آيات من القرآن الكريم

أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ

نَظِيرُهُ فِي تَفْسِيرِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٨: ٥٧) وَهَذَا مِمَّا امْتَازَ بِهِ الْإِسْلَامُ عَلَى جَمِيعِ شَرَائِعِ الْأُمَمِ وَقَوَانِينهَا مِنْ جَعْلِ الْحَرْبِ ضَرُورَةً مُقَيَّدَةً بِإِرَادَةِ مَنْعِ الْبَاطِل، وَتَقْرِيرِ الْحَقِّ وَالْفَضَائِلِ.
وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّ يَمِينَ الْكَافِرِ لَا تَنْعَقِدُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ عَلَيْنَا الْوَفَاءُ لِمَنْ وَفَّى بِهَا مِنْهُمْ وَاسْتَقَامَ عَلَى وَفَائِهِ وَالْآيَاتُ صَرِيحَةٌ فِي الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا نَفَاهَا عَنِ النَّاكِثِينَ، وَأَعْلَمَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَازِمِينَ عَلَى النَّكْثِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَهُوَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَيْمَانٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمَا كَانَ لَهُمْ نَكْثٌ وَقَدْ أَثْبَتَتْهُمَا لَهُمُ الْآيَةُ التَّالِيَةُ.
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
لَعَلَّ اللهَ عَلِمَ أَنَّ فِي نَفْسِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كُرْهًا لِقِتَالِ مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَظُهُورِ الْإِسْلَامِ لِأَمْنِهِمْ مِنْ ظُهُورِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَرَجَائِهِمْ فِي إِيمَانِهِمْ، وَعَلِمَ أَنَّهُمْ يَعْتَذِرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فِي سَرَائِرِهِمْ بِمَا لَيْسَ بِحَقٍّ، وَلَا مَصْلَحَةٍ لِلْإِسْلَامِ، وَعَلِمَ اللهُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِيهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَمَرْضَى الْقُلُوبِ مَنْ يُزَيِّنُ ذَلِكَ لَهُمْ. وَاللهُ يُرِيدُ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ تَطْهِيرَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ مِنَ الشِّرْكِ وَخُرَافَاتِهِ، وَتَمْحِيصَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النِّفَاقِ وَدَنَاءَاتِهِ، لِهَذَا أَعَادَ الْكَرَّةَ إِلَى إِقَامَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ قِتَالِ النَّاكِثِينَ الْمُعْتَدِينَ مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْجَامِعَةِ. فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ هَذَا تَحْرِيضٌ عَلَى قِتَالِهِمْ بِأَوْجَهِ وُجُوهِ الْأَدِلَّةِ وَأَقْوَاهَا، وَأَوْضَحِ أَسَالِيبِ الْبَيَانِ وَأَسْمَاهَا، وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لِلْإِنْكَارِ الَّذِي يُحِيلُ النَّفْيَ إِثْبَاتًا كَمَا يُحَوِّلُ الْإِثْبَاتَ إِلَى النَّفْيِ، وَقَدْ دَخَلَ هُنَا عَلَى نَفْيِ الْقِتَالِ فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى إِثْبَاتِهِ وَوُجُوبِهِ، وَأَقَامَ عَلَى هَذَا الْوُجُوبِ ثَلَاثَ حُجَجٍ
(إِحْدَاهَا) نَكْثُهُمْ لِأَيْمَانِهِمُ الَّتِي حَلَفُوهَا، لِتَأْكِيدِ عَهْدِهِمُ الَّذِي عَقَدُوهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ

صفحة رقم 174

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ - أَوْ لِعَهْدِهِمُ الَّذِي عَقَدَتْهُ أَيْمَانُهُمْ - عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ بِهَا النَّاسُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَيَكُونُونَ أَحْرَارًا فِي دِينِهِمْ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ نَكَثُوا بِمُظَاهَرَةِ حُلَفَائِهِمْ بَنِي بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ حُلَفَاءِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا بِالْقُرْبِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَاءٍ يُسَمَّى الْهَجِيرَ، فَكَانَ نَكْثُهُمْ هَذَا مِنْ أَفْظَعِ مَا عُهِدَ مِنَ الْغَدْرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الشِّعْرِ الَّذِي أَنْشَدَهُ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذْ كَانَ جَاءَهُ لِيُنْبِئَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ:

لَاهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
كُنْتَ لَنَا أَبًا وَكُنَّا وَلَدًا ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللهُ نَصْرًا أَيَّدَا وَادْعُ عِبَادَ اللهِ يَأْتُوا مَدَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبَدَا
أَبْيَضَ مِثْلَ الشَّمْسِ يَسْمُو صَعِدَا إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا
إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا
هُمْ بَيَّتُونَا بِالْهَجِيرِ هُجَّدًا وَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدًا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتَ تَرْعَى أَحَدَا وَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " لَا نُصِرْتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرْكُمْ " وَتَجَهَّزَ إِلَى مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبَغَوَيِّ وَغَيْرِهِ.
(ثَانِيَتُهَا) هَمُّهُمْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ وَطَنِهِ، أَوْ حَبْسِهِ حَيْثُ لَا يَرَى أَحَدًا، وَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ حَتَّى لَا يُبَلِّغَ دَعْوَةَ رَبِّهِ، أَوْ قَتْلِهِ بِأَيْدِي عُصْبَةٍ مُؤَلَّفَةٍ مِنْ شُبَّانِ بُطُونِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، لِيَتَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ فَتَتَعَذَّرُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ. ائْتَمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ فِي دَارِ نَدْوَتِهِمْ فَكَانَ هُوَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ هَاهُنَا عَلَى ذِكْرِ هَمِّهِمْ بِإِخْرَاجِهِ دُونَ هَمِّهِمْ بِحَبْسِهِ، وَهَمِّهِمْ بِقَتْلِهِ الَّذِي كَانَ هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ (٨: ٣٠) بَلْ أَسْنَدَ إِلَيْهِمْ إِخْرَاجَهُ وَإِخْرَاجَ مِنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ (٦٠: ١).

