
وسلم «أفضل العمل أدومه وإن قلّ» «١» وقول عائشة: كان عمله ديمة «٢». ومحافظتهم عليها:
أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها ويقيموا أركانها ويكملوها بسنتها وآدابها، ويحفظوها من الإحباط «٣» باقتراف المآثم، فالدوام يرجع إلى أنفس الصلوات والمحافظة إلى أحوالها حَقٌّ مَعْلُومٌ هو الزكاة، لأنها مقدرة معلومة، أو صدقة يوظفها الرجل على نفسه يؤديها في أوقات معلومة. السائل: الذي يسأل وَالْمَحْرُومِ الذي يتعفف عن السؤال فيحسب غنيا فيحرم يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ تصديقا بأعمالهم واستعدادهم له، ويشفقون من عذاب ربهم.
واعترض بقوله إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ أى لا ينبغي لأحد وان بالغ في الطاعة والاجتهاد أن يأمنه. وينبغي أن يكون مترجحا بين الخوف والرجاء. قرئ: بشهادتهم وبشهاداتهم. والشهادة من جملة الأمانات. وخصها من بينها إبانة لفضلها، لأنّ في إقامتها إحياء الحقوق وتصحيحها. وفي زيها: تضييعها وإبطالها.
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٤]
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)
كان المشركون يحتفون حول النبي ﷺ حلقا حلقا وفرقا فرقا، يستمعون ويستهزءون بكلامه، ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم، فنزلت مُهْطِعِينَ مسرعين نحوك، مادّى أعناقهم إليك، مقبلين بأبصارهم عليك عِزِينَ فرقا
(٢). متفق عليه من حديثها رضى الله عنها.
(٣). قال محمود: «أى لا يتركونها في وقت ولا يحبطونها... الخ» قال أحمد: حفظها من الإحباط نص عند أهل السنة على حفظها من الكفر خاصة، فلا يحبط ما سواء خلافا للقدرية، وقد تقدمت أمثاله والله أعلم.

شتى جمع عزة، وأصلها عزوة، كأن كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى فهم مفترقون. قال الكميت:
ونحن وجندل باغ تركنا | كتائب جندل شتّى عزينا «١» |
من أى وجه دل هذا الكلام على إنكار البعث؟ قلت: من حيث أنه احتجاج عليهم بالنشأة الأولى، كالاحتجاج بها عليهم في مواضع من التنزيل، وذلك قوله خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ أى من النطف، وبالقدرة على أن يهلكهم ويبدل ناسا خيرا منهم، وأنه ليس بمسبوق على ما يريد تكوينه لا يعجزه شيء، والغرض أن من قدر على ذلك لم تعجزه الإعادة. ويجوز أن يراد:
إنا خلقناهم مما يعلمون، أى: من النطفة المذرة، وهي منصبهم الذي لا منصب أوضع منه.
ولذلك أبهم وأخفى: إشعارا بأنه منصب يستحيا من ذكره، فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم ويقولون: لندخلن الجنة قبلهم. وقيل: معناه إنا خلقناهم من نطفة كما خلقنا بنى آدم كلهم، ومن حكمنا أن لا يدخل أحد منهم الجنة إلا بالإيمان والعمل الصالح، فلم يطمع أن يدخلها من ليس له إيمان وعمل. وقرئ: برب المشرق والمغرب. ويخرجون، ويخرجون. ومن الأجداث سراعا، بالإظهار والإدغام. ونصب، ونصب: وهو كل ما نصب فعبد من دون الله يُوفِضُونَ يسرعون إلى الداعي مستبقين كما كانوا يستبقون إلى أنصابهم.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة سأل سائل أعطاه الله ثواب الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون» «٢».
أو لأنها تنتسب إلى رئيسها. أو إلى أصلها الأعلى، وهذا كناية عن قتله مع كثرة جيشه.
(٢). أخرجه الثعلبي والراحدى وابن مردويه باسنادهم إلى أبى بن كعب،