاهد من الله بصدقه قال ابن عباس: هو جبريل عليه السلام {وَمِن

صفحة رقم 7

قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً} أي ومن قبل القرآن كتاب التوراة الذي أنزله الله على موسى قدوةً في الخير ورحمة لمن نزل عليهم ﴿أولئك يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أي أولئك الموصوفون بأنهم على نور من ربهم يصدّقون بالقرآن حق التصديق ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُهُ﴾ أي ومن يكفر بالقرآن من أهل الملل والأديان، فله نار جهنم يردها لا محالة ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ﴾ أي فلا تكن في شكٍ من هذا القرآن ﴿إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ﴾ أي إنه الحق الثابت المنزّل من عند الله ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لا يصدّقون أنه تنزيل رب العالمين ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ أي لا أحد أطغى ولا أظلم ممن اختلق الكذب على الله بنسبة الشريك والولد إِليه ﴿أولئك يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ﴾ أي يُعرضون يوم القيامة في جملة الخلق على خالقهم ومالكهم ﴿وَيَقُولُ الأشهاد هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ﴾ أي ويقول الخلائق والملائكة الذين يشهدون على أعمالهم هؤلاء الذين كذبوا على الله، والغرضُ فضيحتهم في الدار الآخرة على رءوس الأشهاد والتشهيرُ بهم خزياً ونكالاً ﴿أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين﴾ لظلمهم وافترائهم على الله، واللعنةُ: الطرد من رحمة الله ﴿الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي يمنعون الناس عن اتِّباع الحق، وسلوك سبيل الهدى الموصل إِلى الله ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ أي ويريدون أن تكون السبيل معوّجة أي يبغون أن يكون دين الله معوجاً على حسب أهوائهم ﴿وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ﴾ أي جاحدون بالآخرة منكرون للبعث والنشور ﴿أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض﴾ أي ليسوا مفلتين من عذاب الله وإن أمهلهم ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ أي ليس لهم من يتولاهم أو يمنعهم من عذاب الله ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب﴾ جملة مستأنفة أي يضاعف عليهم العذاب بسبب إِجرامهم وطغيانهم ﴿مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ﴾ أي سبب تشديد العذاب ومضاعفته عليهم أن الله جعل لهم سمعاً وبصراً، ولكنهم كانوا صُما عن سماع الحق، عمياً عن اتباعه، فلم ينتفعوا بما منحهم الله من حواس ﴿أولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ﴾ أي خسروا سعادة الدنيا والآخرة، وخسروا راحة أنفسهم لدخولهم نار جهنم ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي وغاب عنهم ما كانوا يزعمونه من شفاعة الآلهة ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون﴾ أي حقاً إِنهم يوم القيامة من أخسر الناس، ولا ترى أحداً أبينَ خسراناً منهم، لأنهم آثروا الفانية على الباقية، واستعاضوا عن الجِنان بلظى النيران، ثم لما ذكر تعالى حال الكفار الأشقياء، ذكر حال المؤمنين السعداء فقال ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وأخبتوا إلى رَبِّهِمْ﴾ أي جمعوا مع الإِيمان والعمل الصالح الإِخبات: وهو الاطمئنان إِليه سبحانه والخشوع له والانقطاع لعبادته ﴿أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي منعَمون في الجنة لا يخرجون منها أبداً ﴿مَثَلُ الفريقين﴾ أي فريق المؤمنين وفريق الكافرين ﴿كالأعمى والأصم والبصير والسميع﴾ قال الزمخشري: شبَّه فريق الكافرين بالأعمى والأصم، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع، وهو من اللفّ والطباق والمعنى حال الفريقين العجيب كحال من جمع بين العمى والصمم، ومن جمع بين السمع والبصر ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً﴾ الاستفهام إِنكاري أي لا يستويان مثلاً فليس حال من يبصر نور الحق ويستضيء بضيائه

صفحة رقم 8

كحال من يخبط في ظلمات الضلالة ولا يهتدي إِلى سبيل السعادة ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ أي أفلا تعتبرون وتتعظون؟ والغرض التفريق بين أهل الطاعة والإِيمان، وأهل الجحود والعصيان.
البلاغة: ١ - ﴿عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ إضافة العذاب إلى اليوم الكبير للتهويل والتفظيع.
٢ - ﴿مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ بينهما طباقٌ وكذلك بين ﴿نَعْمَآءَ﴾ و ﴿ضَرَّآءَ﴾ وبين ﴿نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾.
٣ - ﴿يَئُوسٌ كَفُورٌ﴾ من صيغ المبالغة أي شديد اليأس كثير الكفران.
٤ - ﴿كالأعمى والأصم﴾ فيه تشبيه مرسل مجمل لوجود أداة التشبيه وحذف وجه الشبه أي مثل الفريق الكافر كالأعمى والأصم في عدم البصر والسمع، ومثل الفريق المؤمن كالسميع والبصير.
لطيفَة: قال بعض الصالحين: الاستغفار بلا إِقلاع عن الذنب توبة الكذابين.
تنبيه: التحدي بعشر سور جاء بعد التحدي بالقرآن الكريم، فلما عجزوا عن الإِتيان بمثل القرآن تحداهم بعشر سور، ثم لما عجزوا تحداهم بالإِتيان بسورة مثله في البلاغة والفصاحة والاشتمال على المغيبات والأحكام التشريعية وأمثالها، وهي الأنواع التسعة وقد نظمها بعضهم بقوله:

صفحة رقم 9
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
ألا إِنما القرآنُ تسعةُ أحرفٍ سأنبيكها في بيت شعر بلا مَلَل
حلالٌ، حرامٌ، محكمٌ، متشابهٌ بشيرٌ، نذيرٌ، قصةٌ، عظةٌ، مَثَل