صفحة رقم 175

(ثَالِثَتُهَا) كَوْنُهُمْ كَانُوا هُمُ الْبَادِئِينَ بِقِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَدْرٍ، إِذْ قَالُوا بَعْدَ الْعِلْمِ بِنَجَاةِ الْعِيرِ الَّتِي كَانُوا خَرَجُوا لِإِنْقَاذِهَا: لَا نَنْصَرِفُ حَتَّى نَسْتَأْصِلَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، وَنُقِيمَ فِي بَدْرٍ أَيَّامًا نَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَى رُءُوسِنَا الْقِيَانُ. وَكَذَا فِي أُحُدٍ
وَالْخَنْدَقِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ بِغَدْرِهِمْ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْمُؤْمِنُ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي جَوَامِعِ كَلِمِهِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنَ الْمُقَرَّرِ فِي قَوَاعِدِ الْعَدْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ الْجَزَاءَ وَاحِدَةٌ بِوَاحِدَةٍ وَأَنَّ الْبَادِئَ أَظْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ بَيَانِ هَذِهِ الْحُجَجِ: أَتَخْشَوْنَهُمْ؟ أَيْ أَتَتْرُكُونَ قِتَالَهُمْ خَشْيَةً لَهُمْ، وَجُبْنًا مِنْكُمْ؟ إِنْ كَانَتِ الْخَشْيَةُ هِيَ الْمَانِعَةُ لَكُمْ مِنْ قِتَالِهِمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ حَقَّ الْإِيمَانِ لَا يَخَافُ، وَلَا يَخْشَى إِلَّا اللهَ تَعَالَى لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنْ خَشِيَ غَيْرَهُ بِمُقْتَضَى سُنَنِهِ تَعَالَى فِي أَسْبَابِ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ، فَلَا يُرَجِّحُ خَشْيَتَهُ عَلَى خَشْيَةِ اللهِ تَعَالَى بِأَنْ تَحْمِلَهُ عَلَى عِصْيَانِهِ، وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، بَلْ يُرَجِّحُ خَشْيَتَهُ تَعَالَى عَلَى خَشْيَةِ غَيْرِهِ، بَلْ لَا يَخْشَى غَيْرَهُ حَقَّ الْخَشْيَةِ.
قِيلَ: إِنَّ هَذَا الِاسْتِفْهَامَ لِلْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ إِلَّا إِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الِامْتِنَاعَ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ خَوْفًا مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْحَالِ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِيهَا هَذِهِ الْآيَاتُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهَدْمِ دَوْلَةِ الشِّرْكِ، وَقَدْ كَانُوا يُقَاتِلُونَهُمْ بِغَيْرِ جُبْنٍ وَلَا إِحْجَامٍ وَهُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ، وَالْمُشْرِكُونَ فِي عُنْفُوَانِ قُوَّتِهِمْ دَوْلَةً وَكَثْرَةً وَثَرْوَةً. وَإِنَّمَا هَذَا احْتِجَاجٌ آخَرُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يَخْلُونَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَمَرْضَى الْقُلُوبِ، وَالسَّمَّاعِينَ لَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ مَا عَظَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ أَمْرِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَيَكْرَهُونَ الْقِتَالَ لِذَاتِهِ إِذَا لَمْ تُوجِبْهُ الضَّرُورَةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ (٢: ٢١٦) الْآيَةَ. أَوْ لِرَجَاءِ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ بِدُونِهِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَهَدْمِ دَوْلَةِ الشِّرْكِ - فَهَذَا الَّذِي اقْتَضَى كُلَّ هَذِهِ الْحُجَجِ وَالْبَيِّنَاتِ
عَلَى كَوْنِ نَبْذِ عُهُودِ جُمْهُورِ الْمُشْرِكِينَ دُونَ مَنْ وَفَّى مِنْهُمْ بِعَهْدِهِ حَقًّا وَعَدَلًا، لَا يَتَضَمَّنُ خِيَانَةً وَلَا غَدْرًا، وَأَنَّ بَقَاءَهُمْ عَلَى حُرِّيَّتِهِمْ - وَهَذِهِ حَالُهُمْ - خَطَرٌ لَا تُؤْمَنُ عَاقِبَتُهُ فَهُوَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ سَوْقِ تِلْكَ الْحُجَجَ الثَّلَاثِ الَّتِي تَكْفِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لِإِيجَابِ قِتَالِهِمْ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ قِيَامِ هَذِهِ الْبَيِّنَاتِ مَنْ سَبَبٍ يَمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَشْيَةَ لَهُمْ وَالْخَوْفَ مِنْ قُوَّتِهِمْ، وَخَشْيَةُ اللهِ أَحَقُّ وَأَوْلَى مِنْ خَشْيَتِهِمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ فِي إِيمَانِكُمْ فَاخْشَوْهُ وَحْدَهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ رَأَيْتُمْ كَيْفَ نَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ الْكَثِيرَةِ، إِذْ كُنْتُمْ

صفحة رقم 176
تفسير المنار
عرض الكتاب
المؤلف
محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني
الناشر
1990 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية