آيات من القرآن الكريم

وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
ﮪﮫ ﮭﮮ ﮰﮱ ﯔﯕ ﯗﯘ ﯚﯛﯜ

تفسير سورة المدّثّر
وهي مكّيّة بإجماع
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ الآيةَ، اخْتُلِفَ في أول ما نزل من القرآن، فقال الجمهورُ هو: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وهذَا هو الأَصَحُّ، وقال جابر وجماعة هو:
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ «١»، - ص-: والتَّدَثَّرُ: لُبْسُ الدِّثَارِ، وهو الثَّوْبُ الذي فَوْقَ الشِّعَارِ، والشِّعَارُ الثَّوبُ الذي يلي الجسد ومنه قوله: ع: «الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ» انتهى.
وقوله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ بَعْثَةٌ عامةٌ إلى جميع الخلق.
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أي: فعظمْ.
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال ابنُ زيدٍ وجماعة: هو أمْرٌ بتطهيرِ الثيابِ حَقِيقةً «٢»، وذَهَبَ الشافعيُّ وغيرُه من هذه الآيةِ إلى: وجُوبِ غَسْلِ النَّجَاسَاتِ مِنَ الثيابِ، وقالَ الجُمْهُورُ:
هَذِه الألْفَاظُ اسْتِعَارَةٌ في تنقيةِ الأفْعَالِ والنَّفْسِ، والعْرِضِ، وهذا كما تقول: فلانٌ طَاهِرُ الثوبِ، ويقال للفَاجِر: دَنِسُ الثَّوْبِ، قال ابن العربي في «أحكامه» : والذي يقول إنها الثيابُ المَجَازِيَّة أكْثَرَ، وكثيراً ما تستعملُه العَرَبُ، قال أبو كبشة: [الطويل]
(١) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٩٧)، رقم: (٣٥٣٠٩)، وذكره البغوي (٤/ ٤١٢، ٤١٣)، وابن عطية (٥/ ٣٩٢)، وابن كثير (٤/ ٤٤٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٥٠)، وعزاه للطيالسي، وعبد الرزاق، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن الضريس، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن الأنباري في المصاحف.
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٣٠٠)، رقم: (٣٥٣٣٧)، وذكره البغوي (٤/ ٤١٣)، وابن عطية (٥/ ٣٩٢)، وابن كثير (٤/ ٤٤١) بنحوه.

صفحة رقم 509

ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طهارى نَقِيَّةٌ وَأَوْجُهُهُمْ عِنْدَ المَشَاهِدِ غُرَّانُ «١»
يعني: بطهارةِ ثيابهم وسلامَتَهم من الدَّنَاءَاتِ، وقال غَيْلاَنُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ:
[الطويل]
فَإنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لاَ ثَوْبَ فَاجِرٍ لَبِسْتُ وَلاَ مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ «٢»
ولَيْسَ يمتنع أن تُحْمَلَ الآيةُ على عمومِ المرادِ فيها بالحقيقةِ «٣» والمجازِ «٤» على ما بيَّناه في أصولِ الفقه، وإذا حملنَاها على الثيابِ المعلومَة فهي تتناول معنيين: أحدهما:
تَقْصِيرُ الأَذْيَالِ فإنَّها إذا أُرْسِلَتْ تَدَنَّسَتْ، وتَقْصِيرُ الذيلِ أَنْقى لثَوْبِه وأتْقَى لربِّه، المَعْنَى الثَّاني: غَسْلُها من النَّجاسَةِ فهو ظَاهِرٌ منها صحيحٌ فيها، انتهى، قال الشيخ أبو الحسن الشاذليُّ- رضي اللَّه عنه-: رأَيْتُ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم في المَنَامِ، فقالَ: يَا عَلِيُّ، طَهِّرْ ثِيَابَكَ مِنَ الدَّنَسِ، تَحْظَ بمَدَدِ اللَّهِ في كُلِّ نَفَسٍ، فَقُلْتُ: وَمَا ثِيَابي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ كَسَاكَ [حُلَّة المَعْرِفَةِ، ثُمَّ] «٥» حُلَّةَ المَحَبَّةِ، ثُمَّ حلةَ التَّوْحِيدِ، ثُمَّ حُلَّةَ الإيمان، ثمّ حلّة
(١) البيت في «ديوانه» (٨٣)، و «المحكم» (٤/ ١٧٥)، و «العين» (٤/ ١٩)، و «الصحاح» (طهر)، و «البحر المحيط» (٨/ ٣٦٣).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٩٢)، «البحر المحيط» (٨/ ٣٦٣)، القرطبي (١٩/ ٤٢). [.....]
(٣) ينظر: «البحر المحيط» للزركشي (٢/ ١٥٢)، «سلاسل الذهب» له ص: (١٨٢)، «التمهيد» للأسنوي ص: (١٨٥)، «نهاية السول» له (٢/ ١٤٥)، «منهاج العقول» للبدخشي (١/ ٣٢٧)، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري ص: (٤٦)، «التحصيل من المحصول» للأرموي (١/ ٢٢١)، «المستصفى» للغزالي (١/ ٣٤١)، «حاشية البناني» (١/ ٣٠٠)، «الإبهاج» لابن السبكي (١/ ٢٧١)، «الآيات البينات» لابن القاسم العبادي (٢/ ١٥٢)، «تخريج الفروع على الأصول» للزنجاني ص: (٦٨)، «حاشية العطار على جمع الجوامع» (١/ ٣٩٣)، «المعتمد» لأبي الحسين (١/ ١٤، ٢/ ٤٠٥)، «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (٤/ ٤٣٧)، «التحرير» لابن الهمام ص: (١٦٠)، «تيسير التحرير» لأمير بادشاه (١/ ٧٢، ٢/ ٢).
(٤) ينظر: «البحر المحيط» للزركشي (٢/ ١٥٨)، «سلاسل الذهب» له ص: (١٩٠)، «التمهيد» للأسنوي ص: (١٨٥)، «نهاية السول» له (٢/ ١٤٥)، «منهاج العقول» للبدخشي (١/ ٣٥٤)، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري ص: (٤٧)، «التحصيل من المحصول» للأرموي (١/ ٢٢١)، «المستصفى» للغزالي (١/ ٣٤١)، «حاشية البناني» (١/ ٣٠٤)، «الإبهاج» لابن السبكي (١/ ٢٧١)، «الآيات البينات» لابن القاسم العبادي (٢/ ١٥٢)، «تخريج الفروع على الأصول» للزنجاني ص: (٣٨٧)، «حاشية العطار على جمع الجوامع» (١/ ٣٩٩)، «المعتمد» لأبي الحسين (١/ ١٤، ٢/ ٤٠٥)، «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (٤/ ٤٣٧)، «التحرير» لابن الهمام ص: (١٦٠)، «تيسير التحرير» لأمير بادشاه (١/ ٧٣، ٢/ ٣)، «كشف الأسرار» للنسفي (١/ ٢٢٦).
(٥) سقط في: د.

صفحة رقم 510
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية