آيات من القرآن الكريم

۞ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

هواه، فنزلت الآية.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ﴾.
أي: ولو أن هؤلاء المنافقين، الذين يلمزونك في الصدقات، رضوا ما أعطاهم الله ورسوله، ﴿وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله﴾، أي: كافينا الله، ﴿سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ﴾، أي: سيعطينا الله من فضل خزائنه، ورسوله من الصدقات وغيرها، ﴿إِنَّآ إِلَى الله رَاغِبُونَ﴾، في أن يوسع علينا من فضله، فيغنينا عن الصدقات.
قوله: ﴿إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ والمساكين والعاملين عَلَيْهَا﴾، الآية.
﴿فَرِيضَةً﴾: نصب على المصدر.

صفحة رقم 3036

ومعنى الآية في قول عكرمة: أنها ناسخة لكل صدقة في القرآن.
فقوله: ﴿لِلْفُقَرَآءِ والمساكين﴾.
قال مجاهد، وعكرمة، والزُّهري، وجابر بن زيد: / " الفقير ": الذي لا يسأل و " المسكين ": الذي يسأل.
وقال ابن عباس: " المسكين ": الطواف، و " الفقير ": فقير المسلمين.
وقال قتادة " الفقير ": المحتاج الذي به زمانه، و " المسكين ": الصحيح المحتاج.

صفحة رقم 3037

وقال الضحاك " الفقراء ": فقراء المجاهدين، و " المساكين ": [الذين] لم يهاجروا.
وذكر ابن وهب، عنه، أنّ " الفقراء ": من المهاجرين، و " المساكين "): من الأعراب. قال: وكان ابن عباس يقول: " الفقراء " من المسلمين، و " المساكين " من أهل الذمة.
وقال الشافعي " الفقراء ": الذين لا مال لهم ولا حرفة تغنيهم، و " المساكين " الذين لهم مال، أوْ حرفة لا تغنيهم.
وقال أبو ثور " الفقير ": الذي لا شيء له، و " المسكين ": الذي لا يكسب من كسبه ما يقوته.
وقال عبيد الله بن الحسن " المسكين " الذي يخشع ويستكين، بأن لم يسأل و " الفقير "، الذي يتحمل، ويقبل الشيء سراً، ولا يخشع.

صفحة رقم 3038

وقال محمد بن مَسْلمة " الفقير ": " الذي له مسكن يسكنه والخادم إلى ما هو أسفل من ذلك، و " المساكين ": الذي لا مال له.
وقال أهل اللغة: " المسكين ": الذي لا شيء له، و " الفقير ": الذي له شيء يكفيه.
قال يونس: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا، بل مسكين.
وقال عكرمة " الفقراء ": من اليهود والنصارى، و " المساكين ": من المسلمين.
واختار الطبري، وغيره أن يكون " الفقير ": الذي يعطى بفقره فقط، و " المسكين ": الذي يكون عليه مع فقره خضوع وذل السؤال.
وأنشد أهل اللغة قول الراعي:

صفحة رقم 3039

فجعل للفقير حَلُوبَةً، مقدار ما يكفي العيال.
ف: " المسكين " أشد حاجة من: الفقير " فكل مسكين فقير، وليس كل فقير مسكيناً.
ف: " الفقير ": الذي لا غنى له فوق قوت يومه، وهو فَعِيلٌ بمعنى مَفْعُول، كأنَّه مفقور الظهر، وهو الذي نزعت فَقْره [من فِقَر] ظهره، فانقطع ظهره من شدة الفقر، وهذا الاشتقاق يدل على أنّ " الفقير " أشدُّ حاجةً من " المسكين " وقد ق تعالى:
﴿فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر﴾ [الكهف: ٧٩]، فسماهم: مساكين، ولهم سفينة، ولا حجة في

صفحة رقم 3040

قراءة من قرأ: " مَسَّاكِينَ "، بالتشديد؛ لأن الجماعة على التخفيف.
وقوله: ﴿والعاملين عَلَيْهَا﴾.
هم السعادة في قبضها من أهلها، يُعْطَوْنَ عليها، أغنياء كانوا أو فقراء.
وذلك عند مالك إلى الإمام، يجتهد فيما يعطيهم، وليس لهم فريضةٌ مسماة.
وأما ﴿والمؤلفة قُلُوبُهُمْ﴾، فقال ابن عباس: هم قوم كانوا يأتون رسول الله ﷺ، قد أسلموا، فكان النبي عليه السلام، يَرْضَخُ لهم من الصدقات، فإذا أصابوا خيراً، قالوا: هذا دين صالح، وإن كان غير ذلك، عابوه وتركوه.
وقال الزُّهري: ﴿والمؤلفة قُلُوبُهُمْ﴾: من أسلم من يهود أو نصراني، غنياً كان أو فقيراً.
وقال الحسن: أما ﴿والمؤلفة قُلُوبُهُمْ﴾، فليس اليوم.

صفحة رقم 3041

وكذا رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ.
وقال الشعبي: كانت " المؤلفة "، على عهد النبي ﷺ، فلما وَلِيَ أبو بكر انقطع ذلك.
وهو قول مالك، قال: يرجع سهم المؤلف إلى أهل السهام الباقية.
واقل الشافعي " المؤلفة ": من دخل في الإسلام.
وقال ابن حنبل/ وغيره: ﴿والمؤلفة قُلُوبُهُمْ﴾، في كل زمان.
وهو اختيار الطبري.
و" اللام " في قوله: ﴿لِلْفُقَرَآءِ﴾، وما بعد ذلك، بمعنى: " في "، ولو حملت على ظاهرها لوجب أن يعطوا الصدقات، يفعلون فيها ما يشاؤون. وقوله: ﴿وَفِي الرقاب﴾، يدل على أنَّ " اللام " بمعنى " في ".
والمعنى إنما توضع الصدقات في هؤلاء على ما يستحقون، فيأخذونها لأنفسهم، ف " اللام " توجب استحقاقها كلها لهم يعملون فيها ما يشاؤون.

صفحة رقم 3042

وقوله: ﴿وَفِي الرقاب﴾.
قال ابن عباس: تعتق منها الرقبة.
قال: لا بأس أن يُعطى الرجل من زكاته في الحج، وأن يعتق منها الرقبة.
وممن قال يعتق من الزكاة الرقاب: الحسن البصري، ومالك، وابن حنبل، وغيرهم.
وكره مالك أن يعان بها المكاتبون.
وقال الحسن، والزهري، وابن زيد، والشافعي: معنى ﴿وَفِي الرقاب﴾، يعني المكاتبين.
والمعنى على هذا: وفي فك الرقاب، ورُوِيَ ذلك عن أبي موسى الأشعري.

صفحة رقم 3043

وولاء من أعتق من الزكاة لجميع المسلمين عند مالك.
وقال الحسن، وابن حنبل، وإسحاق: يجعل ما يتركه المعتّق في الرقاب.
وقال أبو عبيد: الولاء للمعتق.
وقوله: ﴿والغارمين﴾.
قال مجاهد الغارَمُ: من احترق بيته، أو يصيبه السيل فيذهب ماله.
وقيل: هم المستدينون في غير سرف، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم من بيت المال.
وقال الزهري: ﴿والغارمين﴾، أصحاب الدين.
(وقال قتادة: الغارمون)، قوم غرَّقتهم الديون في غير تبذير ولا فساد.

صفحة رقم 3044

وأجاز الحسن أن يحتسبَ الرجل من زكاته بالدين، يكون له على المعسر. وهو قول عطاء.
وأجازه الليث إذا حَلَّ الأجَلُ، وكن الذي عليه الدَّيْنُ مُسْتَوْجِباً للصدقة.
وقوله: ﴿وَفِي سَبِيلِ الله﴾.
المعنى: وفي نصر دين الله يعطى الغازي منها وإن كان غنياً.
هذا قول مالك، والشافعي.
وقوله: ﴿وابن السبيل﴾.
هو الضيف والمسافر، والمنقطع بهما.
وقال مالك: الحاج المنقطع به هو ابن السبيل، يعطى من الزكاة.

صفحة رقم 3045

وأكثر الناس على أن المتصدق بزكاته يجزيه أن يضعها في أي الأصناف المذكورين شاء. هو قول: ابن عباس، والحسن، والنخعي، وعطاء، والثوري، ومالك، وأبي حنيفة.
قال مالك: تجعل في أي الأصناف كانت فيه الحاجة.
قال مالك: من له دارٌ وخادمٌ ليس في ثمنها زيادة تكفيه لو باعهما واشترى ما هو دون منهما، فإنه يأخذ من الزكاة، فإن فضل له ما يعينه على عيشه ويكفيه إذا باعهما، واشترى غيرهما لم يأخذ من الزكاة. وهو قول الحسن، والنخعي، والثوري وأصحاب الرأي.
وقال الشافعي: إنه قد يكون للرجل الجملة من الدنانير والدراهم، وَعَلَيْهِ عِيَالٌ، وهو محتاج إلى أكثر منها، فله أن يأخذ من الزكاة.

صفحة رقم 3046

[وقال أبو حنيفة: من معه عشرون ديناراً أو مائتا درهمٍ، فليس له أن يأخذ من الزكاة].
وقيل: من له خمسون درهماً فلا يحل له أن/ يأخذ من الزكاة. وهو قول ابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ.
وفيه حديث عن النبي ﷺ، أنه قال: " مَنْ سَأَلَ، وَلَهُ مَالٌ يُغْنِيهِ، جاءت - يعني مسألته - في وجهه يوم القيامة خُمُوشاَ أو كُدُوحاً "، قالوا: يا رسول الله، وماذا غناه؟ قال: " خمسون درهماً أو حسابها من الذهب ".
وقيل: لا يأخذ من يملك أربعين درهماً من الزكامة.
ورُوِيَ عن الني ﷺ، أنه قال: " مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أربعون درهماً، فقد سأل إِلحاَفاً "

صفحة رقم 3047

" والأوقية: أربعون درهماً ".
وقد رُوِيَ هذا عن مالك، والأول أشهر عنه. وهو [قول] أبي عبيد.
قال مالك: إذا كان الإمام يعدل فلا يسع أحداً أن يفرق زكاة ماله النَّاضِّ، ولا غيره، ولكن يدفعه إلى الإمام.
ويبعث الإمام في زكاة الماشية، وما أنبتت الأرض، ولا يبعث في زكاة العين، ولكن إن كان عدلاً سألهم ذلك، كما فعب أبو بكر رضي الله عنهـ، ويصدق الناس في ذلك.

صفحة رقم 3048
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
أمَّا الفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ الِعيَالَ فَلَمْ يُتْركْ لَهُ سَبَدُ