آيات من القرآن الكريم

۞ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ

أنهم يبكون بكاءً شديدًا لأجل الحزن والأسف على عدم وجدانهم ما ينفقون ويركبون في خروجهم معك للجهاد في سبيل الله، وابتغاء مرضاته. وهؤلاء، وإن دخلوا في عموم الذين لا يجدون ما ينفقون للجهاد لفقدهم الرواحل، قد خصوا بالذكر اعتناءً بشأنهم، وجعلهم كأنهم قسم مستقل.
وعدم وجود ما يحملون عليه يدخل فيه مراكب النقل، البرية والبحرية والهوائية في هذا العصر، ويتحقق العذر بفقد ما يحتاج إليه منها في كل سفر بحسبه، ويفقد العذر بوجوده، أو المعنى: وليس على من أتوك يسألونك أن تحملهم إلى غزوة تبوك، ثم خرجوا من عندك يبكون لعدم وجدان ما ينفقون في الجهاد سبيل في لومهم، ولذلك سموا البكائين، وهم سبعة من الأنصار: معقل بن يسار، وصخر بن خنساء، وعبد الله بن كعب، وسالم بن عمير، وثعلبة بن عتمة، وعبد الله بن مغفل، وعبد الله بن زيد، فإنهم أتوا رسول الله - ﷺ -، فقال - ﷺ -: "لا أجد ما أحملكم عليه"، فتولوا وهم يبكون، فحمل العباس منهم اثنين، وعثمان ثلاثةً، زيادةً على الجيش الذي جهزه وهو ألفٌ، وحمل يامين بن عمرو النضريُّ اثنين.
٩٣ - ثم ذكر سبحانه وتعالى من عليه السبيل من المتخلفين، فقال: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ﴾؛ أي: طريق العقوبة والمؤاخذة، والطريق هي الأعمال السيئة ﴿علَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾ في التخلف عن الغزو، والقعود عن الجهاد ﴿وَهُمْ أَغْنِيَاءُ﴾؛ أي: والحال أنهم واجدون للأهبة، قادرون على الخروج معك؛ أي إنما الإثم والحرج في التخلف على الذين يستأذنونك فيه، وهم قادرون على الجهاد، وعلى الإنفاق لغناهم، ثم ذكر السبب في استحقاقهم المؤاخذة، فقال: ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾؛ أي: رضوا لأنفسهم بأن يكونوا مع الخوالف، والخالفين من النساء والأطفال والمُعذِّرين من المفسدين وهذه الجملة مستأنفة لبيان ما هو السبب لاستئذانهم من غير عذر، وهو رضاهم بالدناءة والانتظام في جملة الخوالف، إيثارًا للدعة والراحة، وجملة قوله: ﴿وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾؛ أي: ختم على قلوبهم، وأحاطت بهم خطاياهم وذنوبهم، بحسب سنن الله في

صفحة رقم 402

أمثالهم، معطوفة على جملة ﴿رَضُوا﴾؛ أي: سبب الاستئذان مع الغنى، أمران: أحدهما: الرضا بالصفقة الخاسرة، وهي أن يكونوا مع الخوالف، والثاني: الطبع من الله على قلوبهم ﴿فَهُمْ﴾ بسبب هذا الطبع ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ ما فيه الربح لهم حتى يختاروه على ما فيه الخسران؛ أي: لا يعلمون ما في الجهاد من الخير في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا.. فالفوز بالغنيمة والظفر بالعدو، وأما في الآخرة.. فالثواب والنعيم الدائم، الذي لا ينقطع فهم لا يعلمون حقيقة أمرهم، ولا سوء عاقبتهم، وما هو سبب ذلك من أعمالهم، فهم قد رضوا بالمهانة في الدنيا، بانتظامهم في سلك النساء والأطفال، إلا أنَّ تخلف الأفراد عن القتال الذي تسعى إليه الشعوب والأمم يعد من مظاهر الخزي والعار، وقد جعله الدين من أقوى آيات الكفر والنفاق، وأما سوء عاقبتهم، فيكفي فيه فضيحتهم في هذه السورة، كفاء إحجامهم عن الجهاد في سبيله، وما أعده لهم من العذاب العظيم، والخزي والنكال في نار الجحيم، وتقدم نظير هذه الجملة آنفًا، وذكره ثانيًا: للتأكيد، وعبر هنا بالعلم، وهناك بالفقه إشارة إلى أن معناهما واحد، إذ الفقه هو العلم، والعلم هو الفقه. ذكره الصاوي.
الإعراب
﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤)﴾.
﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿لا﴾ ناهية جازمة ﴿تُصَلِّ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة على ﴿عَلَى أَحَدٍ﴾ متعلق به ﴿مِنْهُمْ﴾: جار ومجرور صفة أولى لـ ﴿أَحَدٍ﴾ ﴿مَات﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿أَحَدٍ﴾، والجملة في محل الجر صفة ثانية لـ ﴿أَحَدٍ﴾ ﴿أَبَدًا﴾ ظرف متعلق بـ ﴿لا تصل﴾ وجملة قوله: ﴿وَلَا تَقُمْ﴾: معطوفة على جملة ﴿وَلَا تُصَلِّ﴾ ﴿عَلَى قَبْرِهِ﴾ متعلق به ﴿إنَّهُمْ﴾ ناصب واسمه ﴿كَفَرُوا﴾ فعل وفاعل ﴿بِاللَّهِ﴾ متعلق به ﴿وَرَسُولِهِ﴾ معطوف على الجلالة، وجملة ﴿كَفَرُوا﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة، لتعليل ما قبلها ﴿وَمَاتُوا﴾: فعل

صفحة رقم 403

وفاعل، معطوف على ﴿إنَّهُمْ﴾، ﴿وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾: جملة اسمية في محل النصب حال، من فاعل ﴿مَاتُوا﴾.
﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٨٥)﴾.
﴿وَلَا تُعْجِبْكَ﴾: فعل ومفعول ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾: فاعل ﴿وَأَوْلَادُهُمْ﴾: معطوف عليه، والجملة مستأنفة ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها ﴿أَنْ يُعَذِّبَهُمْ﴾: ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾ ﴿بِهَا﴾: متعلق به، وكذا قوله: ﴿فِي الدُّنْيَا﴾: متعلق به، والجملة في تأويل مصدر، منصوب على المفعولية، تقديره: إنما يريد الله تعذيبه إياهم بها ﴿وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿يُعَذِّبَهُمْ﴾ ﴿وَهُمْ كَافِرُونَ﴾: جملة اسمية في محل النصب، حال من ضمير الغائبين في ﴿أَنْفُسُهُمْ﴾.
﴿وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (٨٦)﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿إِذَا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿أُنْزِلَتْ سُورَةٌ﴾؛ فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إِذَا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها ﴿أن﴾ حرف مصدر ونصب ﴿آمِنُوا﴾ فعل وفاعل في محل النصب بـ ﴿أن﴾ المصدرية ﴿بِاللَّهِ﴾ متعلق به، والجملة في تأويل مصدر مجرور بباء مقدوة، تقديره: وإذا أنزلت سورة بإيمانهم بالله ﴿وَجَاهِدُوا﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿آمِنُوا﴾ ﴿مَعَ رَسُولِهِ﴾ ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿جَاهِدُوا﴾؛ أي: وإذا أنزلت سورة بالإيمان بالله وبالجهاد مع رسوله ﴿اسْتَأْذَنَكَ﴾ فعل ومفعول ﴿أُولُو الطَّوْلِ﴾ فاعل ومضاف إليه ﴿مِنْهُمْ﴾ حال من ﴿أُولُو الطَّوْلِ﴾ والجملة جواب ﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إذا﴾ مستأنفة ﴿وَقَالُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿اسْتَأْذَنَكَ﴾ عطفًا تفسيريًّا، فهو مغن عن بيان ما استأذنوا فيه، وهو القعود، ذكره أبو السعود، ﴿ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ مقول محكي، وإن

صفحة رقم 404

شئت قلت: ﴿ذَرْنَا﴾، فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة في محل النصب مقول القول ﴿نَكُنْ﴾ فعل مضارع ناقص، مجزوم بالطلب السابق، واسمه ضمير يعود على المتكلمين ﴿مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ خبر ﴿نَكُنْ﴾ وجملة ﴿نَكُنْ﴾ في محل لنصب مقول قالوا، على كونها جواب الطلب.
﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٨٧)﴾.
﴿رَضُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، أعني قوله: ﴿اسْتَأْذَنَكَ﴾ ﴿بِأَنْ﴾ ﴿الباء﴾ حرف جر ﴿أن﴾: حرف مصدر ﴿يَكُونُوا﴾ فعل مضارع ناقص، منصوب بـ ﴿أن﴾ ﴿والواو﴾: اسمها ﴿مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ خبرها، وجملة ﴿يكون﴾ في تأويل مصدر، مجرور بالباء، تقديره: رضوا بكونهم مع ﴿الْخَوَالِفِ﴾ الجار والمجرور متعلق بـ ﴿رَضُوا﴾ ﴿وَطُبِعَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة ﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ نائب فعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿رَضُوا﴾ ﴿فَهُمْ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة تفريعية ﴿هم﴾ مبتدأ، وجملة ﴿لَا يَفْقَهُونَ﴾ خبره، الجملة معطوفة مفرعة على جملة طبع.
﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨)﴾.
﴿لَكِنِ﴾ حرف استدراك، على محذوف، تقديره؛ إن تخلف هؤلاء ولم يجاهدوا، فقد جاهد مَنْ هو خير منهم، ذكر البيضاوي، ﴿الرَّسُولُ﴾ مبتدأ ﴿وَالَّذِينَ﴾ معطوف عليه ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿مَعَهُ﴾، متعلق بـ ﴿آمَنُوا﴾ ﴿جَاهَدُوا﴾ فعل وفاعل ﴿بِأَمْوَالِهِمْ﴾ متعلق به ﴿وَأَنْفُسِهِمْ﴾ معطوف عليه، والجملة الفعلية، في محل الرفع، خبر المبتدأ، والجملة الاسمية جملة استدراكية، لا محل لها من الإعراب ﴿وَأُولَئِكَ﴾ مبتدأ أول ﴿لَهُمُ﴾ خبر مقدم ﴿الْخَيْرَاتُ﴾ مبتدأ ثاني مؤخر، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل الرفع، خبر للمبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ الأولى وخبره، مستأنفة ﴿وَأُولَئِكَ﴾ مبتدأ ﴿هُمُ﴾ ضمير فصل ﴿الْمُفْلِحُونَ﴾ خبر، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها.

صفحة رقم 405

﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩)﴾.
﴿أَعَدَّ اللَّهُ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، مسوقة لبيان كونهم مفلحين ﴿لَهُمْ﴾ متعلق به ﴿جَنَّاتٍ﴾ مفعول به ﴿تَجْرِي﴾ فعل مضارع ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ متعلق به ﴿الْأَنْهَارُ﴾ فاعل والجملة الفعلية في محل الجر صفة لـ ﴿جَنَّاتٍ﴾ ﴿خَالِدِينَ﴾ حال من ضمير لهم ﴿فِيهَا﴾ متعلق به ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ﴾ مبتدأ وخبر ﴿الْعَظِيمُ﴾ صفة له، والجملة مستأنفة.
﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٠)﴾.
﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ حال من ﴿الْمُعَذِّرُونَ﴾ ﴿لِيُؤْذَنَ﴾ ﴿اللام﴾ حرف جر وتعليل ﴿يؤذن﴾: فعل مضارع، مغير الصيغة، منصوب بأن مضمرة جوازًا، بعد لام كي ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور، نائب فاعل، والجملة في تأويل مصدر، مجرور باللام، تقديره: للإذن لهم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿جَاءَ﴾ ﴿وَقَعَدَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿جاء﴾ ﴿كَذَبُوا اللَّهَ﴾ فعل وفاعل ومفعول ﴿وَرَسُولَهُ﴾ معطوف على الجلالة، والجملة الفعليه، صلة الموصول ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ﴾: فعل ومفعول ﴿كَفَرُوا﴾ صلة الموصول ﴿مِنْهُمْ﴾ حال من فاعل ﴿كَفَرُوا﴾ ﴿عَذَابٌ﴾: فاعل ﴿أَلِيمٌ﴾ صفة له، والجملة الفعلية مستأنفة.
﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١)﴾.
﴿لَيْسَ﴾: فعل ماض ناقص ﴿عَلَى الضُّعَفَاءِ﴾: جار ومجرور، خبر ﴿لَيْسَ﴾ مقدم على اسمها ﴿وَلَا عَلَى الْمَرْضَى﴾: جار ومجرور، معطوف على الجار والمجرور قبله وكذا قوله: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ﴾: معطوف عليه ﴿لَا يَجِدُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿مَا﴾ موصولة، أو موصوفة، في محل النصب، مفعول ﴿يَجِدُونَ﴾ وجملة ﴿يُنْفِقُونَ﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد، أو

صفحة رقم 406

الرابط محذوف، تقديره: ما ينفقونه ﴿حَرَجٌ﴾ اسم ﴿لَيْسَ﴾ مؤخر عن خبرها، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ مستأنفة ﴿إِذَا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿نَصَحُوا لِلَّهِ﴾: فعل وفاعل ومفعول ﴿وَرَسُولِهِ﴾ معطوف على الجلالة، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إِذَا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب المحذوف، تقديره: إذ نصحوا لله ولرسوله ليس عليهم حرج، وجملة ﴿إِذَا﴾ معترضة، لا محل لها من الإعراب، لاعتراضها بين المتعاطفين ﴿مَا﴾: نافية ﴿عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ خبر مقدم ﴿مِنْ سَبِيلٍ﴾: مبتدأ مؤخر ﴿مِنْ﴾ زائدة، والجملة مستأنفة ﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿غَفُورٌ﴾ خبر أول ﴿رَحِيمٌ﴾ خبر ثان، أو صفة له، والجملة مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢)﴾.
﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ﴾ معطوف على قوله: ﴿عَلَى الضُّعَفَاءِ﴾؛ أي: وعلى الذين إلخ ﴿حَرَجٌ﴾ أو معطوف على ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ أي: ليس عليهم سبيل ﴿إذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿مَا﴾: زائدة ﴿أَتَوْكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول فعل شرط لـ ﴿إِذَا﴾ ﴿لِتَحْمِلَهُمْ﴾ ﴿اللام﴾: لام كي ﴿تَحْمِلَهُمْ﴾: فعل ومفعول، منصوب بأن مضمرة، وفاعله ضمير، يعود على محمَّد، والجملة في تأويل مصدر، مجرور باللام، تقديره: لحملك إياهم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أَتَوْكَ﴾ ﴿قُلْتَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض، معطوفة بعاطف مقدر على جملة ﴿أَتَوْكَ﴾ على كونها فعل شرط لها، وفيه أوجه أخرى ﴿لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾: مقول محكي، إن شئت قلت: ﴿لَا﴾: نافية ﴿أَجِدُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير، يعود على محمَّد ﴿مَا﴾ موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿أَجِدُ﴾ ﴿أَحْمِلُكُمْ﴾: فعل ومفعول، ﴿عَلَيْهِ﴾ متعلق به، وفاعله ضمير، يعود على محمَّد، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها ﴿تَوَلَّوْا﴾: فعل وفاعل جواب إذا، وجملة إذا صلة الموصول ﴿وَأَعْيُنُهُمْ﴾ مبتدأ، وجملة ﴿تَفِيضُ﴾: خبره ﴿مِنَ الدَّمْعِ﴾: متعلق به، والجملة الاسمية، في محل النصب حال من فاعل

صفحة رقم 407

﴿تَوَلَّوْا﴾ ﴿حَزَنًا﴾ مفعول لأجله ﴿تَفِيضُ﴾ ﴿أَلَّا﴾ ﴿أن﴾ حرف نصب ومصدر ﴿لَّا﴾: نافية ﴿يَجِدُوا﴾ فعل وفاعل، منصوب بـ ﴿أن﴾ ﴿مَا﴾ موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول ﴿يَجِدُوا﴾ وجملة ﴿يُنْفِقُونَ﴾ صلة لـ ﴿مَا﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: ما ينفقونه، وجملة ﴿يَجِدُوا﴾ صلة ﴿أن﴾ المصدرية ﴿أن﴾ مع صلتها، في تأويل مصدر، منصوب عل كونه مفعولًا لأجله لحزنًا تقديره: حزنا لعدم وجدانهم ما ينفقون، فيكون علل فيض الدمع، بالحزن، وعلل الحزن، بعدم وجدان النفقة، وكون التقدير: وأعينهم تفيض من الدمع لأجل الحزن، لعدم وجدان ما ينفقونه.
﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٩٣)﴾.
﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ﴾: مبتدأ ﴿عَلَى الَّذِينَ﴾: خبره، والجملة مستأنفة ﴿يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول ﴿وَهُمْ أَغْنِيَاءُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب، حال من فاعل ﴿يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾ ﴿رَضُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، مسوقة لتعليل الاستئذان؛ أي: لأنهم رضوا ﴿بِأَنْ﴾ ﴿الباب﴾ حرف جر و ﴿أن﴾ مصدرية ﴿يَكُونُوا﴾: فعل ناقص، واسمه منصوب بـ ﴿أن﴾ المصدرية ﴿مَعَ الْخَوَالِفِ﴾: خبر ﴿يَكُونُوا﴾ وجملة ﴿يَكُونُوا﴾ في تأويل مصدر مجرور بالباء، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿رَضُوا﴾؛ أي: رضوا بكونهم مع الخوالف ﴿وَطَبَعَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، معطوف على جملة ﴿رَضُوا﴾ ﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿طَبَعَ﴾ ﴿فَهُمْ﴾: ﴿الفاء﴾ عاطفة تفريعية ﴿هم﴾ مبتدأ، وجملة ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية، معطوفة مفرعة على جملة ﴿طَبَعَ اللَّهُ﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ أبدًا، اسم لزمان بعد زمان تكلمك إلى ما لا نهاية له، وهو هنا لتأييد النفي ﴿وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾؛ أي: لا تقف عليه، ولا تتولَّ دفنه، من قولهم: قام فلان بأمر فلان، إذا كفاه أمره، وناب عنه فيه،

صفحة رقم 408

كما في "الخازن" ﴿أُولُو الطَّوْلِ﴾ والطول: بالفتح، الغنى والثروة، وقد يراد به الفضل والمنة، من طال عليه طولًا، ﴿وَقَالُوا ذَرْنَا﴾ أي: دعنا واتركنا، تقول: ذره؛ أي: دعه وهو يذره؛ أي: يدعه، ولا يقال منه: وذر، ولا واذر، ولكنه تركه، وهو تارك؛ لأنه من الأفعال التي ليس لها مصدر ولا ماض، ولا اسم فاعل.
﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ رضوا أصله: رضيوا، بوزن فرحوا، استثقلت الضمة على الياء، ثم نقلت إلى ما قبلها، فالتقى ساكنان، ثم حذفت الياء، فصار رضوا، بوزن فعوا و ﴿الْخَوَالِفِ﴾ جمع خالفة من صفة النساء، وهذه صفة ذم، وقال النحاس: يجوز أن تكون الخوالف من صفة الرجال، بمعنى: أنها جمع خالفة، يقال: رجل خالفة؛ أي: لا خير فيه، فعلى هذا، يكون جمعًا للذكور باعتبار لفظه، وقال بعضهم: إنه جمع خالف، يقال: رجل خالف؛ أي: لا خير فيه، وهذا مردود، فإن فواعل لا يكون جمعًا لفاعل وصفًا لعاقل إلا ما شد، من نحو: فوارس ونواكس، وهوالك اهـ "سمين".
﴿وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ﴾: وهي جمع خير، فيشمل منافع الدنيا والدين، وقيل: المراد به: النساء الحسان، كقوله تعالى: ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (٧٠)﴾ ومفرده خيرة بالتشديد، ثم خفف مثل: هيئة وهينة ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾ جمع معذر، من عذر في الأمر، إذا قصر فيه وتوانى ولم يجد، وهو يوهم أن له عذرًا فيما يفعل ولا عذر له، وقد يكون أصله المعتذرون، من اعتذر، والمعتذر إما صادق أو كاذب، وقال أبو حيان: قرأ الجمهور: ﴿الْمُعَذِّرُونَ﴾ بفتح العين وتشديد الذال، فاحتمل وزنين:
أحدهما: أن يكون فعَّل، بتضعيف العين، ومعناه: تكلف العذر ولا عذر له، والثاني: أن يكون وزنه افتعل، وأصله اعتذر، كاختصم، فأدغمت التاء في الذال، ونقلت حركتها إلى العين، فذهبت ألف الوصل، ويؤيِّده قراءة سعيد بن جبير: ﴿الْمُعَذِّرُونَ﴾ بالتاء، من اعتذر. ومن ذهب إلى أن وزنه افتعل الأخفش والفراء وأبو عبيد وأبو حاتم والزجاج وابن الأنباري ﴿مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ بفتح

