
إذا شَابَ الغُرابُ أَتَيْتُ أهْلي | وصارَ القارُ كاللَّبنِ الحليبِ (١) |
٤١ - قوله تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾.
قال الليث: (المهاد: اسم جمع (٤) من المهد كالأرض جعلها (٥) الله مهادًا للعباد، وجمع المِهاد: مُهُد، وثلاثة أمْهَده) (٦) الأزهري: (أصل المهد في اللغة التوثير، ويقال للفراش: مهاد لوثارته) (٧).
والغواشي (٨): جمع غاشية، وهي كل ما يغشاك أي يُجللك (٩)،
(٢) لفظ: (نجزي المجرمين). ساقط من (أ).
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٣٨، ومثله ذكر النحاس في "معانيه" ٣/ ٣٦، والسمرقندي ١/ ٥٤١، وقال الطبري ٨/ ١٨١: (يقول: وكذلك نثيب الذين أجرموا في الدنيا ما استحقوا به من الله العذاب الأليم في الآخرة) أهـ.
(٤) في (ب): (أجمع).
(٥) في (أ): (جعله).
(٦) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٦١، وانظر: "العين" ٤/ ٣١ - ٣٢، و"الجمهرة" ٢/ ٦٨٥، و"الصحاح" ٢/ ٥٤١، و"المجمل" ٣/ ٨١٨، و"المفردات" ٧٨٠، و"اللسان" ٧/ ٤٢٨٦ (مهد).
(٧) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٦١ (مهد).
(٨) في (ب): (والغواش).
(٩) انظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٦٧، و"الصحاح" ٦/ ٢٤٤٦، و"المجمل" ٣/ ٦٩٦، و"المفردات" ص ٦٠٧، و"اللسان" ٦/ ٣٢٥٩ (غشا).

و ﴿جَهَنَّمَ﴾ لا ينصرف لاجتماع التأنيث فيها والتعريف. قال بعض أهل اللغة: (واشتقاقها من الجهومة، وهي الغلظ، يقال: رجل جهم الوجه، غليظه، فسميت بهذا (١) لغلظ أمرها في العذاب، نعوذ بالله منها) (٢). قال المفسرون في هذه الآية: (هذا (٣) إخبار عن إحاطة النار بهم من كل جانب، فلهم منها غطاء ووطاء وفراش ولِحاف) (٤).
فأما التنوين في ﴿غَوَاشٍ﴾، فقال أبو الفتح الموصلي: (ومما يسأل عنه من أحوال التنوين قولهم: جوارٍ وغواشٍ ونحو ذلك، لأية علة لحقه التنوين، وهو غير منصرف لأنه على وزن فواعل (٥)؟ والجواب عن ذلك: ما ذهب إليه الخليل وسيبويه (٦)، وهو أن هذا الضرب جمع، والجمع أثقل من الواحد، وهو أيضًا الجمع الأكثر الذي يتناهى إليه الجموع، فزاده ذلك
(٢) أكثر النحويين على أنها اسم لنار الله الموقدة وهي أعجمية معربة ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة، وذهب جماعة من المحققين إلى أنها عربية ومنعها للعلمية والتأنيث مأخوذة من قولهم: ركيَّة جِهنام بكسر الجيم والهاء أي: بعيدة القعر، واشتقاق جهنم من ذلك لبعد قعرها ولغلظتها، أفاده السمين في "عمدة الحفاظ" ص ١٠٤ وقال: (القول بأنها أعجمية غير مشهور في النقل، بل المشهور عندهم أنها عربية) اهـ. وانظر: "العين" ٣/ ٣٩٦، و"الزاهر" ٢/ ١٤٦، و"تهذيب اللغة" ١/ ٦٨١، و"الصحاح" ٥/ ١٨٩٢، و"المفردات" ص ٢٠٩، و"اللسان" ٢/ ٧١٥ (جهنم).
(٣) في (ب): (على هذا). وهو تحريف.
(٤) وهو قول الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٨٢، وأخرجه من طرق عن محمد بن كعب القرظي والضحاك والسدي. وانظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣٣٨، والنحاس ٣/ ٣٦ و"تفسير السمرقندي" ١/ ٥٤١، والماوردي ٢/ ٢٢٣.
(٥) كذا في "النسخ"، وعند ابن جني في "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥١١ (مَفاعِل).
(٦) انظر: "الكتاب" ٣/ ٣٠٨ - ٣٠٩.

