آيات من القرآن الكريم

وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨)
* * *
البلد: الأرض، وهي الأرض ذات التربة الخصبة المشتملة على كل ما يتكون منه النبات أو الغراس مع الماء والحرارة، وما تقتضيه طبيعة النبات، وما يكون غذاء له، والأرض الخبيثة أو البلد الخبيث ما تكون تربته غير منبتة كالحجارة أو ما يشبهها، وكالأرض التي تكون قريبة من المالح، فيكون ملحها مفسدا لطينتها وخصبها، وخبيثها حجارتها وسبخها، وكل ما لَا ينبت، ومنه الرمال التي لا تحبس الماء، فالبلد الطيب يخرج نباته طيبا غزيرا كثيرا يشبع، ويرضى الزارع بإذن الله، والذي خبث لَا يخرج إلا نكدا، أي القليل الذي لَا يسمن ولا يغني من جوع، فالنكد هو القليل، هو يصيب الزارع بنكد وغم وحزن، وكأنه ينبت ذلك النكد الذي لَا طيب فيه ولا نفع منه.
وإن ذلك مثل لتقسيم الأرزاق، فمن الناس من رزقه الله تعالى أرضا طيبة تأتي له بالخيرات والثمرات، ومن الناس من اختبره الله بأرض خبيثة لَا تخرج إلا

صفحة رقم 2874

نكدا، وهذه تدعوه إلى أن يبحث عن أرض خير منها (... فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، وأن يبحث عن خيرات الأرض من باطنها مما اختزنته من معادن وفلزات وكنوز، وأحجار وماس، وكل ما له نفاسة، فكل أرض الله تعالى لَا تخلو من خير.
وهذا معناه أنه لَا يمكن أن يمحى الفقر والغنى أو يذاب ما بينهما من فروق كما يقول الجهلاء الذين لَا يؤمنون بشيء، وقد نقص إدراكهم عن أن يصل إلى حقائق الوجود، وإن تزعموا وتحكموا، وحكموا بالباطل.
وإن بيان معاني هذه الآية المحكمة على أنها حقيقة تبين قدرة الله وتصريف خيرات الوجود بمقتضى علم الله تعالى، وتدبيره وحكمته، وأن بلاد الله فيها الطيب الذي يحييه خير الله، وينزل الماء فيه، وفيها الجدب الخبيث الذي لَا ينبت إلا نكدا، وإن كان قد ضم باطنه خيرا آخر، لَا في الطعام والثمر والزرع، ولكن في منافع الناس.
وقد رأى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، فالمؤمن كالبلد الطيب يخرج نباته وثماره بإذن ربه، فقلب المؤمن كالأرض الرطبة لَا يكون منها ما هو طيب، وقلب الكافر خبيث كالبلد الخبيث الذي لَا ينتج إلا نكدا، قبيحا وشرا.
وإنا نقول غير جامعين بين الحقيقة والمجاز، إن الآية تدل على تصريف الله تعالى، وتشير عن بعد إلى قلب المؤمن وقلب الكافر، وتقاربهما من البلدين، الأول من البلد الطيب، والثاني من البلد الخبيث.
وقد روى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا

صفحة رقم 2875

هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ". (١).
ولقد ختم الله تعالى الآية الكريمة بقوله تعالت كلماته: (كَذَلِكَ نصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْم يَشْكرُونَ). التشبيه والإشارة هنا (كَذَلِكَ) الذي رأيت من تصريف القول من بيان نعمة الله على الوجود بخلق السماوات والأرض في ستة أيام، وبيان النعم في الإنبات والإثمار، وإخراج كل ما هو نافع للأحياء، كهذا الذي رأيت نصرف الآيات، ونبينها في تصريف محكم مقرب للنفوس، أي كهذا التصريف في ذكر هذه الآيات، نصرف في بيان الحقائق دائما، لقوم من شأنهم الشكر، وتقبل النعمة بالقيام بحقها؛ ولذا عبر بالمضارع الدال على تجدد الشكر المنبعث من النفس الإنسانية المؤمنة، والله غفور شكور.
* * *
القصص القرآني
* * *
بعد الآيات الكونية التي ذكرها الله تعالى دالة على وحدانيته - سبحانه وتعالى - ساق أنباء الرسل، ودعوتهم إلى التوحيد، وتبليغهم رسالات ربهم في إصلاح الإنسان، والقيام بحق ما أنعم الله به عليه، وأنباء من أرسلوا إليهم، وكفر من كفر، وعناده، وأخبر عن دعوة كل رسول وما أجيب به، وذلك لأمور كثيرة: أولها - العبرة بأحوال السابقين والوثنيين الذين اعترضوا على الأنبياء، لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب.
________
(١) متفق عليه، وقد سبق تخريجه.

صفحة رقم 2876

وثانيها - بيان ما نزل بالمشركين الذين كفروا بالله وكذبوا الأنبياء وعاندوهم وآذوا من اتبعوهم، من عذاب حتم عليهم، ومن خسف جعل عالي ديارهم سافلها، ومن ريح صرصر عاتية، وليعلم الوثنيون الذي يخاطبون النبي - ﷺ - أن الله تعالى يمهلهم ولا يهملهم، كما قال تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (٦).
وثالثها - أن الآيات مهما تكن شديده قارعة حسية لَا تجعل من القلب الجاحد مؤمنا، فهؤلاء السابقون جاءتهم الآيات الحسية القارعة، ولكن لم تحمل الوثنيين على الإيمان، بل جحدوا وإن كانوا مستيقنين.
ورابعها - التسرية عن النبي - ﷺ - بأنه لم يكن أول من كُذِّب وجُحدت آياته بل كذبوا من قبل.
وخامسها - أن في نبأ كل نبي من الأنبياء تساق الحجج على التوحيد، والتنبيه إلى آيات الله تعالى في الكون.
وسادسها - أن في القصص علم الأمم، وأخلاقها، وضلالها، وهداية من يُهتدى.
* * *
من نبأ نوح - عليه السلام -
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٦٠) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ

صفحة رقم 2877

مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٢) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (٦٤)
* * *
ابتدأ نوح كلامه مع قومه مستدنيا قلوبهم، مقربا القول إلى نفوسهم، وكان إرساله إليهم، ولم يوجد ما يدل على أنه أرسل لغيرهم، كما قامت رسالة رسول الله محمد - ﷺ - إلى الناس.
قال عليه السلام:

صفحة رقم 2878
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية