آيات من القرآن الكريم

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۚ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ

تفسير سورة هود
وهى مكية وآيها مائة وثلاث وعشرون او اثنتان وعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم قال فى التأويلات النجمية قوله بِسْمِ اللَّهِ اشارة الى الذات الرَّحْمنِ يشير الى صفة الجلال الرَّحِيمِ الى صفة الجمال. والمعنى ان هاتين الصفتين قائمتان بذاته جل جلاله وباقى الأسماء مشتملة على هاتين الصفتين وهمان من صفات القهر واللطف الر اى هذه السورة الر اى مسماة بهذا الاسم فيكون خبر مبتدأ محذوف او لا محل له من الاعراب مسرود على نمط تعديد الحروف للتحدى والاعجاز وهو الظاهر فى هذه السورة الشريفة إذ على الوجه الاول يكون كتاب خبرا بعد خبر فيؤدى الى ان يقال هذه السورة كتاب وليس ذاك بل هى آيات الكتاب الحكيم كما فى سورة يونس وحمل الكتاب على المكتوب او على البعض تكلف وهو اللائح بالبال قالوا الله اعلم بمراده من الحروف المقطعة فانها من الاسرار المكتومة كما قال الشعبي حين سئل عنها سر الله فلا تطلبوه والله تعالى لا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول او وارث رسول. وفى الحديث (ان من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه الا العلماء بالله فاذا نطقوا به لا ينكره الا اهل الغرة بالله) رواه ابو منصور الديلمي وابو عبد الرحمن السلمى كما فى الترغيب قال الرقاشي هى اسرار الله يبديها الى أمناء أوليائه وسادات النبلاء من غير سماع ولا دراسة وهى من الاسرار التي لم يطلع عليها الا الخواص كما فى فتح القريب وعن ابى هريرة رضى الله عنه انه قال حفظت من رسول الله وعاءين فاما أحدهما فبثثته فيكم واما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم قال البخاري البلعوم مجرى الطعام كما فى شرح الكردي على الطريقة المحمدية وقال سلطان المفسرين والمؤولين ابن عباس رضى الله عنهما معنى الر أنا الله ارى [منم خداى كه مى بينم طاعت مطيعانرا ومعصيت عاصيانرا وهر كس را مناسب عمل او جزا خواهم داد پس اين كلمه مشتمل است بر وعد ووعيد كما فى تفسير الكاشفى] ويقال الالف آلاؤه واللام لطفه والراء ربوبيته كما فى تفسير ابى الليث وسيأتى فى التأويلات غير هذا كِتابٌ اى هذا القرآن كتاب كما ذهب اليه غير واحد من المفسرين أُحْكِمَتْ آياتُهُ نظمت نظما محكما لا يعتريه نقض ولا حلل لفظا ومعنى كالبناء المحكم المرصف او منعت من النسخ بمعنى التغيير مطلقا: وفى المثنوى

مصطفى را وعده كرد ألطاف حق گر بميرى تو نميرد اين سبق
كس نتاند بيش وكم كردن درو تو به از من حافظى ديگر مجو
هست قرآن مر ترا همچون عصا كفرها را دركشد چون اژدها
تو اگر در زير خاكى خفته چون عصايش دان تو آنچهـ گفته
قاصدانرا بر عصايت دست نى تو بخسب اى شه مبارك خفتنى
ثُمَّ فُصِّلَتْ يقال عقد مفصل إذا جعل بين كل لؤلؤتين خرزة. والمعنى زينت آياته بالفوائد كما تزين القلائد بالفرائد اى ميزت وجعلت تفاصيل فى مقاصد مختلفة ومعان متميزة من العقائد والاحكام والمواعظ والأمثال وغير ذلك وثم للتفاوت فى الحكم اى الرتبة لا للتراخى فى الوجود

صفحة رقم 90

والوقوع فى الزمان او للتراخى فى الاخبار لا فى الوقت فان الشائع فى الجمل ان يراد بها نفس مفهومها الا انه قد يراد بها الاخبار. بمفهومها كما تقول فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل والمراد بالتراخي مجرد الترتيب مجازا لظهور ان حقيقة التراخي منتفية بين الاخبارين ضرورة ان الاخبار بالتفصيل وقع عقيب الاخبار بالاحكام او يقال بوجود التراخي باعتبار ابتداء الخبر الاول وانتهاء الثاني والفعلان من قبيل قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل يعنى انه لم يكن البعوض كبيرا اولا ثم جعله الله صغيرا لكنه كان ممكنا فنزل هذا الإمكان منزلة الوجود كما فى شرح الهندي على الكافية مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة ثانية للكتاب وصف اولا بجلالة الشان من حيث الذات ثم وصف من حيث الاضافة. ولدن بمعنى عند لكنها مختصة بأقرب مكان وعند للبعيد والقريب ولهذا تقول عندى كذا لما تملكه حضرك او غاب عنك ولا تقول لدى كذا الا لما هو بحضرتك. والحكيم الخبير هو الله تعالى حكيم فيما انزل خبير بمن أقبل على امره او اعرض عنه أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ مفعول له حذف منه اللام مع فقدان الشرط اعنى كونه فعلا لفاعل الفعل المعلل بناء على القياس المطرد فى حذف حرف الجر مع ان المصدرية كأنه قيل كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لاجل ان لا تعبدوا الا الله اى تتركوا يا اهل مكة عبادة غير الله وتتمحضوا فى عبادته دل على ان لا مقصود من هذا الكتاب الشريف الا هذا الحرف الواحد فكل من صرف عمره الى سائر المطالب فقد خاب وخسر إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ كلام على لسان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم. قوله منه اما حال من نذير وبشير اى كائنا من جهة الله تعالى او متعلق بنذير اى أنذركم من عذابه ان كفرتم اى بقيتم على الكفر وعبادة غير الله تعالى وأبشركم بثوابه ان أمنتم وتقديم النذير لان التخويف هو الأهم إذ التخلية قبل التحلية وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ عطف على ان لا تعبدوا سواء كان نهيا او نفيا وان مصدرية وسوغ سيبويه ان توصل ان بالأمر والنهى لان الأمر والنهى دالان على المصدر دلالة غيرهما من الافعال والاستغفار طلب المغفرة وهى ان يستر على العبد ذنوبه فى الدنيا ويتجاوز عن عقوبته فى العقبى ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها كما فى بحر العلوم للسمرقندى وقال فى الإرشاد المعنى فعل ما فعل من الاحكام والتفصيل لتخصوا الله بالعبادة وتطلبوا منه ستر ما فرط منكم من الشرك ثم ترجعوا اليه بالطاعة انتهى فثم ايضا على بابها فى الدلالة على التراخي الزمانى ويجوز ان يكون ثم لتفاوت ما بين الامرين وبعد المنزلة بينهما من غير اعتبار تعقيب وتراح فان بين التوبة وهى انقطاع العبد اليه بالكلية وبين طلب المغفرة بونا بعيدا كذا ذكره الرضى قال الفراء ثم هاهنا بمعنى الواو لان الاستغفار توبة انتهى يقول الفقير فرقوا بينهما كما قال الحدادي عند قوله تعالى وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ
اى بالتوبة الصادقة وشرطت التوبة لان الاستغفار لا يكون توبة بالإجماع ما لم يقل معه تبت وأسأت ولا أعود اليه ابدا فاغفر لى يا رب يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً انتصابه على انه مصدر بمعنى تمتيعا حذف منه الزوائد. والتمتيع جعل الشخص متمتعا منتفعا بشئ. والمعنى يعيشكم عيشا مرضيا لا يفوتكم فيه شىء مما تشتهون ولا ينغصه شىء من المكدرات إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الى آخر الأعمار المقدرة وتموتوا على فرشكم- كما حكى- ان الله

صفحة رقم 91

تعالى اوحى الى موسى عليه السلام قل لفرعون ان آمنت بالله وحده عمرك فى ملكك وردك شابا طريا فمنعه هامان وقال له انا اردك شابا طريا فاتاه بالوسمة فخضب لحيته بها وهو أول من خضب بالسواد ولذا كان الخضاب بالسواد حراما وقال العتبى اصل الامتاع الاطالة فيقال جبل ماتع وقد متع النهار إذا طال. والمعنى لا يهلككم بعذاب الاستئصال الى آخر ايام الدنيا وهاهنا سؤالان. الاول ان قوله عليه السلام (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) وقوله (وخص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالامثل) ونحوهما يدل على ان نصيب المطيع عدم الراحة فى الدنيا فكيف يكون فى أمن وسعة الى حين الموت. والجواب ان من ربط قلبه بالله ورضى بما قضاه الله فى حقه حيى
حياة طيبة ولذا قال بعضهم متاعا حسنا [رضاست بر آنچهـ هست از نعمت وصبر بر آنچهـ رو نمايد از سخت] ومن ربط قلبه بالأسباب كان ابدا فى الم الخوف من فوات محبوبه فيتنغص عيشه ويضطرب قلبه وكون الدنيا سجنا انما هو بالاضافة الى ما أعد للمؤمن من نعيم الآخرة وهو لا ينافى الراحة فى الجملة- كما حكى- انه كان قاض من اهل بغداد ما را بزقاق كلخان مع خدمه وحشمه كالوزير فطلع الكلخانى فى صورة جهنمى رث الهيئة كان القطران يقطر من جوانبه فاخذ بلجام بغلة القاضي فقال أيد الله القاضي ما معنى قول نبيكم (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) اما ترى ان الدنيا جنة لك وأنت مؤمن محمدى والدنيا سجن لى وانا كافر يهودى فقال القاضي الدنيا وما ترى من زينتها وحشمتها سجن للمؤمنين بالنسبة الى الجنة وما أعد لهم فيها من الدرجات وجنة للكافرين بالنسبة الى جهنم وما أعد لهم فيها من الدركات فعقل اليهودي فاسلم وأخلص. والثاني ان قوله تعالى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يدل على ان للعبد اجلين كما قال الكعبي ان للمقتول اجلين أجل القتل وأجل الموت وان المقتول لو لم يقتل لعاش الى اجله الذي هو أجل الموت وكما قال الفلاسفة ان للحيوان أجلا طبيعيا هو وقت موته لتحلل رطوبته وانطفاء حرارته الغريزيتين وأجلا اختراميا بحسب الآفات والأمراض. والجواب ان الاجل واحد عند اهل السنة والجماعة فان الأرزاق والأعمار وان كانت متعلقة بالأعمال كالاستغفار والتوبة فى هذه الآية وكالصلة فى قوله (صلة الرحم تزيد العمر) لكنها مسماة بالاضافة فى كل أحد بناء على علم الله باشتغاله بما يزيد فى العمر من القرب فلا يثبت تعدد الاجل وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فى الأعمال والأخلاق والكمالات فَضْلَهُ والضمير راجع الى كل اى جزاء فضله من الثواب والدرجات العالية ولا يبخس منه قال سعيد بن جبير فى هذه الآية من عمل حسنة كتب له عشر حسنات ومن عمل سيئة كتب عليه سيئة واحدة فان لم يعاقب بها فى الدنيا أخذ من العشرة واحدة وبقيت له تسع حسنات [وجورجانى گفته كه ذو فضل آنست كه در ديوان ازل بنام او نشان فضل نوشته باشند وهر آينه بعد از وجود بدان شرف خواهد رسيد آنرا كه بدادند ازو باز نگيرند وَإِنْ تَوَلَّوْا اى تتولوا او تعرضوا عما القى إليكم من التوحيد والاستغفار والتوبة وتستمروا على الاعراض وانما اخر عن البشارة جريا على سنن تقدم الرحمة على الغضب فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ بموجب الشفقة والرحمة او أتوقع عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ شاق وهو يوم القيامة قال

صفحة رقم 92
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية