
والمراد بذلك أمة النبي عليه السلام.
قوله: ﴿إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ إلى قوله ﴿يَعْقِلُونَ﴾
والمعنى: إن الذين وجبت عليهم كلمات ربك وهي قوله: ﴿أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين﴾ [هود: ١٨].
وقال مجاهد: حق عليهم سخطه.
﴿لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حتى يَرَوُاْ العذاب﴾.
أي: يعاينوا ذلك كما لم يؤمن فرعون حتى عاين العذاب. وذلك وقت لا ينفع فيه الإيمان.
ثم قال تعالى: ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ﴾، أي: فهلا كانت قرية آمنت، فنفعها إيمانها. وتقديره: فما كانت قرية آمنت عند معاينتها العذاب، فنفعها إيمانها، في ذلك الوقت ﴿إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ﴾: فإنهم نفعهم إيمانهم عند نزول عذاب الله تعالى، بهم، فكشف الله سبحانه عنهم العذاب. وقوم يونس انتصبوا لأنه استثناء ليس

من الأول.
وقال أبو إسحاق: المعنى: فهلا كانت قرية آمنت في وقت ينفعهم إيمانهم، وجرى هذا بعقب إيمان فرعون عندما أدركه الغرق. فأعلم الله تعالى، أن الإيمان لا ينفع عند وقوع العذاب، ولا عند حضور الموت.
قال تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ﴾ الآية [النساء: ١٨].
قال قتادة: لما فقدوا نبيهم، وأيقنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف الله تعالى، في قلوهم التوبة. فلبسوا المسوح، وألهوا بن كل بهيمة وولدها. ثم عجَّلوا إلى الله سبحانه، أربعين ليلة، فلما علم الله تعالى، الصدق منهم، والتوبة والندامة على ما مضى (كشف الله) عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم. وكان قوم يونس بأرض الموصل.
قال ابن جبير: غشَّى قوم يونس العذاب، كما يغشى الثوب القبر ".

قال ابن عباس: لم يبق بين قوم يونس والعذاب إلا قدر ثلثي ميل، فلما دعوا كشف الله عنهم.
قال ابن جبير: لما أبوا أن يؤمنوا بيونس، قيل له: أخبرهم أن العذاب مصبحهم، فقالولا: إنا لم نجرب عليه كذباً، فانظروا فإن بات فيكم فليس بشيء، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصحبكم. فلما كان في جوف الليل تزوَّد شيئاً ثم خرج. فلما أصبحوا يغشاهم العذاب كما يغشى الثوب القبر، ففرقوا بين الإنسان وولده، والبهيمة وولدها. ثم عجوا إلى الله تعالى، فقالوا: آمنّا بما جاء به يونس وصدقنا. فكشف الله تعالى، عنهم العذاب، فخرج يونس ينظر العذاب، فلم ير شيئاً فقال /: جربوا عليَّ كذباً فذهب مغاضباً لربه حتى أتى البحر.
وعن ابن مسعود قال: أوعد يونس قومه أن العذاب يأتيهم إلى ثلاثة أيام. ففرقوا بين كل والدة وولدها، ثم خرجوا، فجأروا إلى الله سبحانه، واستغفروه، فكف الله تعالى، عنهم العذاب.

ومعنى: ﴿عَذَابَ الخزي﴾، أي: الهوان والذل.
قوله: ﴿إلى حِينٍ﴾ قال الضحاك: إلى الموت.
وقيل: إلى آجاله التي كتبها الله لهم قبل خلقهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعاً﴾: أي: لوفقهم إلى الإيمان بك يا محمد - وبما جئت به. ولكن قد سبق في قضائه من يؤمن، ومن لم يؤمن: وهذا كله رد على المعتزلة الذين يقولون: إن الإيمان والكفر مفوضان إلى العبد، بل كل عامل قد علم الله تعالى، ما هو عامل قبل خلقه له. ولا تقع المجازاة إلا على ذلك بعد ظهورهم منهم، وإقامة الحجج عليهم.
وقوله ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعاً﴾ يدل على ذلك ويبينه.
﴿أَفَأَنتَ﴾ يا محمد ﴿تُكْرِهُ الناس﴾ حتى يؤمنوا بك؟
وفي الإتيان " بجميع " بعد " كلهم " قولان: أحدهما زيادة تأكيد، ونصبه على الحال. وقيل: لما كان كل يقع تأكيداً، ويقع اسماً غير تأكيد أتى معه بما لا يكون تأكيداً، وهو " جميعاً "، فجمع بينهما، ليعلم أن معناهما واحد، وأنه للتأكيد.