
وقوله: ﴿مَا كَانَ لأَهْلِ المدينة﴾ [التوبة: ١٢٠]، الآية، نَسَخَتْهَا (أيضاً) التي بعدها: ﴿وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً﴾ [التوبة: ١٢٢]،. وكذلك نسخت: ﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ﴾، الآية.
قوله: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ﴾، الآية.
﴿ثَانِيَ اثنين﴾: نصب على الحال.
وقال على بن سليمان: نصبه على المصدر، والمعنى: ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُواْ﴾، فخرج ﴿ثَانِيَ اثنين﴾.
مثل: ﴿والله أَنبَتَكُمْ [مِّنَ الأرض [نَبَاتاً]﴾ [نوح: ١٧]....

ومعنى الآية: أنها إعلام] من الله لأصحاب النبي عليه السلام، أن الله، تعالى، قد تكفل بنصره على أعدائه في كل وقت، وحين: ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُواْ﴾ يعني: قريشاً، مفرداً مع صاحبه أبي بكر، ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ﴾، يعني [النبي] عليه السلام، يقول لأبي بكر: ﴿لاَ تَحْزَنْ﴾، ذلك أن أبا بكر خاف من أن يعرف مكانه، فمكث النبي عليه السلام، وأبو في الغار ثلاثة أيام.
والغار بجبل يسمى: " ثوراً ".
وكان عامر بن فهيرة في غنم لأبي بكر بـ: " ثور " هذا، يروح بتلك الغنم على النبي ﷺ، بالغار، وكان أبو بكر قد أرسله بتلك الغنم إلى " ثور " قبل خروجه مع

النبي ﷺ عدة.
قال أبو بكر رضي الله عنهـ: " بينا أنا مع النبي ﷺ، [ في الغار] وأقدام المشركين فوق رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله ﷺ الله، لو أن أحدهم رفع قدمه أبصرنا، قال: " يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَينِ اللهُ ثَالِثُهُما ".
والمعنى: الله ثالثهما، بالحفظ والكلاءة والمنع منهما.
وفي فعل النبي ﷺ، هذا مع أبي بكر سُنَّةٌ لكل من خاف من أمر لا قوام له به، أن يفر منه، ولا يُعرّض نفسه إلى ما لا طافة له به، اتباعاً لفعل نبيه، عليه السلام، ولو شاء الله، عز جل، أن يسكنه معهم، ويُعمي أبصارهم عنه لفعل، ولو شاء لمشى بين أيديهم ولا يرونه، ولو شاء أن يهلكهم بما أرادوا أن يفعلوا لفعل، ولم يكن ذلك عليه عزيزاً،

ولكن أراد [الله] تعالى، أن يبلغ الكتاب أجله، ولتستنَّ بفعله ﷺ، أمتهُ بعده.
وفي فعل النبي ﷺ، وأبي دليلٌ على فساد قول من قال: من خاف شيئاً سوى الله تعالى، لم يوقن بالقدر. فحذر أبي بكر من أن يراهم المشركون دليل على الحذر من قدر الله، تعالى، لم يوقن بالقدر. فقال ذلك، رضي الله عنهـ، إشفاقاً على رسول الله ﷺ، أن يُنَالَ بأذى أو يُفْتَنَ هو في دينه إن قدر عليه، فخف من ذلك، مع علمه أنّ الله تعالى، بالغ أمره فلي كل ما أراد. وقال الله حكاية عن موسى، عليه السلام.
﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى﴾ [طه: ٦٧] ﴿قُلْنَا لاَ تَخَفْ﴾
[طه: ٦٨].
وقوله: ﴿فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾.
أي: [على] أبي بكر، والنبي عليه السلام، لم تفارقه السكينة قط.

والسكينة: الطمأنينة من السكون.
وقد قيل: إنَّ " الهاء " تعود على النبي ﷺ.
والأول أحسن؛ لأن النبي عليه السلام، معصوم من ذلك، على أنه قد قال تعالى: ﴿فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين﴾ [الفتح: ٢٦]، وذلك أن النبي عليه السلام، خاف على المؤمنين يوم حنين لما اضطربوا، فلما أيد الله تعالى، المؤمنين بنصره، سكن خوف النبي/ ﷺ، عليهم.
وقوله: ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾.
" الهاء " عائدة على النبي ﷺ.

أي: قوّاه بالملائكة.
﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذين كَفَرُواْ السفلى﴾.
أي: قهر الشرك وأذله.
﴿وَكَلِمَةُ الله هِيَ العليا﴾.
أي: كذلك هي، ولم تزل كذلك.
وقرأ علقمة، والحسن، ويعقوب: " وكلمة الله " بالنصب، وهو بعيد من وجوه.
أحدهما: أن الرفع أبلغ؛ لأنها لم تزل كذلك، والنصب يدل على أنها جُعلت كذلك بعد أن لم تكن علياً.

وَبَعيدٌ أيضاً: من أنه يلزم أن يقال: " وَكَلِمَتَهُ هي العُلْيَا "، لأنه لا يجوز في الكلام: " أَعْتَقَ زَيْدٌ غُلاَمَ أبي زَيْدٍ " والثاني هو الأول.
وزعم قول إن إظهار الضمير في هذا حسن؛ لأنّ فيه معنى التعظيم، ولأن المعنى لا يشكل، وليس بمنزلة زيد ونحوه الذي يشكل، قال: وهو مثل ما أنشد سيبويه:
لاَ أرَى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيْءٌ | ................. |