آيات من القرآن الكريم

لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ

النفير العام وتوبيخ المتخلفين عن غزوة تبوك
كان من أهم أهداف الإسلام التربوية إعداد الأمة لتحمل مسئولياتها الكبرى في العزة والسيادة وإقرار السلام ودفع العدوان، وتتجلى طرق الإعداد في المواقف الحاسمة بالأمر بالنفير العام عند الحاجة والمصلحة، ولوم المنافقين الذين يتذرعون بأوهى الأسباب للتهرب من الجهاد، وهذا مرض خطير تأصل في نفوس المنافقين الانهزاميين، وأراد القرآن الكريم التخلص من هذا المرض، فقال الله تعالى:
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤١ الى ٤٥]
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥)
«١» «٢» «٣» «٤» [التوبة: ٩/ ٤١- ٤٥].
نزلت آية الأمر بالجهاد والنفير العام في المؤمنين الذين اعتذروا بالضيعة والشغل والحاجة والكهولة وأعباء الأسرة والأولاد، فأبى الله أن يعذرهم، دون أن ينفروا على ما كان منهم، وبالرغم من أعذارهم، فلا يتخلفوا عن غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة لقتال الروم المعتدين.

(١) على أية حال كنتم وهو النفير العام.
(٢) أي ما يعرض من منافع الدنيا وهو الغنيمة القريبة.
(٣) مغنما سهل التناول.
(٤) المسافة البعيدة التي تحتاج لمشقة.

صفحة رقم 864

ومعنى الآية: اخرجوا إلى الجهاد على كل حال من يسر أو عسر، صحة أو مرض، غنى أو فقر، شغل أو فراغ منه، كهولة أو شباب، نشاط وغير نشاط، خفاف في النفر لنشاطكم له، وثقال عنه لمشقته عليكم، وقاتلوا أعداءكم الذين يقاتلونكم، من أجل كلمة الله ورفعة الدين الحق والقيم العليا المتمثلة فيه، وذلكم المأمور به وهو النفير العام إلى الجهاد خير لكم في الدنيا والآخرة، إن كنتم تعلمون ذلك وأنه خير، فانفروا ولا تتثاقلوا، وهذا بمثابة قانون التجنيد العام، وتنبيه وهز للنفوس للقيام بواجب الجهاد.
وظهر في خلال الأمر بالنفير العام لوم المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك، فأبان الله تعالى: أن ما دعوتهم إليه من الخروج للجهاد لو كان غنيمة أو منفعة قريبة المنال، أو سفرا سهلا قريبا لا عناء فيه، لاتبعوك أيها النبي وجاؤوا مسرعين معك، ولكنّ هؤلاء المنافقين تخلفوا حينما رأوا مشقة السفر إلى بلاد الشام، وأن القتال لأكبر قوة في العالم حينذاك وهم الروم، فآثروا الجبن والراحة والسلامة، والتفيؤ في ظلال الأشجار وقطف الثمار. وسيحلفون بالله اليمين الكاذبة عند رجوعك أيها الرسول من غزوة تبوك قائلين: لو استطعنا الخروج لخرجنا معكم، فإنهم لم يكونوا ذوي أعذار، وإنما كانوا أقوياء الأجسام، وأصحاب ثراء ويسار، إنهم يهلكون أنفسهم في العذاب باليمين الكاذبة أو بالكذب والنفاق.
ثم عاتب الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم في إذنه لطائفة من المنافقين بالتخلف، قائلا له:
سامحك الله بإذنك لهم، لم أذنت لهم بالتخلف، هلا تمهلت لتظهر لك الحقيقة، ويتبين لك الفريقان: الذين صدقوا والذين كذبوا في إبداء الأعذار، وهلا تركتهم لتعلم الصادق منهم من الكاذب، فإنهم كانوا مصرين على التخلف، وإن لم تأذن لهم فيه، على أن الله كره خروجهم، لما فيه من الخطر والضرر.

صفحة رقم 865

هذه الآية نزلت في الإذن للمنافقين، وكان الأولى من النبي تركه، مثل قبوله الفداء من أسرى بدر.
لا يستأذنك أيها الرسول في القعود عن الجهاد أحد من الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، بل يقدمون على الجهاد من غير استئذان لأنهم يرون أن الجهاد قربة وسبيل إلى الجنة، فليس من شأن المؤمنين الصادقين أن يستأذنوك في الجهاد، والله خبير بمن خافه واتقاه، باجتناب ما يسخطه، وفعل ما يرضيه. هذه الآية تبين منزلة المؤمنين وتميزهم عن المنافقين، لذا جاءت الآية بعدها توضح هذا الفرق الجوهري.
فإذا كان أهل الإيمان لا يستأذنون لترك الجهاد عادة، فإن الذي يستأذنك في التخلف عن الجهاد من غير عذر، إنما هم المنافقون الذين لا يصدقون بالله واليوم الآخر، ولا يرجون ثواب الله في الدار الآخرة على أعمالهم، وشكّت قلوبهم في صحة ما جئتهم به، فهم في شكهم أو ريبهم يتحيرون، ليس لهم ثبات على شيء، فهم قوم حيارى هلكى. روي أن عدد هؤلاء المنافقين المستأذنين كذبا كان تسعة وثلاثين رجلا. نسأل الله تعالى أن يثبت الإيمان في قلوبنا، وأن يحببنا في الجهاد لقمع العدوان وتحقيق العزة والمكانة اللائقة بنا.
تخلف المنافقين عن تبوك بغير عذر
ليس في منهج القرآن المجيد اتهام أحد بغير سبب أو عذر لأن القرآن شريعة الحق والعدل والإنصاف، والله سبحانه يغفر ويرحم، ولكنه يمهل ولا يهمل، ويترك الفرصة لعباده أن يتوبوا ويصلحوا أنفسهم، ويحاسب دائما بعد إيراد الأدلة والبراهين وأسباب الطاعة والعصيان، قال الله تعالى مبينا هذا المنهج في مناسبة بيان كون تخلف المنافقين عن غزوة تبوك بغير عذر صحيح:

صفحة رقم 866
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية