
(وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي إذا كان الأمر كما ذكرتم من أننا أضللناكم فما كان لكم علينا أدنى فضل تطلبون به أن يكون عذابكم دون عذابنا مع أن الذنب واحد وقد اعترفتم بتلبسكم بالضلال المقتضى له، فذوقوا العذاب بكسبكم له مهما يكن سببه.
وقد جاء فى سورة الصافات: «وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ. قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ. قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ. فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ. فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ. فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ».
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)
تفسير المفردات
المراد بالآيات هنا: الآيات الدالة على أصول الدين وأحكام الشرع كالأدلة على وجود الله ووحدانيته، والأدلة على النبوة والبعث يوم القيامة، والجمل: هو البعير البازل أي الذي طلع نابه، وسمّ الخياط: ثقب الإبرة، وأصل الإجرام: قطع الثمرة من الشجرة، ثم استعمل فى كل إفساد كإفساد الفطرة بالكفر وما يترتب على ذلك من الخرافات والمعاصي، والمهاد: الفراش، والغواشي: واحدها غاشية، وهى ما يغشى الشيء أي يغطّيه ويستره كاللحاف ونحوه.

المعنى الجملي
هذا من تتمة ما سلف من وعيد الكفار وجزاء المكذبين بالقرآن المستكبرين عن الإيمان، بين به أنهم خالدون فى النار، وأنهم يلاقون فيها من الشدائد والأهوال ما لا يدرك العقل حقيقة كنهه، وأن هذا كفاء ظلمهم لأنفسهم واستكبارهم عن طاعة ربهم واتباع أوامره.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) أي إن الذين كذبوا بأدلتنا ولم يتبعوا رسلنا وتكبروا عن التصديق بما جاءوا به، وأنفوا من الانقياد لها لا تفتح لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السماء، ولا يصعد لهم فى حياتهم قول ولا عمل، لأن أعمالهم خبيثة، وإنما يرفع إلى الله الكلم الطيب والعمل الصالح كما قال: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ».
(وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) العرب تضرب المثل لما لا يكون بنحو قولهم: لا أفعله حتى يشيب الغراب، وحتى يبيض القار، وحتى يدخل الجمل فى سم الخياط، وهم يريدون بذلك أنهم لا يفعلونه أبدا، والمراد هنا أن هؤلاء لا يدخلون الجنة بحال.
(وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) أي ومثل هذا الجزاء نجزى به كل من صار الإجرام وصفا لهم- لامن أجرموا جرما بثورة غضب أو نزوة شهوة- ثم لا يلبثون أن يندموا على ما فرط منهم كما قال تعالى فى وصف المؤمنين: «ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ» وقال أيضا: «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ».
(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) أي لهم من نار جهنم فرش من تحتهم، ولهم من فوقهم منها لحف تعطّيهم، والمراد أنها محيطة بهم مطبقة عليهم كما قال: