آيات من القرآن الكريم

انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ

رجل واحد إذ جعله كفار مكة مثل المضطر إلى الخروج حيث أذن له صلّى الله عليه وسلّم في الخروج حين هموا بقتله حال كونه أحد اثنين، والآخر أبو بكر الصديق إذ هما في غار جبل ثور إذ
يقول محمد صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر الصديق: «لا تحزن إن الله معيننا»
«١» وكان الصديق قد حزن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا على نفسه فقال له: يا رسول الله إذا مت أنا فأنا رجل واحد وإذا مت أنت هلكت الأمة والدين.
روي أن قريشا ومن بمكة من المشركين تعاقدوا على قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمره الله تعالى أن يخرج أول الليل إلى الغار، وخرج هو وأبو بكر أول الليل إلى الغار، وأمر صلّى الله عليه وسلّم عليا أن يضطجع على فراشه ليمنع السواد من طلبه حتى يبلغ إلى ما أمر الله به، فلما وصل إلى الغار دخل أبو بكر فيه أولا يلتمس ما فيه فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما لك؟» فقال: بأبي أنت وأمي، الغار مأوى السباع والهوام فإن كان فيه شيء كان بي لا بك، وكان في الغار جحر فوضع عقبه عليه لئلا يخرج ما يؤذي الرسول فلما طلب المشركون الأثر وقربوا بكى أبو بكر خوفا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحزن إن الله معنا بنصره»
«٢». فجعل يمسح الدموع عن خده.
وروي لما دخلا الغار بعث الله تعالى حمامتين فباضتا في أسفله، والعنكبوت نسجت عليه فقال صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم أعم أبصارهم»
«٣» فجعلوا يترددون حول الغار ولا يرون أحدا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أي أمنته التي تسكن عندها القلوب عَلَيْهِ أي على صاحبه صلّى الله عليه وسلّم أبي بكر الصدّيق وَأَيَّدَهُ أي أعانه صلّى الله عليه وسلّم بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وهم الملائكة النازلون يوم بدر والأحزاب وحنين وهذه الجملة معطوفة على جملة «نصره الله» وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى أي جعل الله يوم بدر كلمة الشرك سافلة حقيرة وَكَلِمَةُ اللَّهِ أي قوله لا إله إلا الله هِيَ الْعُلْيا أي الغالبة الظاهرة وَاللَّهُ عَزِيزٌ أي قاهر غالب حَكِيمٌ (٤٠) أي لا يفعل إلا الصواب
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا أي اخرجوا مع نبيكم إلى غزوة تبوك خفافا في الخروج لنشاطكم له وثقالا عنه لمشقته عليكم وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي جاهدوا في طاعة الله بما أمكن لكم إما بكليهما أو بأحدهما ذلِكُمْ أي الجهاد خَيْرٌ لَكُمْ أي خير عظيم في نفسه لكم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) أن الجهاد خير فبادروا إليه لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ أي لو كان ما دعوا إليه متاعا قريب المنال سهل المأخذ وسفرا متوسطا بين

(١) رواه البخاري في كتاب أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم إلخ، ومسلم في كتاب الزهد، باب: ٧٥، وأحمد في (م ١/ ص ٣) وفيه «معنا» بدل «معيننا».
(٢) رواه البخاري في كتاب أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم إلخ، ومسلم في كتاب الزهد، باب: ٧٥، وأحمد في (م ١/ ص ٣). [.....]
(٣) رواه ابن حجر في الكاف والشاف في تخريج أحاديث الكشاف (٧٦).

صفحة رقم 450

القريب والبعيد لاتبعوك في الخروج إلى تبوك طمعا في تلك المنافع وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ أي المسافة التي تقطع بمشقة فتخلفوا عن الجهاد بسبب إنهم كانوا يستعظمون غزو الروم فكانوا كالآيسين من الفوز بالغنيمة وَسَيَحْلِفُونَ أي المتخلفون عن الغزو عند رجوعك من تبوك وهم عبد الله بن أبي، وجد بن قيس، ومعتب بن قشير وأصحابهم قائلين بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا بالزاد والراحلة لَخَرَجْنا مَعَكُمْ إلى غزوة تبوك يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بسبب الحلف الكاذب فإن الأيمان الكاذبة توجب الهلاك ولهذا
قال صلّى الله عليه وسلّم: «اليمين الغموس تدع الديار بلاقع»
. وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢) في أيمانهم لأنهم كانوا مستطيعين الخروج عَفَا اللَّهُ عَنْكَ يا أشرف الخلق ما وقع منك من ترك الأولى والأكمل لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ أي لأي سبب أذنت لهم في التخلف حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا في اعتذارهم بعدم الاستطاعة من جهة المال أو من جهة البدن وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣).
في ذلك قال ابن عباس: لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرف المنافقين يومئذ حتى نزلت سورة براءة لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أي ليس من عادة المؤمنين الخلص أن يستأذنوك في أن يجاهدوا فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف عنه، وكان الأكابر من المهاجرين والأنصار يقولون: لا نستأذن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الجهاد فإن ربنا ندبنا إليه مرة بعد أخرى، فأي فائدة في الاستئذان ولنجاهد معه بأموالنا وأنفسنا، وكانوا بحيث لو أمرهم الرسول بالقعود لشق عليهم ذلك وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) الذين يسارعون إلى طاعته إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أي إنما يستأذنك يا أشرف الخلق في التخلف عن الجهاد من غير عذر المنافقون فإنهم لا يرجون ثوابا ولا يخافون عقابا وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ أي شكت قلوبهم في الدين فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) أي فهم حال كونهم في شكهم المستقر في قلوبهم يتحيرون لا مع الكفار ولا مع المؤمنين وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ إلى الغزو معك لَأَعَدُّوا لَهُ أي للخروج عُدَّةً أي أهبة من الزاد والراحلة والسلاح وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ أي ولكن لم يرض الله نهوضهم للخروج معك فَثَبَّطَهُمْ أي حبسهم بالكسل وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) أي تخلفوا مع المتخلفين والقائل الشيطان بوسوسته أو بعضهم لبعض، أو هو أمر النّبيّ بذلك أمر توبيخ أو ألقاه الله تعالى كراهة الخروج في قلوبهم فلا قول بالفعل لا من الله ولا من النّبيّ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ أي معكم ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا أي فسادا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ أي ولساروا على الإبل وسطكم ولأسرعوا بينكم بالنمائم يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ أي يطلبون لكم ما تفتنون به بإلقاء الرعب في قلوبكم وبإفساد نياتكم وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أي فيكم قوم ضعفة يسمعون للمنافقين وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لأنفسهم بسبب نفاقهم ولغيرهم بسبب أنهم سعوا في إلقاء غيره في وجوه الآفات لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ أي من

صفحة رقم 451
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية