
فذكر زيدًا مرتين ولم يكن عنه في الثانية، والكناية وجه الكلام (١).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، قال ابن عباس: عزيز في ملكه، حكيم في خلقه (٢).
وقال ابن كيسان: عزيز في انتقامه من أهل الكفر، حكيم في تدبيره خلقه (٣).
٤١ - قوله تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ الآية، اختلفوا في تفسير الخفاف والثقال، فقال ابن عباس في رواية عطاء: شبانا وكهولاً (٤)، وهو قول أنس والضحاك ومجاهد وقتادة وعكرمة وشمر بن عطية (٥)، ومقاتل بن
لا أرى الموت يسبق الموت شيء..... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
وهذا جيد حسن؛ لأنه لا إشكال فيه، بل يقول النحويون الحذاق: إن في إعادة الذكر في مثل هذا فائدة وهي أن فيه معنى التعظيم، قال الله عز وجل: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ [الزلزلة: ١ - ٢] فهذا لا إشكال فيه. "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٧٥٢.
(٢) لم أعثر على مصدره.
(٣) لم أعثر على مصدر هذا القول، وقد ذكره ابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٤٤٢، والمؤلف في "الوسيط" ٢/ ٤٩٩ من غير نسبة.
(٤) ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٦/ ١٨٠٢ بغير سند وبصيغة التمريض.
(٥) هو: شمر بن عطية بن عبد الرحمن الأسدي الكاهلي الكوفي، راوٍ صدوق، له أحاديث صالحة، وثقه النسائي وابن معين وغيرهما، توفي بعد سنة ١٠٠ هـ. انظر: "الكاشف" ١/ ٤٩٠، و"تقريب التهذيب" ٢٦٨١ (٢٨٢١)، و"تهذيب التهذيب" ٢/ ١٧٩.

حيان والحسن، هؤلاء قالوا: شبانًا وشيوخًا، وشبانا وشيبًا (١)، وروى عطاء عنه أيضًا: (رجّالة وركبانا) (٢) وهو قول عطية (٣)، وروى طاوس عنه: نشاطًا وغير نشاط (٤)، وروي عنه أيضًا: ﴿خِفَافًا﴾ أهل الميسرة من المال، ﴿وَثِقَالًا﴾: أهل العسرة (٥)، وهو اختيار الزجاج، قال: موسرين ومعسرين (٦).
وعلى العكس من هذا قال أبو صالح: ﴿خِفَافًا﴾ من المال، أي فقراء، ﴿وَثِقَالًا﴾ منه، أي أغنياء (٧)، وهو اختيار الفراء قال: "الخفاف: ذوو العسرة وقلة العيال، والثقال: ذوو العيال والميسرة (٨) ".
قال أهل المعاني: الأولى أن يقال: هذا عام في كل حال، وفي كل أحد؛ لأنه ما من أحد إلا وهو ممن تخف عليه الحركة أو تثقل، فهو ممن
والجدير بالتنبيه أن في تفسير ابن جرير: بثمر بن عطية، وذكر المحقق أن في اسمه اضطرابًا ولم يهتد للصواب، والصواب: شمر بن عطية، ، كما ذكره الواحدي وابن أبي حاتم والثعلبي، فليصحح.
(٢) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٤٤٢، والمؤلف في "الوسيط" ٢/ ٤٤٩.
(٣) ذكره الثعلبي ٦/ ١١١ أ، والبغوي ٤/ ٥٣.
(٤) رواه ابن جرير ١٠/ ١٣٩، من وراية العوفي وكذلك ابن أبي حاتم ٣/ ١٨٠٣، وذكره الثعلبي ٦/ ١١١ أدون ذكر الراوي عنه.
(٥) ذكره البغوي ٤/ ٥٣ بصيغة التمريض، وكذلك ابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٤٤٢، والمؤلف في "الوسيط" ٢/ ٤٩٩.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٩٩.
(٧) رواه الثعلبي ٦/ ١١١ أ، وبنحوه ابن جرير ١٠/ ١٣٩، والبغوي ٤/ ٥٣.
(٨) "معاني القرآن" ١/ ٤٣٩.

أمر في هذه الآية بالنفير (١) ألا ترى إلى (٢) ما روي عن أبي أيوب الأنصاري أنه شهد بدرًا ثم لم يتخلف عن غزوة للمسلمين (٣)، وكان يقول: قال الله تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ ولا أجدني إلا خفيفًا أو ثقيلاً (٤)، وقيل للمقداد بن الأسود، وهو يريد الغزو وكان قد كبر وأسن: قد أعذر الله إليك، يعني: في القعود عن (٥) الغزو، فقال: أبت علينا سورة براءة ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ (٦) وروي أيضًا أن أبا طلحة (٧) قرأ هذه الآية فقال لبنيه: جهزوني جهزوني، فقالوا: لقد غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ومع أبي بكر وعمر حتى ماتوا فنحن نغزو عنك، فقال: لا، جهزوني جهزوني (٨)، ما أرى الله إلا يستنفرنا شبانا وشيوخًا (٩).
(٢) في (ج): (أن).
(٣) بل ذكرت المصادر التالية أن أبا أيوب -رضي الله عنه- تخلف عامًا واحداً، وذكر بعضها أنه ندم على ذلك.
(٤) رواه ابن جرير ١٤/ ١٣٨، والحاكم في "المستدرك"، كتاب "معرفة الصحابة" ٣/ ٤٥٨، وابن سعد في "الطبقات" ٣/ ٢/٤٩.
(٥) في (ج): (في).
(٦) رواه ابن جرير ١٠/ ١٣٩ - ١٤٠، والحاكم في "المستدرك" كتاب: معرفة الصحابة ٣/ ٣٤٩، وقال: صحيح الإسناد، وابن أبي حاتم ٦/ ١٨٠٢.
(٧) هو: زيد بن سهل بن الأسود النجاري الخزرجي، أبو طلحة الأنصاري صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن بني أخواله، وأحد أعيان البدريين، واحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة، توفي سنة ٣٤ هـ. انظر: "المعارف" ١٥٤، و"سير أعلام النبلاء" ٢/ ٢٧، و"الإصابة" ١/ ٥٦٦.
(٨) ساقط من (ج) و (م).
(٩) رواه الحاكم في "المستدرك"، كتاب: معرفة الصحابة، ذكر مناقب أبي طلحة =

وهذه الآية مما دل بظاهره على وجوب (١) الجهاد بكل حال، قال عطاء الخراسانى عن ابن عباس في هذه الآية: نسختها ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ [التوبة: ١٢٢] (٢) الآية، وقد ذكرنا في سورة البقرة أن الجهاد كان واجبًا على الأعيان، وهل ذلك يجب (٣) اليوم كما كان يجب؟ ذكرنا الاختلاف فيه في قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦] (٤).
(١) في (ج): (وجود)، وهو خطأ.
(٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٦/ ١٨٠٣، والبغوي في "تفسيره" ٤/ ٥٤ بغير سند، والبيهقي في "السنن الكبرى"، كتاب: السير، باب: النفير.. رقم (١٧٩٣٨) ٩/ ٨١ وفي سنده عثمان بن عطاء الخرساني، قال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب" ٣٨٥ (٤٥٠٢): (ضعيف. اهـ. وفيه علة أخرى وهي الإرسال؛ فإن عطاء الخرساني لم يسمع من ابن عباس كما في "العبر" ١/ ١٤٠، و"تهذيب التهذيب" ٣/ ٧١، ٧٢، وقد سبق بيان التحقيق في نسخ هذه الآية عند قوله تعالى: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ﴾.
(٣) في (ي): (وهل يجب ذلك).
(٤) انظر: "النسخة الأزهرية" ١/ ١٣١ أوقد قال في هذا الموضع: اختلف العلماء في حكم هذه الآية، فمذهب عطاء أن المعني بهذا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاصة دون غيرهم؛ لأنه قال: كان القتال مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فريضة.. وقال بعضهم: كان الجهاد في الابتداء من فرائض الأعيان، ثم صار فرض كفاية، لقوله عز وجل ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ ولو كان القاعد مضيعًا فرضًا ما كان موعوداً بالحسنى، وقال بعضهم: لم يزل الجهاد فرض كفاية، غير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استنفرهم تعين عليهم النفير، لوجوب طاعته،.. والإجماع اليوم على أنه من فروض الكفاية، إلا أن =

وقوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، قال أهل العلم: هذا يدل على أن الموسر يجب عليه الجهاد بالمال إذا عجز عن الجهاد ببدنه لزمانة (١) أو علة، فوجوب الجهاد بالمال كوجوب الجهاد بالبدن على الكفاية (٢)، وقوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ قيل: ذلكم خير لكم من التثاقل إلى الأرض إذا استنفرتم (٣)، وقيل: معناه: أن الخير فيه لا في تركه (٤)، فـ (خير) هاهنا ليس بالذي يصحبه (من)، وليس للتفضيل؛ لأن (خيرًا) (٥) تستعمل بمعنيين: أحدهما (٦) بمعنى: هذا خير من ذاك، والثاني أنه بمعنى: خير في نفسه، كقوله: ﴿إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤]: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ﴾ [العاديات: ٨] ومثله كثير.
(١) الزمانة: العاهة والبلوى، انظر: "القاموس المحيط"، فصل الزاي، باب: النون ص ١٢٠٣، و"مختار الصحاح" (ز م ن) ص ٢٧٥.
(٢) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٣/ ٤٤٣، والرازي ١٦/ ٧٠ - ٧١، والخازن ٢/ ٢٢٨، و"حاشية الروض المربع" ٤/ ٢٥٦، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والعاجز عن الجهاد بنفسه يجب عليه الجهاد بماله في أصح قولي العلماء.. فإن الله أمر بالجهاد بالمال والنفس في غير موضع من القرآن، و"مجموع فتاوى شيخ الإسلام" ٢٨/ ٨٧.
(٣) هذا قول ابن جرير، انظر "تفسيره" ١٠/ ١٤٠.
(٤) ذكر هذا القول الماوردي في "النكت والعيون" ٢/ ٣٦٦، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٤٤٤.
(٥) في (ج): (ص).
(٦) في (ج): (أحد).