
والنجوم مسخرات، بالرفع. ولما ذكر أنه خلقهنّ مسخرات بأمره قال أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ أى هو الذي خلق الأشياء كلها، وهو الذي صرفها على حسب إرادته.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٥٥ الى ٥٨]
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨)
تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً نصب على الحال، أى ذوى تضرع وحفية. وكذلك خوفاً وطمعاً.
والتضرع تفعل من الضراعة «١» وهو الذل، أى تذللا وتملقا. وقرئ. وخفية «٢» وعن الحسن رضى الله عنه: إنّ الله يعلم القلب التقى والدعاء الخفي، إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير ولا يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلى الصلاة الطويلة وعنده الزور وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السر فيكون علانية أبداً. ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم. وذلك أنّ الله تعالى يقول
(٢). قوله «وقرئ وخفية» لعل هذه بالكسر. (ع)

ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً وقد أثنى على زكريا فقال إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا وبين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفاً. إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ أى المجاوزين ما أمروا به في كل شيء من الدعاء وغيره. وعن ابن جريح، هو رفع الصوت بالدعاء. وعنه: الصياح في الدعاء مكروه وبدعة. وقيل: هو الإسهاب في الدعاء. وعن النبي ﷺ «سيكون قوم يعتدون في الدعاء. وحسب المرء أن يقول: اللهمّ إنى أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل «١» ثم قرأ قوله تعالى إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ كقوله وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً. وإنما ذكر قَرِيبٌ على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم، أو لأنه صفة موصوف محذوف، أى شيء قريب. أو على تشبيه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول كما شبه ذاك به، فقيل قتلاء وأسراء، أو على أنه بزنة المصدر، الذي هو النقيض والضغيب «٢». أو لأنّ تأنيث الرحمة غير حقيقى. قرئ: نشراً وهو مصدر نشر. وانتصابه إمّا لأن أرسل ونشر متقاربان، فكأنه قيل: نشرها نشراً: وإمّا على الحال بمعنى منتشرات. ونشراً جمع نشور.
ونشراً تخفيف نشر، كرسل ورسل. وقرأ مسروق: نشراً، بمعنى منشورات، فعل بمعنى مفعول، كنقض وحسب. ومنه قولهم «ضم نشره» وبشراً جمع بشير. وبشراً بتخفيفه. وبشراً- بفتح الباء- مصدر من بشره بمعنى بشره، أى باشرات، وبشرى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أمام رحمته، وهي الغيث الذي هو من أتمّ النعم وأجلها وأحسنها أثراً أَقَلَّتْ حملت ورفعت، واشتقاق الإقلال من القلة، لأنّ الرافع المطيق يرى الذي يرفعه قليلا سَحاباً ثِقالًا سحائب ثقالا بالماء جمع سحابة سُقْناهُ الضمير للسحاب على اللفظ، ولو حمل على المعنى كالثقال لأنث، كما لو حمل الوصف على اللفظ لقيل ثقيلا لِبَلَدٍ مَيِّتٍ لأجل بلد ليس فيه حياً ولسقيه. وقرئ:
ميت فَأَنْزَلْنا بِهِ بالبلد أو بالسحاب أو بالسوق. وكذلك فَأَخْرَجْنا بِهِ | كَذلِكَ مثل ذلك الإخراج وهو إخراج الثمرات نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ |
(٢). قوله «هو النقيض والضغيب» النقيض: هو صوت العقاب وصوت المحمل، والضغيب: صوت الأرنب. (ع)