
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا بشر بن موسى قال: حدّثنا أبو عبد الرحمن المقري عن حيوة قال: حدثني يزيد بن أبي حسب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني: أن عقبة بن عامر قال لهم: الذين هم على صلواتهم دائمون.
قال: قلنا: الذين لا يزالون يصلون؟ فقال: لا ولكن الذين إذا صلوا لم يلتفتوا يمينا ولا شمالا وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ يعني يقيمونها ولا يكتمونها ولا يغيرونها.
وقال سهل: قائمون بحفظ ما شهدوا به من شهادة لا إله إلّا الله، فلا يشركون به في شيء من الأفعال والأقوال والأحوال. وقرأ ابن عامر ويعقوب وحفص بِشَهاداتِهِمْ بالألف على الجمع، الباقون بشهادتهم.
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ.
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٤]
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا فما بالهم كقوله سبحانه: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ «١» وقوله سبحانه: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ «٢».
قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ مقبلين مسرعين عليك مادّي أعناقهم مديمي النظر إليك متطلّعين نحوك.
وقد مرّ تفسير الإهطاع وهو نصب على الحال عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ حلقا وفرقا عصبة عصبة وجماعة جماعة متفرقين، والعزين: جماعات في تفرقة، واحدتها عزة ونظيرها في الكلام ثبته وثبتين وكره وكرين وقله وقلين، قال عنترة:
وقرن قد تركت لذي ولي | عليه الطير كالعضب العزين «٣» |
(٢) سورة المدّثّر: ٤٩.
(٣) تفسير القرطبي: ١٨/ ٢٩٤.

أخليفة الرحمن إنّ عشيرتي | أمسى سوائمهم عزين فلولا «١» |
كأن الجماجم من وقعها | خناطيل «٢» يهون شتى عزينا «٣» |
قال المفسّرون: كان المشركون يجتمعون حول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويتسمعون كلامه ولا ينتفعون به، بل يكذبونه ويكذبون عليه ويستهزءون به وبأصحابه، ويقولون: دخل هؤلاء الجنّة كما يقول محمد، فلندخلها قبلهم وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم فأنزل الله سبحانه: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ
قرأ الحسن وطلحة بفتح الياء وضم الخاء، ومثله روى المفضل عن عاصم، الباقون ضده كَلَّا لا يدخلونها ثمّ ابتدأ فقال: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ أي من نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة فلا يستوجب الجنّة أحد منهم بكونه شريفا لأنّ مادة الخلق واحدة بل يستوجبونها بالطاعة، قال قتادة في هذه: إنّما خلقت يا ابن آدم من قذر فاتق إلى الله.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن برزة قال: حدّثنا محمد بن سليمان ابن الحرث الباغندي قال: حدّثنا عارم أبو النعمان السدوسي، قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك، قال: كان أبو بكر الصديق إذا خطبنا ذكر مناتن ابن آدم فذكر بدء خلقه أنّه يخرج من مخرج البول مرتين، ثمّ يقع في الرحم نطفة، ثمّ علقة، ثمّ مضغة، ثمّ يخرج من بطن أمه فيتلوث في بوله وخراه حتّى يقذر أحدنا نفسه.
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا موسى بن محمد بن عليّ، قال: حدّثنا جعفر بن محمد الفريابي، قال: حدّثنا صفوان بن صالح قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بسر بن جحاش قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبصق يوما في كفه ووضع عليها إصبعه فقال: «يقول عزّ وجلّ بني آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتّى إذا سوّيتك وعدّلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت حتّى إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ قلت: أتصدّق وأنى أوان الصدقة» [٣٦] «٥».
(٢) الخناطيل: لا واحد لها من جنسها، وهي جماعات من الوحش والطير في تفرقة.
(٣) تفسير القرطبي: ١٨/ ٢٩٣.
(٤) مسند أحمد: ٥/ ٩٣.
(٥) مسند أحمد: ٤/ ٢١٠.

وقيل: إنّا خلقناهم من أجل ما يعلمون وهو الأمر والنهي والثواب والعقاب فحذف أجل، كقول الشاعر:
أأزمعت من آل ليلى احتكارا | وشطّت على ذي هوى أن تزارا «١» |
وقيل: (ما) بمعنى من، مجازه: إنا خلقناهم ممن يعلمون ويعقلون لا كالبهائم. فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ قرأ أبو حيوة برب المشرق والمغرب إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ نظيره في سورة الواقعة.
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا في باطلهم وَيَلْعَبُوا ويلهوا في دنياهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ نسختها آية القتال يَوْمَ يَخْرُجُونَ قراءة العامّة بفتح الياء وضم الراء، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم بضم الياء وفتح الراء مِنَ الْأَجْداثِ القبور سِراعاً إلى إجابة الداعي كَأَنَّهُمْ إِلى نَصْبٍ قراءة العامّة بفتح النون وجزم الصاد يعنون إلى شيء منصوب، يقال: فلان نصب عيني.
قال ابن عباس: يعني إلى غاية وذلك حين سمعوا الصيحة الأخيرة. الكلبي: إلى علم ورواية، وقال أبو العلاء: سمعت بعض العرب يقول: النصب الشبكة التي يقع فيها الصيد فيتسارع إليها صاحبها مخافة أن يفلت الصيد منها، وقرأ زيد بن ثابت وأبو رجاء وأبو العالية ومسلم البطين والحسن وأشهب العقيلي وابن عامر إِلى نُصُبٍ بضم النون والصاد، وهي رواية حفص عن عاصم واختيار أبي حاتم.
قال مقاتل والكسائي: يعني إلى أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله. وقال الفراء والأخفش: النصب جمع النصب مثل رهن، والأنصاب جمع النصب فهي جمع الجمع. وقيل:
النصب والأنصاب واحد.
يُوفِضُونَ يسرعون. قال الشاعر:
فوارس ذبيان تحت الحديد | كالجن يوفضن من عبقر «٢» |
الحسن يبتدرون. القرظي يشتدون خاشِعَةً ذليلة خاضعة أَبْصارُهُمْ بالعذاب، قال قتادة:
سواد الوجوه تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ يغشاهم هوان، ومنه غلام مراهق إذا غشى الاحتلام ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ وهو يوم القيامة.
(٢) تفسير القرطبي: ١٨/ ٢٩٧.