صفحة رقم 409

الهمزة: سكان البوادي الناطقون بالعربية، والعربي: من نطق بالعربية مطلقًا، سكن البوادي أم لا، فهو أعم من الأعراب، وبكسرها مصدر أعرب الكلام، إذا بين، ويطلق على المعنى المصطلح عند النحاة ﴿كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي أظهروا الإيمان بهما كذبًا، يقال: كذبته نفسه، إذا حدثته بالأماني والأوهام التي لا يبلغها، وكذبته عينه إذا أرته ما لا حقيقةً له ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ﴾ جمع ضعيف كشرفاء جمع شريف، وهو الهرم ومن خلق في أصل البنية شديد النحافة والضؤولة، بحيث لا يمكنه الجهاد ﴿وَلَا عَلَى الْمَرْضَى﴾: جمع مريض كجريح وجرحى، والمريض: من عرض له المرض، أو كان زمنًا، ويدخل فيه العمى والعرج ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ﴾ هم الفقراء ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ يقال: حمله على البعير أو غيره، إذا أركبه إياه، أو أعطاه إياه ليركبه، وكأنَّ الطالب لظهر يركبه، يقول: لمن يطلب منه: احملني ﴿وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾؛ أي: تفيض فيضًا، مبتدأ من الدمع، أي: من كثرته وفي "البيضاوي" تفيض من الدمع، أي: يفيض دمعها، فإن ﴿من﴾ البيانية مع مجرورها، في محل نصب على التمييز المحول عن الفاعل، يقال: فاض يفيض فيضًا، إذا انصبَّ عن امتلاءٍ، والدمع ماء العين الملح الحار.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التكرار في قوله: ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ وفي قوله: ﴿وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وفي قوله: (﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ﴾ الآية.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿مَعَ الْخَوَالِفِ﴾؛ لأن الخوالف حقيقة في الأعمدة التي في أواخر بيوت الحيِّ مجاز في النساء، شبه النساء لكثرة لزومهن البيوت بالخوالف؛ أي: بالأعمدة التي تكون في البيوت، على طريقة الاستعارة التصريحية الأصلية، وقال الآلوسي: الخوالف: النساء المقيمات في دار الحي، بعد رحيل الرجال، ففيه استعارة، وإنما سمي النساء خوالف، تشبيهًا

