
[الجزء الحادي عشر]
[تتمة سورة التوبة]مؤاخذة المتخلفين الأغنياء بغير عذر
[سورة التوبة (٩) : آية ٩٣]
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣)
المفردات اللغوية:
إِنَّمَا السَّبِيلُ بالمعاتبة يَسْتَأْذِنُونَكَ في التخلف عن الجهاد وَهُمْ أَغْنِياءُ واجدون للأهبة رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ استئناف لبيان ما هو السبب لاستئذانهم من غير عذر، وهو رضاهم بالدناءة والانتظام في جملة الخوالف من النساء والصبيان والعجزة، إيثارا للدعة والراحة وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ختم عليها بسبب تقصيرهم حتى غفلوا عن سوء العاقبة فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ لا يدركون مغبة عملهم.
المناسبة:
لما قال الله تعالى في الآية السابقة: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ قال في هذه الآية: إنما السبيل على من كان مستأذنا من الأغنياء، أي إن طريق المعاتبة بالتخلف عن الجهاد لهؤلاء المنافقين.
التفسير والبيان:
لما بيّن الله تعالى من لا سبيل عليه وهم ذوو الأعذار بحق، ذكر من عليهم السبيل، أي إن العلامة والمعاتبة لا على المحسنين، وإنما على هؤلاء الذين يستأذنون في العقود عن الجهاد، وهم أغنياء قادرون على إعداد العدة من زاد وراحلة وسلاح وغير ذلك، فلا عذر لهم البتة، والسبب في استحقاقهم المؤاخذة:
أنهم رضوا لأنفسهم بأن يكونوا مع الخوالف والخالفين من النساء والصبيان صفحة رقم 5

والعجزة والمرضى والمعذّرين المفسدين، فكان شأنهم قبول المهانة والمذلة والانتظام في جملة الخوالف، وذلك من أخس مظاهر الخزي والعارفي عرف العرب وغيرهم.
وقد تكرر هذا مع الآية السابقة [٨٧] لترسيخ هذا الوصف فيهم، وللتأكيد في التحذير من سوء أفعالهم.
وترتب على تقصيرهم ما قاله تعالى في الآيتين: وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ... أي وختم عليها، حتى لا يصل إليها الخير، ولا ينفذ إليها النور، فهم لذلك لا يهتدون، ولا يعلمون ما في الجهاد من منافع الدين والدنيا، بسبب ما أحاطت بهم خطاياهم وذنوبهم، فأصبحوا لا يدركون حقيقة أمرهم، وسوء عاقبتهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
الإسلام دين العقل والمنطق والواقعية، كما أنه دين الرحمة والحق والعدل، لذا فإنه تعالى نفى السبيل على المحسنين، أي رفع العقوبة والإثم عن المؤمنين ذوي الأعذار، وأوجب العقوبة والمأثم على المنافقين المستأذنين وهم أغنياء ذوو قدرة على الجهاد بالمال والنفس. وقد كرر تعالى ذكرهم للتأكيد في التحذير من سوء أفعالهم.
فلا عذر لهم بالتخلف عن الجهاد، وإنما كان السبب في استئذانهم رضاهم بالدناءة والخسة، وخذلان الله تعالى إياهم، وأن الله طبع على قلوبهم، بسبب سوء أعمالهم.
ويا لها من خسارة! فقد شلّ فيهم عنصر أو أداة التمييز بين الخير والشر، وبين المصلحة والضرر. وإنهم خسروا الدنيا والآخرة، ففي الدنيا أصبحوا قوما منبوذين عن المجتمع، وفي الآخرة ينتظرهم العذاب الأليم.