
من مجيئه مجيء الخلق؛ لأن استواء الخلق هو انتقال من حال إلى حال، ولا يجوز أن يفهم منه ذلك، على ما لم يفهم من زينة اللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ... (٣٣)
يشبه أن تكون هذه الآية مقابل قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)، كما خرج آخر الآية وهو قوله: (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ)، مقابل الأول وهو قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)، والنهي هناك نهي تحريم كالتنصيص على التحريم هاهنا، وتكون الفحشاء التي ذكر في هذه الآية الفواحش التي ذكر في تلك، والمنكر الذي ذكر هاهنا هو الإثم الذي ذكر في تلك، وذكر البغي هاهنا وهنالك.
ثم الفحشاء: هو الذي ظهر قبحه في العقل، والسمع.
والمنكر: هو الذي ظهر الإنكار فيه على مرتكبه.
والإثم هو الذي يأثم المرء فيه.

والبغي: هو من مظالم الناس يظلم بعضهم على بعض.
صفحة رقم 410
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الفواحش هن الكبائر، والإثم هو الصغائر، والبغي هو أخذ ما عصم من مال أو نفس بعقد الإسلام، على ما روي عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يقولوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها "، فكل ما صار معصومًا بالإسلام من مال أو نفس، فأخذ ذلك بغي وظلم إلا ما ذكر بحقها.
وأصل البغي هو المجاوزة عن الحد الذي جعل له.
وقال أهل التأويل: الفواحش هي الزنى، ما ظهر منها علانية، وما بطن منها: سرًّا، لكن الفواحش ما ذكرنا أن ما أظهر قبحه، في العقل وفحشه السمع فهو فاحشة، والفواحش هي ما ذكرنا أن ما قبح في العقل والسمع وأفحش فيهما، فهي الفاحشة.
وأصل المنكر: كل ما لا يعرف؛ كقول إبراهيم: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) والمنكر: ما أنكره العقل والسمع أيضًا.