صفحة رقم 410

لهن بالخوالف، وهي الأعمدة تكون في أواخر بيوت الحيِّ، فشبهت لكثرة لزوم البيوت بالخوالف التي تكون في البيوت، انتهى.
ومنها: الاستهجان والمبالغة في الذم لهم، في قوله ﴿بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾؛ لأن الخوالف: النساء، فكونهم رضوا بأن يكونوا قاعدين مع النساء في المدينة أبلغ ذم لهم وتهجينٍ؛ لأنهم نزلوا أنفسهم منزلة النساء العجزة، اللواتي لا مدافعة عندهن ولا غنى. ذكره في "البحر المحيط".
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾؛ لأن المراد بالمحسنين: المتخلفون للعذر، وهم الضعفاء والمرضى والفقراء، فحق العبارة أن يقال: ما عليهم من سبيل، وإنما أتى بالظاهر للدلالة على انتظامهم بنصحهم في سلك المحسنين اهـ "أبو السعود".
ومنها: ذكر الخاص بعد العام في قوله: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ إلخ؛ لأنهم داخلون في الذين لا يجدون ما ينفقون، ذكرهم اعتناء بشأنهم، أفاده في "روح البيان".
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾؛ لأن الفيض مجاز عن الامتلاء بعلاقة السببية؛ لأن الامتلاء سبب للفيض، الذي هو انصباب الدمع بكثرةٍ، فالمجاز في المسند أو الفيض على حقيقته، والمجاز في إسناده إلى العين للمبالغة، كجرى النهر، ذكره في "الفتوحات".
ومنها: الحذف والزيادة في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *

صفحة رقم 411

شعر

الصَّبْرُ مِفْتَاحُ مَا يُرَجَّى وَكُلُّ خَيْرٍ بِهِ يَكُوْنُ
وَرُبَّمَا نِيْلَ بِاصْطِبَارٍ مَا قَبْلَ هَيْهَاتَ لاَ يَكُوْنُ (١)
(١) وكان الفراغ بحمد الله سبحانه وتعالى، من مُسوَّدة هذا المجلد الحادي عشر، في الليلة الثامنة، أوئل الليل من شهر الله المبارك، شهر شوال، عن شهور سنة عشرٍ وأربع مئة وألف من الهجرة النبوية (٨/ ١٠/ ١٤١٠ هـ) بحارة الرشد بالمسفلة، من مكة المكرمة، زادها الله شرفًا، وختم عمرنا فيها بالإيمان الصادق، والإسلام الكامل، وصلى الله عليه وسلم وبارك على خير خلقه محمَّد، وآله وصحبه وجنده آمين والحمد لله رب العالمين.
تَمَّ بعون الله تعالى وتوفيقه المجلد الحادي، من تفسير "حدائق الروح والريحان؛ في روابي علوم القرآن"، ويليه المجلد الثاني عشر، إن شاء الله تعالى، وأوله قوله تعالى: ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ...﴾ الآية، آية رقم (٩٤) من سورة التوبة.
تم تصحيح هذه النسخة بيد مؤلفة في تاريخ (١٧/ ١١/ ١٤١١ هـ).

صفحة رقم 412

تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
تأليف
الشيخ العلامة محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي
المدرس بدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة
إشراف ومراجعة
الدكتور هاشم محمد علي بن حسين مهدي
خبير الدراسات برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة
«المجلد الثاني عشر»

صفحة رقم

حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م
دار طوق النجاة
بيروت - لبنان

صفحة رقم 2

تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
[١٢]

صفحة رقم 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

صفحة رقم 4

شعرٌ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إكْمَالِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى إِفْضَالِهِ.
ثُمَّ صَلاَتُهُ مَعَ سَلاَمِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَخَيْرِ آلِهِ
بِقَدْرِ الْكدِّ تُكْتَسَبُ الْمَعَالِيْ وَمَنْ طَلَبَ الْعُلاَ سَهِرَ اَللَّيَالِي
عَجَبًا لِلطَّالِبِ كَيْفَ يَنَامُ وَكُلُّ النَّوْمِ عَلَى الطَّالِبِ حَرَامُ
مَنْ رَامَ الْعِلْمَ بِغَيْرِ كَدِّ سَيُدْرِكُهَا حِيْنَ شَابَ الْغُرَابُ
آخر
وَاِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الْخَلَلاَ وَجَلَّ مَنْ لاَ عَيبَ فِيْهِ وَعَلاَ
آخر

صفحة رقم 5

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حَمْدًا لِمَنْ وَفَّقَنا بشرحِ كتابه، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّه وآله وأصحابه، صلاة وسلامًا مستمِرَّينِ إلى يوم حشره وحسابه.
أما بعدُ: فإني لما فرغْتُ من الجزء العاشر من الكتاب والقرآن الكريم.. ابتدَرْتُ إلى الشروع في الجزء الحادي عشر مسابقةً للِمَنِيَّةِ، فقلت:
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٩٦) الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (١٠١) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَةِرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ

صفحة رقم 7

لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦)}.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ...﴾ الآية، مناسبةُ هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) ذكر من يستحقون اللوم والمؤاخذة من المعذرين، ومن لا سبيل إلى مؤاخدتهم ولا حرج عليهم.. ذكر في هذه الآيات ما سيكون من أمر المنافقين الذين تخلفوا في المدينة وما حولها عن غزوة تبوك مع الرسول - ﷺ - بعد عودتهم.
قوله تعالى: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٢) أنهم يصدر منهم الاعتذار.. أخبر أنهم سيؤكدون ذلك الاعتذار الكاذب بالحلف، وأن سبب الحلف هو طلبهم أن يعرضوا عنهم، فلا يلوموهم ولا يوبخوهم.
قوله تعالى: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٣) أحوال العرب مؤمنيهم ومنافقيهم.. بيَّن في هذه الآيات الثلاث أحوال الأعراب مؤمنيهم ومنافقيهم كذلك.
قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر فضائل الأعراب الذين يتخذون ما ينفقون قربات.. أردف ذلك بذكر منازل أعلى من منازلهم، وهي منازل السابقين من المهاجرين والأنصار، ثم ذكر بعدهم حال طائفة من المنافقين هي شر الجميع، مرنت على النفاق، وحذقت فنونه، وحال طائفة أخرى بين المنزلتين خلطت سيء العمل بأحسنه، وهؤلاء يرجى لهم التوبة والغفران من ربهم.
قوله تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ...﴾ الآية، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٤) شرح أحوال منافقي المدينة ثم أحوال

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.

صفحة رقم 8

منافقي الأعراب، ثم بين أن في الأعراب من هو مخلص صالح، ثم بيَّن رؤساء المؤمنين من هم.. ذكر في هذه الآية أن منافقين حولكم من الأعراب وفي المدينة لا تعلمونهم؛ أي: لا تعلمون أعيانهم، أو لا تعلمونهم منافقين.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ...﴾ الآيتين، سبب نزولهما: ما أخرجه ابن جرير بسنده أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يقول: لما قدم رسول الله - ﷺ - من تبوك.. جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلًا، فقبل منهم رسول الله - ﷺ - علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، وصدقته حديثي، فقال كعب: والله ما أنعم الله عليَّ من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله - ﷺ - أن لا أكون كذبته فأهلك، كما هلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي، شرَّ ما قال لأحد: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥)﴾ إلى قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ...﴾ الحديث، رجاله رجال الصحيح ونحوه في "صحيح البخاري" في ختام حديث كعب بن مالك في كتاب المغازي باب غزوة تبوك.
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما (١) أخرجه ابن جرير عن مجاهد قال: إنها نزلت في بني مقرن من مزينة الذين نزلت فيهم: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾. وقال (٢) عبد الرحمن بن معقل بن مقرن المزني: كنا عشرة ولد مقرن، فنزلت فينا هذه الآية: يعني ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ...﴾ الآية، يريد الستة أو السبعة الإخوة على الخلاف في عددهم وبنيهم.

(١) لباب النقول.
(٢) البحر المحيط.

صفحة رقم 9
حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأرمي العلوي الهرري الشافعي
راجعه
هاشم محمد علي مهدي
الناشر
دار طوق النجاة، بيروت - لبنان
سنة النشر
1421
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
يَا رَبَّنَا يَا رَبَّنا يَا رَبَّنا يَا رَبَّنا بَارِكْ لَنَا فِي أَعْمَارِنَا
يَا رَبَّنَا يَا رَبَّنا يَا رَبَّنَا كُنْ وَافِيًا لَنَا مُرَادَنَا
وَلبَنِيْ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَهْ مَعْذِرَةٌ مَقْبُوْلَةٌ مُسْتَحْسَنَهْ