
فأراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن وحجة نبوة محمد عليه السلام ويبالغ في ذلك فقال: فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا- وسبيل من خالجته شبهة في الدين أن يسارع الى حلها واماطتها اما بالرجوع الى قوانين الدين وأدلّته وإما بمقادحة العلماء المنبّهين إلى الحق- فسل علماء أهل الكتاب.
وقال أبو حيان: «والذي أقوله: أنّ إن الشرطية تقتضي تعليق شيء على شيء ولا تستلزم تحتيم وقوعه وإمكانه بل قد يكون ذلك في المستحيل عقلا كقوله تعالى: «قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين» ومستحيل أن يكون له ولد فكذلك هذا مستحيل أن يكون في شك وفي المستحيل عادة كقوله: «فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية» أي فافعل، لكن وقوع «إن» للتعليق على المستحيل قليل وهذه الآية من ذلك ولما خفي هذا الوجه على أكثر الناس اختلفوا في تخريج هذه الآية».
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٨ الى ١٠٠]
فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠)

الإعراب:
(فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) الفاء استئنافية ولولا تحضيضيّة وهذا التحضيض فيه معنى التوبيخ والنفي وقد تقدمت الاشارة الى حروف التحضيض، وكانت قرية فعل وفاعل لأن كان هنا تامة وجملة آمنت صفة لقرية (فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) الفاء عاطفة ونفعها معطوف على الصفة عطف المسبب على السبب وإيمانها فاعل نفعها والجملة قد تقوم مقام الصفة للنكرة وإلا قوم يونس استثناء متصل واقع على المعنى لا على ظاهر اللفظ فكأنه قال: هلّا آمن أهل قرية والجميع مشتركون في العقاب وقوم يونس مستثنى من الجميع ومثل هذا الاستثناء قوله تعالى: «فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم» وقال الزجاج إلا قوم يونس استثناء منقطع وتقديره لكن قوم يونس لما آمنوا ومثله قول النابغة:
وقفت فيها أصيلا كي اسائلها | عيّت جوابا وما بالربع من أحد |
إلا الأواري لأيا ما أبيّنها | والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد |