آيات من القرآن الكريم

۞ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ

(وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أي وقعد عن القتال وعن المجيء للاعتذار الذين أظهروا الإيمان بهما كذبا وإيهاما على غير اعتقاد صادق، قال أبو عمرو بن العلاء: كان كلا الفريقين مسيئا، قوم تكلفوا عذرا بالباطل وهم الذين عناهم الله بقوله: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ وقوم تخلفوا من غير عذر فقعدوا جرأة على الله تعالى، فأوعد المكذبين وبعض المعتذرين بقوله:
(سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي سيصيب الذين كذبوا الله ورسوله من المنافقين والكاذبين من المعتذرين الذين فى قلوبهم مرض- عذاب أليم فى الدنيا والآخرة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٩١ الى ٩٣]
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣)
المعنى الجملي
بعد أن ذكر المعذرين والذين كذبوا الله ورسوله، وذكر وعيدهم على سوء صنيعهم- قفى على ذلك بذكر أصناف ثلاثة أعذارها مقبولة، ثم أردف هذا بذكر شر الأعذار وهو استئذان الأغنياء.

صفحة رقم 181

الإيضاح
(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أي إن التكليف بالغزو ساقط عن أصناف ثلاثة:
(١) الضعفاء وهم من لا قوة لهم فى أبدانهم تمكنهم من الجهاد كالشيوخ والعجزة والنساء والصبيان وذوى العاهات التي لا تزول كالكساح والعمى والعرج.
(٢) المرضى وهم من عرضت لهم أمراض لا يتمكنون معها من الجهاد، وعذرهم ينتهى إذا شفوا منها.
(٣) الفقراء الذين لا يجدون ما ينفقون منه على أنفسهم إذا ما خرجوا، ولا ما يكفى عيالهم.
وقد كان المؤمنون يجهزون أنفسهم للقتال، فالفقير ينفق على نفسه، والغنى ينفق على نفسه وعلى غيره بقدر سعته كما فعلوا فى غزوة تبوك.
والخلاصة- إن هذه الأصناف الثلاثة لا حرج عليهم: أي لا ضيق عليهم ولا إثم فى قعودهم عن الجهاد الواجب على شرط أن ينصحوا لله ورسوله: أي يخلصوا لله فى الإيمان وللرسول فى الطاعة بعمل كل ما فيه مصلحة للأمة الإسلامية ولا سيما المجاهدين منها من كتمان السر والحث على البر ومقاومة الخائنين فى السر والجهر.
روى مسلم عن تميم الداري أن رسول الله ﷺ قال: «الدين النصيحة- قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وروى البخاري ومسلم عن جابر قال: «بايعت رسول الله ﷺ على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم».
(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) السبيل: الطريق أي ليس لأحد أدنى طريق يسلكها لمؤاخذتهم، فكل السبل مسدودة دون الوصول إليهم.
وقد جاء هذا الأسلوب كثيرا فى الكتاب الكريم، وهو عام فى كل من

صفحة رقم 182

أحسن عملا من أعمال البر والتقوى كما قال تعالى: «بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ».
وقد تفضل الشارع الحكيم فجازى المحسن بأضعاف إحسانه ولم يؤاخذ المسيء إلا بقدر إساءته.
والخلاصة- إن كل ناصح لله ورسوله فهو محسن، ولا سبيل إلى مؤاخذة المحسن وإيقاعه فى الحرج.
ثم قفّى ذلك بذكر الصفح عنهم والتجاوز عن سيئاتهم فقال:
(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي وهو سبحانه كثير المغفرة واسع الرحمة يستر على المقصرين ضعفهم فى أداء الواجبات ما داموا مخلصين النصح لله ورسوله، ويدخلهم فى زمرة الصالحين من عباده.
أما المنافقون المسيئون فلا يغفر لهم ولا يرحمهم إلا إذا تابوا وأقلعوا عن النفاق الذي كان سببا فى ارتكاب هذه الآثام.
(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) يقال حمله على البعير أو غيره أركبه إياه أو أعطاه إياه ليركبه، وكأنّ الطالب لظهر يركبه يقول لمن يطلب منه: احملني.
أي لا حرج على من ذكروا أولا ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم على الرواحل فيخرجوا معك، فلم تجد ما تحملهم عليه، وهؤلاء وإن دخلوا فى عموم الذين لا يجدون ما ينفقون للجهاد لفقدهم الرواحل- قد خصوا بالذكر اعتناء بشأنهم وجعلهم كأنهم قسم مستقل.
(تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) أي انصرفوا من مجلسك وهم يبكون بكاء شديدا يصحبه حزن عميق، فكانت أعينهم تمتلىء دمعا يتدفق من جوانبها حزنا وأسفا على أنهم لا يجدون ما ينفقون ولا ما يركبون فى خروجهم معك للجهاد فى سبيل الله وابتغاء مرضاته.

صفحة رقم 183

روى ابن جرير عن ابن عباس قال: «أمر رسول الله ﷺ الناس أن ينبعثوا غازين، فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني فقالوا يا رسول الله احملنا فقال: (والله لا أجد ما أحملكم عليه) فأنزل الله (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) الآية، وكانوا يسمون البكائين.
وفى رواية أنهم ما سألوه إلا الحملان على البغال، وفى رواية أنهم سألوه الزاد والماء، ولا مانع من وقوع كل هذا فى هذه الغزوة الكبيرة، ولكن الذين فى الآية هم طلاب الرواحل.
وعدم وجود ما يحملون عليه يدخل فيه مراكب النقل البرية والبحرية والهوائية فى هذا العصر، ويتحقق العذر بفقد ما يحتاج إليه منها فى كل سفر بحسبه، ويفقد العذر بوجوده.
ولما بين من لا سبيل عليهم فى تلك الحال- ذكر من عليهم السبيل فقال:
(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ) أي إنما الطريق الموصل للمؤاخذة والمعاقبة بالحق على من يطلبون الإذن فى القعود عن الجهاد والتخلف عن الغزو وهم أغنياء يستطيعون إعداد العدة من زاد وراحلة ونحو ذلك.
ثم ذكر السبب فى استحقاقهم المؤاخذة فقال:
(رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) أي رضوا لأنفسهم بأن يكونوا مع الخوالف والخالفين من النساء والأطفال والمعذرين من المفسدين.
(وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي وأحاطت بهم خطاياهم وذنوبهم بحسب سنن الله فى أمثالهم، فهم لا يعلمون حقيقة أمرهم ولا سوء عاقبتهم، وما هو سبب ذلك من أعمالهم، فهم قد رضوا بالمهانة فى الدنيا بانتظامهم فى سلك النساء والأطفال- إلا أنّ تخلف الأفراد عن القتال الذي تسعى إليه الشعوب والأمم يعد من مظاهر الخزي والعار، وقد جعله الدين من أقوى آيات الكفر والنفاق.

صفحة رقم 184

وأما سوء عاقبتهم فيكفى فيه فضيحتهم فى هذه السورة كفاء إحجامهم عن الجهاد فى سبيله. وما أعده لهم من العذاب العظيم والخزي والنكال فى نار الجحيم.
اللهم يا مقلّب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا لدى هول الموقف والحساب، واجعلنا ممن أخلصوا ال؟؟؟؟ السر والنجوى، واحشرنا فى زمرة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وقد كان الفراغ من مسوّدة هذا الجزء فى الحادي عشر من ذى القعدة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة بمدينة حلوان من أرباض القاهرة، وله الحمد أولا وآخرا.

صفحة رقم 185

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء
الصفحة المبحث ٤ الغنيمة. الفيء. النفل ٥ الحكمة فى تقسيم الخمس ٩ الثبات قوة معنوية ١٠ التنازع مدعاة الفشل ١٣ الملائكة يلهمون المؤمنين ما يثبت قلوبهم ١٧ الله لا يحابى بعض الشعوب بنسبها وفضل أجدادها ١٨ عقاب الله جار على سننه المطردة فيها ٢١ استعمال القسوة مع ناقضى العهود لا بد منه للعظة والاعتبار ٢٤ الحرب ليست محبوبة عند الله ولا عند رسوله ٢٥ الاستعداد للحرب يمنع الحرب ٢٨ التآلف من أقوى وسائل التعاون والتناصر ٣٠ حث المؤمنين على القتال ٣٢ من سنن الله أن يكون الغلب للصابرين ٣٥ عتاب الله لنبيه على أخذ الفداء يوم بدر ٣٨ أخذ الفداء من عمه العباس يوم بدر ٤٠ ترغيب الأسرى فى الإيمان وإنذارهم عاقبة الخيانة ٤٣ امتازت الشريعة الإسلامية بحفظ العهود والمواثيق ٥٣ أمر الله نبيه بنبذ عهود المشركين

صفحة رقم 186

الصفحة المبحث ٥٥ الوفاء بالعهود من فرائض الإسلام ٦٧ الأمر بقتال المشركين لأسباب ثلاثة ٧٥ ما ورد فى عمارة المساجد ٨٠ الأمور الداعية إلى مخالفة الكفار ٨٤ محبة الله ورسوله ٨٦ بعوث النبي ﷺ وسراياه ٩٠ بلاد الإسلام فى حق الكفار أقسام ثلاثة ٩٣ الأمور التي دعت إلى قتال المشركين ٩٨ من عزير؟
١٠٠ عقيدة التثليث ١٠٥ حديث بين عدى بن حاتم والنبي ﷺ ١٠٧ أكل أموال الناس بالباطل على صور ١١٠ كل مال أديت زكاته فليس بكنز ١١٤ ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ١١٦ إنما النسيء زيادة فى الكفر ١١٨ غزوة تبوك ١١٩ أسباب تثاقلهم عن القتال فى غزوة العسرة ١٢٢ إنزال الملائكة مدد للمؤمنين يوم بدر ١٢٤ الأمر بجهاد الأعداء بالأموال والأنفس ١٢٦ عتاب الرسول فى إذنه لمن تخلف من المنافقين فى غزوة تبوك ١٢٨ ليس من شأن المؤمن أن يستأذن الرسول فى أمر الجهاد بالأنفس والأموال ١٣٠ المفاسد التي تنجم من وجود المنافقين فى الجيش

صفحة رقم 187

الصفحة المبحث ١٣٢ من تربية الله لرسوله أن يبين الحقائق بعد اجتهاده ١٣٤ كان المنافقون يشيعون قالة السوء عن الرسول والمؤمنين ١٣٥ التوكل على الله حقا يقوم بما أوجبه عليه فى شرعه ١٣٧ أوصاف المنافقين ١٤٠ لمزهم للنبى ﷺ فى قسمته الصدقات ١٤٢ مصارف الزكاة ١٤٧ كان المنافقون يؤذون النبي ﷺ ويقولون هو أذن ١٤٨ إيذاء الرسول فى شأن الرسالة كفر وفى غيرها حرام ١٥٠ من يحاد الله ورسوله فله نار جهنم خالدا فيها أبدا ١٥٢ كانوا يستهزئون بالله ورسوله ويقولون إنا كنا لاعبين هازلين ١٥٩ أقسام الولاية ١٦٣ المنافقون يعاملون بأحكام الشريعة كالمؤمنين الصادقين ١٦٤ طلب إلى النبي ﷺ الغلظة فى معاملة الكفار والمنافقين تربية لهم وعبرة لغيرهم ١٦٥ همّ المنافقين باغتيال الرسول عند منصرفه من تبوك ١٦٨ من المنافقين من عاهد الله لئن أيسر ليتصدق ثم أخلف ١٧١ حث رسول الله ﷺ على الصدقة فى غزوة تبوك ١٧٦ ما صلى رسول الله على منافق بعد ابن أبىّ ١٨٠ استئذان المعذرين من الأعراب ١٨٢ لا حرج على الضعفاء ولا على المرضى فى القعود عن القتال

صفحة رقم 188
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية