
في الحث على الجهاد والتحذير من تركه [سورة التوبة (٩) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)
المفردات:
انْفِرُوا النفر والنفور: عبارة عن الفرار من الشيء، أو الإقدام عليه بخفة ونشاط، واستنفر الإمام الجيش إلى القتال: أعلن النفير العام فنفروا خفافا وثقالا.
اثَّاقَلْتُمْ: تثاقلتم وتباطأتم. الْغارِ المراد: غار جبل ثور، وهو فتحة في الجبل. لا تَحْزَنْ الحزن: انفعال نفسي ينشأ من تألم النفس مما وقع، ويراد بالنهى

عنه: مجاهدته وتوطين النفس على عدم الاستسلام له. كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى المراد: كلمة الكفر والشرك ودولتهم. كَلِمَةُ اللَّهِ هي كلمة الإسلام ودولته.
هذه الآيات، من هنا إلى آخر السورة، نزلت في غزوة تبوك تقوى من عزم المؤمنين وتكشف عن ستر المنافقين، وتبين أحكاما كثيرة لازمة لجماعة المسلمين، وتعاتب من تخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وغزوة تبوك كانت في السنة التاسعة للهجرة بعد رجوع النبي صلّى الله عليه وسلّم من غزوة حنين والطائف وكان المسلمون في عسرة وضيق، وقد حان قطاف الثمر عندهم وظهور الموسم.
لهذا كره بعض المسلمين الخروج إلى القتال خصوصا بعد ما أعلن النبي صلّى الله عليه وسلّم اتجاهه ومقصده في الغزوة وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [سورة البقرة آية ٢١٦].
أما سبب الغزوة فهو استعداد الروم والقبائل العربية المنتصرة من لخم وجزام لقتال النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث أعدوا جيشا كثيفا لغزو المدينة فهي حرب دفاعية لا هجومية «هكذا غزواته وحروبه صلّى الله عليه وسلّم ولما لم يجد النبي صلّى الله عليه وسلّم من يقاتله عاد بلا هجوم، وتبوك: مكان في منتصف الطريق تقريبا بين المدينة ودمشق.
المعنى:
يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان، واهتديتم بالقرآن الكريم: مالكم متثاقلين حين قال لكم رسولكم الأمين: انفروا في سبيل الله ولإعلاء كلمته؟! ماذا عرض لكم مما يتنافى مع الإيمان وكماله حين قال لكم الرسول: انفروا في سبيل الله لقتال الروم؟ الذين تجهزوا لقتالكم والإغارة عليكم فتثاقلتم عن النهوض، وتباطأتم عن الحرب. مخلدين إلى الأرض وراحتها ولذتها؟! وآية الإيمان جهاد وعمل، ونشاط وجد إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [سورة الحجرات آية ١٥].
أرضيتم بالحياة الدنيا ولذتها الفانية وعرضها الزائل بدلا من سعادة الآخرة ونعيمها المقيم؟!، إن كان الأمر كذلك فقد استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير، فما متاع

الحياة الدنيا المشوب بالهم والحزن في جانب الآخرة ونعيمها الدائم والرضوان الإلهى العظيم فيها إلا شيء قليل لا يعبأ به، ولقد شبه النبي صلّى الله عليه وسلّم نعيم الدنيا ونعيم الآخرة في قلته وسرعته بمن وضع إصبعه في البحر ثم أخرجها منه
قال: «فانظر بم ترجع»
؟.. إن لم تنفروا خفافا وثقالا كل على قدر حاله وإمكاناته يعذبكم الله عذابا أليما موجعا، ويستبدل قوما غيركم يطيعون الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ويحبهم الله ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم. ومن هم؟ الله أعلم بهم، على أن هذا تهديد فقط وإلا فالشرط وجوابه لم يتحققا.
ولا تضروه أيها المتثاقلون في شيء أصلا، إذ لا يبلغ أحد ضره ولا نفعه كيف ذلك؟ وهو القاهر فوق عباده!!! والله على كل شيء قدير، وهو الغنى عن نصرتكم لنبيه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
إن لم تنصروه، ولم تطيعوه للجهاد في سبيل الله فسينصره الله بقدرته وتأييده كما نصره وقت أن أجمع المشركون على الفتك به أو إخراجه من بلده أو حبسه وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [سورة الأنفال آية ٣٠].
نصره الله في ذلك الوقت ولم يكن معه جيش ولا أنصار بل حال كونه ثانى اثنين وواحدا منهما إذ هما في الغار المعروف في جبل ثور، إذ يقول لصاحبه أبى بكر حين فزع لما رأى المشركين وقال: يا رسول الله، والله لو نظر أحدهم تحت قدمه لأبصرنا.
يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا بالنصر والمعونة والولاية والرعاية.
وفي رواية:
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟
فأنزل الله سكينته على أبى بكر حتى هدأ من روعه وطمأن نفسه أما النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد كان ثابت الجنان هادئ النفس واثقا بالنصر ثقة لا حد لها، ولم يخف ولم يحزن أبدا، وأيد الله نبيه بجنود من عنده لم تروها، فالله معه وناصره، وحافظه، وكافيه شر الكفار والمستهزئين، وقد أمده الله بالجنود من الملائكة المسومين في بدر وحنين والأحزاب بما لا يدع مجالا للشك إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [سورة غافر آية ٥١].
وجعل الله كلمة الكافرين ودولتهم هي السفلى، وكلمة الله ودولته هي العليا، والله