
﴿نَذِيراً﴾ بمعنى إنذار، فنصبه على المصدر. (وقيل: نصبه على المصدر) [وقيل: نصبه على أعني]. ومن جعله للنار حذف [الياء] من " نذير " لأنه بمعنى النسب.
- قوله: ﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾، إلى آخر السورة.
أي: نذيراً للبشر لما شاء منكم أن يتقدم في طاعة الله ﴿أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ في معصيته. قاله قتادة. وهو معنى قول ابن عباس.
- ثم قال: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾.
أي: كل نفس بما عملت من معصية الله في الدنيا رهينة في جهنم.
- ﴿إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين﴾.
فإنهم غير مرتهنين، ولكنهم ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ المجرمين﴾.
قال ابن عباس: ﴿رَهِينَةٌ﴾ أي: " مأخوذة [بعملها] ". وقاله قتادة. قال

مجاهد: ﴿إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين﴾ " لا يحاسبون ". [وقال] ابن زيد: أصحاب اليمين لا يرتهنون بذنوبهم، ولكن يغفرها الله تعالى. وقال الضحاك: (معناه): كل فنس سبقت لها كلمة العذاب يرتبهنها الله تعالى في النار، ولا يرتهن أحدا من أهل الجنة. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ: ﴿إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين﴾: هم " أطفال المسلمين ". وقال ابن عباس: " [هم] الملائكة ".
فمن قال: هم الأطفال [أو هم الملائكة] استدل بقولهم للمجرمين ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾، وذلك أنهم لم يقترفوا ذنوباً في الدنيا. ولو اقترفوها ما سألوا عن ذكل، وكل من دخل الجنة غير الأطفال فقد كانت لهم ذنوب. وقال الضحاك:

هم ﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى﴾ [الأنبياء: ١٠١].
ومعنى ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾: [ما] أدخلكم في سقر؟!
وقرأ ابن الزبير: " يتساءلون عن المجرمين، يا فلان: مَا سَلَكَكم في سقر ". [وهذه] قراءة على التفسير. وقيل: معناه/ أن المؤمنين يسألون الملائكة عن قراباتهم من المشركين، (فتسأل الملائكة المشركين) تقول لهم: ما سلككم في سقر؟! فيقول [المشركون] ما حكى الله من قولهم، وإقرارهم على أنفسهم بالجحود والكفر.
ومعنى: ﴿مِنَ المصلين﴾: من الموحدين.
- ثم قال تعالى حكاية عن جواب المشركين: ﴿قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين﴾.
أي: لم نكن - في الدنيا - من المصلين لله.

- -ayah text-primary">﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين﴾.
أي: نخوض في الباطل مع كل من يخوض فيه.
قال قتادة: نخوض مع الخائضين، أي: (كلما غوى غاو غووا معه).
- ﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدين﴾.
أي: نقول: لا بعث ولا جزاء ولا جنة ولا نار.
- ﴿حتى أَتَانَا اليقين﴾؟
أي: الموت.
- ﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين﴾.
أي: فما يشفع لهم الذين يشفعهم الله في أهل الذنوب من أهل التوحيد فتنفعهم شفاعتهم. ففي هذا دليل بين أن الله يشفع بعض خلقه في بعض. قال ابن مسعود في قصة طويلة في الشفاعة (قال): ثم تشفع الملائكة والنبيون والشهداء الصالحون المؤمنون، ويشفعهم الله فيقول: أنا أرحم الراحمين.
قال ابن مسعود: لا يبقى في النار إلا أربعة. ثم يلتو: ﴿[لَمْ] نَكُ مِنَ المصلين﴾ إلى: ﴿... الدين﴾.

قال أنس بن مالك: " إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة [والرجل] ". وقال: أبو قلابة: " يدخل الله بشفاعة رجل من هذه الأمة (الجنة) مثل بني تميم - أو قال: أكثر من بني تميم - ". وقال الحسن: " مثل ربيعة ومضر ".
- ثم قال: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ﴾.
فما لهؤلاء المشركين عن تذكرة الله إياهم بهذا القرآن معرضين لا يستعمون ولا يتعظون؟!
- ثم قال: ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ﴾.
أي: كأنهم في نفارهم عن القرآن حُمُرٌ مذعورة خائفة من الرماة [قد] نفرت. ومن قرأ ﴿مُّسْتَنفِرَةٌ﴾ - بالكسر - فمعناه نافرة، ومن فتح

[فمعناه]: مذعورة خائفة. قال ابن عباس وعكرمة وقتادة: القسورة: الرماة. وقال معمر: هي [النبل]. وقال ابن جبير: هي رجال القنص. وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس. [وعنه] أيضاً: هي جماعة الرجال، وعنه أيضاً: هي أصوات الرجال. وقال أبو هريرة: هي الأسد، روي ذلك أيضاً عن ابن عباس.
والقسورة مشتقة من القسر، وهي الغلبة.
- ثم قال: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً﴾.

أي: ما بهم في إعراضهم عن الإيمان والقرآن إلا أن يُعْطَى كل إنسان منهم كتاباً من السماء ينزل عليه.
- ﴿كَلاَّ﴾، أي: لا يكون ذلك.
قال قتادة: قال قائلون من الناس: يا محمد، إن سَرَّكَ أن نتبعك فأتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان (يؤمر) فيه باتباعك.
وقال مجاهد: يريدون أن ينزل عليهم كتاباً إلى فلان من رب العالمين. وقيل: المعنى: بل يريد كل إنسان منهم أن يذكر بذكر جميل، فجعلت الصحف في موضع الذكر على المجاز.
وقيل: قالوا: إن كان الإنسان إذا أذنب كتب عليه، فما بالنا لا نؤتى ذلك؟!.
- ثم قال: ﴿بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخرة﴾.
أي: لكنهم لا يخافون عقاب الله، ولا يرجون ثوابه، فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله، وهَوَّنَ عليهم ترك الأستماع لوحي الله وتنزيله. قال قتادة: " إنما أفسدهمه أنهم كانوا لا يصدقون بالآخرة، ولا يخافونها ".

- ثم قال: -ayah text-primary">﴿كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾.
أي: ليس الأمر كما يقول هؤلاء المشركون في القرآن: إنه سحر يؤثر وإنه قول البشر، ولكنه تذكرة من الله خلقه.
- ثم قال: ﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ﴾.
أي: فمن شاء من عباد الله - الذين ذكرهم بهذا القرآن - ذكره فاتعظ به [واستعمل] ما فيه. (ويحسن أن يكون ﴿كَلاَّ﴾ في هذين الموضعين بمعنى " أَلاَ " فيبتدأ بها)، ويحسن أن يكونا بمعنى " حقاً ".
- ثم قال: ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله هُوَ.
..﴾.
أي: وما تذكرون هذا القرآن فتتعظون به [وتستعملون] ما فيه إلا أن يشاء الله ذلك، لأنه لا أحد يقدر على شيء إلا بمشيئة الله وبقدرته. والتاء في

﴿يَذْكُرُونَ﴾ للخطاب. الياء على لفظ الغيبة.
- ثم قال: ﴿هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة﴾.
أي: الله أهل أن يَتَّقِي عبادُه عقوبتَه/ على معصيته إياه فيسارعوا إلى طاعته واجتناب معصيته، والله أهل أن يغفر لمن تاب من ذنوبه وسارع إلى طاعته (ونزع) عن معصيته.
روى أنس " أن النبي ﷺ قال في قوله: ﴿هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة﴾، قال: " يَقُولُ رَبُكُمْ. أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى أَنْ يُجْعَلَ مَعِي إِلَهٌ غَيْرِي، وَمَنْ اتَّقَى أَنْ يَجْعَلَ مَعِي إِلَهاً (غَيْرِي) فَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ ".

قال قتادة: معناه: " هو أهل أن تتقى محارمه وأهل أن يغفر الذنوب ".
وسئل طلق من حبيب عن التقوى فقال: أعمل بطاعة الله ابتغاء وجه الكله على نور من الله، وتجنب معصيته الله مخافة عذاب الله على نور من الله.
وروى أنس " أن النبي ﷺ سئل عن هذه الآية: ﴿هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة﴾ فقل: " إِنَّ اللهَ يقول: أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى فَلاَ يُجْعَلَ مَعِي شَرِيكٌ. وَأَنَا أَهْلُ المَغْفِرَةُ لِمَنْ لَمْ يَجْعَلْ مَعِي شَرِيكاً ".
قال أبو محمد رضي الله عنهـ: وهذا الحديث خير من الدنيا وما فيها، [وهو] من رواية ابن عباس، حديث صحيح.