آيات من القرآن الكريم

كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
ﯿﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋ ﰍﰎ ﰐﰑﰒﰓ ﰕﰖﰗﰘﰙ ﰛﰜﰝﰞ ﰠﰡﰢﰣ ﰥﰦﰧﰨ ﰪﰫﰬ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ

الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ كَيْفَ رَوَاهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ، وَلَا عَرَّفَ بِحَالِهِ، وَلَا تَعَرَّضَ لِضَعْفِ بَعْضِ رِجَالِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا بِنَحْوِهِ وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُرْسَلًا قَرِيبًا مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَهْزَاذَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ أَرْطَاةَ وَهُوَ يَخْطُبُنَا عَلَى مِنْبَرِ الْمَدَائِنِ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَلَائِكَةً تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمْ مِنْ خِيفَتِهِ مَا مِنْهُمْ مَلَكٌ تَقْطُرُ مِنْهُ دَمْعَةٌ مِنْ عَيْنِهِ إِلَّا وَقَعَتْ عَلَى مَلَكٍ يُصَلِّي، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَلَائِكَةً سُجُودًا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السموات والأرض لم يرفعوا رؤوسهم وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ مِنْهُمْ ملائكة ركوعا لم يرفعوا رؤوسهم منذ خلق الله السموات وَالْأَرْضَ وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا رفعوا رؤوسهم نَظَرُوا إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ» وَهَذَا إِسْنَادٌ لا بأس به.
وقوله تعالى: وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: وَما هِيَ أَيِ النَّارُ الَّتِي وصفت إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ ثم قال تعالى: كَلَّا وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ أَيْ وَلَّى وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ أَيْ أَشْرَقَ إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ أَيِ الْعَظَائِمِ يَعْنِي النَّارَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أَيْ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَقْبَلَ النِّذَارَةَ وَيَهْتَدِيَ لِلْحَقِّ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا ويولي ويردها.
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٣٨ الى ٥٦]
كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢)
قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧)
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢)
كَلاَّ بَلْ لَا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا أَنَّ كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ أَيْ مُعْتَقَلَةٌ بِعَمَلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فَإِنَّهُمْ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ أَيْ يَسْأَلُونَ الْمُجْرِمِينَ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ وَأُولَئِكَ فِي الدِّرْكَاتِ قَائِلِينَ لَهُمْ: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ أي ما عبدنا الله وَلَا أَحْسَنَّا إِلَى خَلْقِهِ مِنْ جِنْسِنَا وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ أَيْ نَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا نَعْلَمُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كُلَّمَا غَوِيَ غَاوٍ غَوَيْنَا مَعَهُ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ يعني الموت كقوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الْحِجْرِ: ٩٩] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما هُوَ- يَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ- فَقَدْ جَاءَهُ اليقين من

صفحة رقم 281

رَبِّهِ» «١».
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ أي من كان متصفا بمثل هذه الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ لَا تَنْفَعُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفَاعَةُ شَافِعٍ فِيهِ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ إِنَّمَا تُنْجِعُ إِذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا، فَأَمَّا مَنْ وَافَى اللَّهَ كَافِرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ لَهُ النَّارُ لَا مَحَالَةَ خَالِدًا فِيهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ أَيْ فَمَا لِهَؤُلَاءِ الكفرة الذين قبلك عما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وَتُذَكِّرُهُمْ بِهِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ أَيْ كَأَنَّهُمْ فِي نِفَارِهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ حُمُرٌ مِنْ حُمُرِ الْوَحْشِ إِذَا فَرَّتْ مِمَّنْ يُرِيدُ صَيْدَهَا من أسد، قاله أبو هريرة وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَوْ رَامٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَسَدُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَيُقَالُ لَهُ بِالْحَبَشِيَّةِ قَسْوَرَةٌ، وبالفارسية شير، وبالنبطية أويا.
وقوله تعالى: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً أَيْ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتاب كما أنزل اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قاله مجاهد وغيره، كقوله تَعَالَى: وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الْأَنْعَامِ: ١٢٤] وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ: يُرِيدُونَ أَنْ يُؤْتُوا بَرَاءَةً بِغَيْرِ عمل، فقوله تعالى:
كَلَّا بَلْ لَا يَخافُونَ الْآخِرَةَ أَيْ إِنَّمَا أَفْسَدَهُمْ عَدَمُ إِيمَانِهِمْ بِهَا وَتَكْذِيبُهُمْ بِوُقُوعِهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ أَيْ حَقًّا إِنَّ الْقُرْآنَ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ كَقَوْلِهِ: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الإنسان: ٣٠]. وقوله تعالى: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [التكوير: ٢٩] أَيْ هُوَ أَهْلٌ أَنْ يُخَافَ مِنْهُ وَهُوَ أَهْلٌ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبَ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ. قَالَهُ قَتَادَةُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي سُهَيْلٌ أَخُو حَزْمٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ وَقَالَ «قَالَ رَبُّكُمْ أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى فَلَا يُجْعَلْ مَعِي إِلَهٌ فَمَنِ اتَّقَى أَنْ يَجْعَلَ مَعِي إِلَهًا كَانَ أَهْلًا أَنْ أَغْفِرَ لَهُ» «٣» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ المعافى ابن عِمْرَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطْعِيِّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَسُهَيْلٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سُهَيْلٍ به، وهكذا رواه أبو يعلى

(١) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٣، ومناقب الأنصار باب ٤٦، والشهادات باب ٣٠، وأحمد في المسند ٦/ ٤٣٦.
(٢) المسند ٣/ ١٤٢، ٢٤٣.
(٣) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٧٤، باب ٤، وابن ماجة في الزهد باب ٣٥.

صفحة رقم 282
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية