
وقوله تعالى: ﴿عَلَى عِلْمٍ﴾ أي: فصلناه بعلم لم يقع منا فيه سهو ولا غلط، وقيل: ﴿عَلَى عِلْمٍ﴾ في الكتاب وهو ما أودع من العلوم (١) وبيان الأحكام.
وقوله تعالى: ﴿هُدًى وَرَحْمَةً﴾، قال الزجاج: (﴿هُدًى﴾ في موضع نصب أي: فصلناه هاديًا وذا رحمة) (٢).
وقوله تعالى: ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يدل على أن القرآن جُعل هدى لقوم مخصوصين أريد به هدايتهم دون غيرهم ممن كذب به.
٥٣ - قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾، النظر هاهنا بمعنى: الانتظار (٣)، وقد مر في سورة البقرة (٤)، وإنما قيل لهم ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾، وإن كانوا جاحدين؛ لأنهم في منزلة المنتظر كأنهم ينتظرون ذلك لأنهم
(٢) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٤١، والجمهور على نصبهما على الحال من مفعول ﴿فَصَّلْنَاهُ﴾ أو على أنه مفعول لأجله أي: فصلناه لأجل الهداية والرحمة. قالوا: ويجوز الجر على النعت لكتاب أو البدل منه، والرفع على تقدير مبتدأ أي: هو هدى ورحمة انظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٨٠، و"تفسير الطبري" ٣/ ٢٠٨، و"إعراب النحاس" ١/ ٦١٥، و"المشكل" ١٢٩٣، و"البيان" ١/ ٣٦٤، و"التبيان" ص ٣٧٨، و"الفريد" ٢/ ٣٠٩، و"البحر" ٤/ ٣٠٦، و"الدر المصون" ٥/ ٣٦٦.
(٣) النَّظَر: تقليب البَصَرِ والبَصيرة لإدراك الشيء وتأمله ورؤيته، والنَّظَر: الانتظار يقال: نَظَرْتُه أي انتظَرْتْه، وأَنْظَرْتُه - أخَّرْتُه. انظر: "الجمهرة" ٢/ ٧٦٣، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٠٤، و"الصحاح" ٥/ ٣٨٠، و"المجمل" ٣/ ٨٧٣، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٤٤٤، و"المفردات" ص ٨١٣، و"اللسان" ٧/ ٤٤٦٦ (نظر).
(٤) انظر: "البسيط" النسخة الأزهرية ١/ ١٢٦ب.

يأتيهم لا محالة، وفيه وجه آخر ذكرناه في قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [الأنعام: ١٥٨] في آخر سورة الأنعام.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾. قال الفراء: (الهاء في ﴿تَأْوِيلَهُ﴾ للكتاب يريد: عاقبته وما وعد الله فيه) (١) [يعني: من البعث والنشور والعقاب والحساب.
وقال مقاتل (٢): ﴿إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ عاقبة ما وعدوا] (٣) على ألسنة الرسل. ومضى (٤) الكلام في التأويل في سورة آل عمران (٥) أولاً، ثم في النساء (٦) ثانيًا.
وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾. قال ابن عباس: (يريد: يوم القيامة) (٧).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠، وقال النحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٦١٦ (في معناه قولان: أحدهما: هل ينظرون إلا ما وعدوا به في القرآن من العقاب والحساب، والقول الآخر: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ من النظر إلى يوم القيامة) اهـ. وانظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣٤١، والطبري ٨/ ٢٠٤، و"معاني النحاس" ٣/ ٤١ - ٤٢، والسمرقندي ١/ ٥٤٥، والماوردي ٢/ ٢٢٨.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) في النسخ: (ومعنى) والأولى (ومضى).
(٥) انظر: "البسيط" النسخة الأزهرية ١/ ١٧٥ أ.
(٦) انظر: "البسيط" نسخة جستربتي ٢/ ٤ أ.
(٧) أخرجه الطبري ٨/ ٢٠٤، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٩٤ بسند ضعيف، وقال ابن القيم كما في "بدائع التفسير" ٢/ ٢١٧ - ٢١٨ (فمجيء تأويله مجيء نفس ما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر والمعاد وتفاصيله، والجنة والنار ويسمى تعبير الرؤيا تأويلًا بالاعتبارين، فإنه تفسير لها وهو عاقبتها وما تؤول إليه، فتأويل ما أخبرت به الرسل =

قال الزجاج: (﴿يَوْمَ﴾ نصب بقوله ﴿يَقُولُ﴾ (١). قال: [و] (٢) ﴿الَّذِينَ نَسُوهُ﴾ معناه (٣) أنهم صاروا في الإعراض عنه بمنزلة من نسى، وجائز أن يكون ﴿نَسُوهُ﴾ تركوا (٤) العمل له والإيمان له) (٥)، وهذا كما ذكرنا في قوله: ﴿كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ [الأعراف: ٥١].
وقوله تعالى: ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ نسق على قوله: ﴿فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ﴾، كأنه قيل: هل يشفع لنا شافع، أو هل نرد ﴿فَنَعْمَلَ﴾، منصوب على جواب الاستفهام [بالفاء (٦)] (٧)، ومعنى: ﴿فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ نوحد الله قاله ابن عباس (٨).
(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٤١، وانظر: "إعراب النحاس" ١/ ٦١٦، و"المشكل" ١/ ٢٩٣، و"البيان" ١/ ٣٦٤، و"التبيان" ص ٣٧٨، و"الفريد" ٢/ ٣١٠، و"الدر المصون" ٥/ ٣٣٧ وكلهم على أنه منصوب على الظرف والعامل فيه ﴿يَقُولُ﴾.
(٢) لفظ: (الواو) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (معنا)، وهو تحريف.
(٤) في (ب): (تركوه العمل)، وهو تحريف.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٤١ - ٣٤٢، وانظر: الطبري ٨/ ٢٠٤، و"معاني النحاس" ٣/ ٤٢، والسمرقندي ١/ ٥٤٥، والماوردي ٢/ ٢٢٩.
(٦) لفظ: (بالفاء) ساقط من (ب).
(٧) هذا قول الزجاج في "معانيه" ٢/ ٣٤٢ وهو المشهور، وقول الجمهور: (فتكون جملة ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ معطوفة على جملة ﴿فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ﴾ داخلة معها في حكم الاستفهام. انظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٨٠، والأخفش ٢/ ٣٠٠، و"تفسير الطبري" ١٢/ ٢٠٥، و"إعراب النحاس" ١/ ٦١٦، و"المشكل" ١/ ٢٩٣، و"البيان" ١/ ٣٦٤، و"التبيان" ص ٣٧٨، و"الفريد" ٢/ ٣١٠، و"البحر" ٤/ ٣٠٦، و"الدر المصون" ٥/ ٣٣٧.
(٨) "تنوير المقباس" ٢/ ٩٩ وفيه: (فنؤمن ونعمل غير الذي كنا نعمل في الشرك) اهـ.