ثقلاً، ووقعت مع ذلك الياء في آخره وهي مستثقلة، فلما اجتمعت فيه هذه الأشياء خففوه بحذف يائه، فلما حذفت الياء نقص عن مثال فواعل (١)، وصار (غواش) بوزن (جَناح) فدخله التنوين لنقصانه عن هذا المثال، فالتنوين عندهما في (غواش) وبابه إنما هو التنوين الذي هو علم الصرف، يدلك على هذا أنك إذا صرت إلى حال النصب فجرى مجرى الصحيح؛ كما من عادة المنقوص إذا نصب نحو: قاض وغاز فأتممته لم تصرفه، فقلت: رأيت (جواريَ) و (غواشيَ) ونحو ذلك) (٢).
وقال أبو إسحاق: (زعم الخليل وسيبويه أن النون هاهنا عوض من الياء؛ لأن (غواشي) لا ينصرف الأصل (غواشي) (٣) بالياء والضم إلا أن الضمة تحذف لثقلها في الياء، فيبقى (غواشيْ) بسكون الياء، فإذا ذهبت الضمة أدخلت النون عوضًا منها، كذلك فسر أصحاب سيبويه، فكأن سيبويه يذهب إلى أن النون عوض من ذهاب حركة الياء، والياء سقطت لسكونها، وسكون النون، فإذا وقفت فالاختيار أن تقف (٤) بغير ياء، فتقول (٥): (غواش) لتدل (٦) أن الياء كانت تحذف في الوصل، وبعض العرب إذا وقف قال: (غواشي)، بإثبات الياء، ولا أرى ذلك في القرآن؛
(٢) هذا ملخص ما ذكره ابن جني في "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥١١ - ٥١٤.
(٣) في "معاني الزجاج" ٢/ ٣٣٨: (الأصل غواشي بإسكان الياء، فإذا ذهبت الضمة أدخلت التنوين عوضًا منها..) اهـ. ونص الواحدي مثل نصر الفارسي في "الإغفال" ص ٧٧٨ عن الزجاج.
(٤) في (ب): (يقف) بالياء.
(٥) في (ب): (فيقول) بالياء.
(٦) في (ب): (ليدل).

لأن الياء محذوفة في المصحف) (١) انتهى كلامه.
والذي ذهب إليه أبو إسحاق هو أن التنوين في (غواشي) إنما هو بدل من الحركة الملقاة لثقلها عن الياء، فلما جاء التنوين حذفت الياء لالتقاء الساكنين هي والتنوين، كما حذف من المنصرف في نحو: قاضٍ وغازٍ ومتقٍ (٢) ومتعالٍ، وهذا غير مرضي ولا سائغ في القياس، وقد ترك قول سيبويه والخليل، وخالفهما إلى خلاف الصواب (٣).
قال أبو علي: (الدليل على أن الحذف لغير التقاء الساكنين أنه لو كان لذلك (٤) لم يجب الحذف؛ ألا ترى أن الساكن [الأول هو الياء ولو ثبتت لم يلحق الساكن] (٥) الثاني لتعاقبهما كما لم يلحق (مساجد) (٦) ونحوه مما يكون من هذا الجمع، فقراءة الناس ﴿غَوَاشٍ﴾ بالتنوين دلالة على أن الياء لم تحذف لالتقاء الساكنين؛ إذ الساكن الأول لو ثبت لم يجتمع معه الساكن الثاني.
وحكاية أبي إسحاق في قوله: (زعم سيبويه والخليل أن النون عوض من الياء) هذا لعمري صحيح عليه نص سيبويه، إلا أن ما ذكر بعد من قوله: فإذا ذهبت الضمة أدخلت النون عوضًا منها فالقول أن النون عوض من ذهاب الضمة خلاف قول سيبويه، ألا ترى أنه قد نص على أنه عوض من
(٢) النص من "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥١٢، وفيه: (قاضٍ وغازٍ ومشترٍ ومتعالٍ).
(٣) هذا نص كلام ابن جني في "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥١٢ - ٥١٣.
(٤) في (ب): (كذلك).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) في (أ): (مساجده)، وهو تحريف.

الياء كما حكاه أبو إسحاق أولاً عنه، ولو كان النون عوضًا من الضمة لكان جديرًا أن يلحق الفعل أيضًا، ألا ترى أن الأفعال قد حذفت الضمة من لاماتها، وقوله: (كأن سيبويه ذهب إلى أن (١) النون عوض من ذهاب حركة الياء) تقدير لا وجه له مع ما حكيناه من نصه على أنه بدل من الياء، وقوله: (والياء سقطت لسكونها وسكون النون) قول لا يذهب إليه أحد، وإن (٢) أضافه إلى سيبويه فخطأ، وإن ذهب هو إليه (٣) ففاسد، لما ذكرنا أن الساكن الأول إذا ثبت عاقب الساكن الثاني، ولم يكن للتنوين مدخل في الكلمة، فأما ما نسبه من التفسير الذي ذكره إلى أصحاب سيبويه (٤)، فإني لم أعلم أحدًا فسر هذا التفسير، فإن فسره مفسر كان خلاف مذهبه) (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾. قال ابن عباس: (يريد: الذين أشركوا بالله واتخذوا من دونه إلهًا) (٦).
(٢) في (أ): (فإن).
(٣) في (ب): تكرار قوله: (أحد وإن أضافه إلى سيبويه فخطأ، وإن ذهب إليه).
(٤) وكذلك قال النحاس في "إعرابه" ١/ ٦١٢: (التنوين عند سيبويه عوض عن الياء وعن أصحابه عوض من الحركة) اهـ.
(٥) "الإغفال" ص ٧٨١ - ٧٨٨، وانظر: "معاني الأخفش" ٢/ ٢٩٨، و"المشكل" ١/ ٢٩١، و"غرائب الكرماني" ١/ ٤٠٣، و"البيان" ١/ ٣٦١، و"التبيان" ص ٣٧٥، و"الفريد" ٢/ ٣٠١، و"الدر المصون" ٥/ ٣٢٢.
(٦) "تنوير المقباس" ٢/ ٩٥، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٨٠، والرازي في "تفسيره" ١٤/ ٧٨.
وذكر ابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ١٩٩ عن ابن عباس أنه قال: (الظالمون هاهنا الكافرون) اهـ.