
﴿يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون﴾ قوله عز وجل: ﴿يَا بَنِيَءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوُءَاتِكُمْ﴾ نزلت هذه الآية في قوم من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويرون أن ذلك أبلغ في الطاعة وأعظم في القربة. وفي دخول الشبهة عليهم في ذلك وجهان: أحدهما: أن الثياب قد دنستها المعاصي فخرجوا عنها. والثاني: تفاؤلاً بالتعري من الذنوب فقال الله تعالى: ﴿قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً﴾ أي ما تلبسون من الثياب. فإن قيل: فليس ذلك بمنزل من السماء. فعنه جوابان: أحدهما: أنه لما كان ينبت من المطر الذي نزل من السماء صار كالمنزل من السماء، قاله الحسن. والثاني: أن هذا من بركات الله، والبركة تنسب إلى أنها تنزل من السماء، كما قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ [الحديد: ٢٥]. ثم قال: ﴿يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ﴾ أي يستر عوراتكم، وسميت العورة سوأة لأنه يسوء صاحبها انكشافها. ثم قال: ﴿وَرِيشاً﴾ وهذه قراءة أهل الأمصار وكان الحسن يقرأ: ﴿وَرِيَاشاً﴾ وفيه أربعة تأويلات:
صفحة رقم 213
أحدهما: أنه المعاش، قاله معبد الجهني. والثاني: أنه اللباس والعيش والنعيم، قاله ابن عباس. والثالث: أنه الجمال والزينة، قاله ابن زيد، ومنه قوله رؤبة:
(إليك أشكو شدة المعيش | وجهد أعوام نتفن ريشي) |
(فريشي منكم وهواي معكم | وإن كانت زيارتكم لماما) |

وفي قوله: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ وجهان: أحدهما: أنه راجع إلى لباس التقوى ومعنى الكلام أن لباس التقوى خير من الرياش واللباس، قاله قتادة والسدي. والثاني: أنه راجع إلى جميع ما تقدم من ﴿قَدْ أَنزَلْنَا علَيكُمْ لِبَاساً يُوارِي سَوْءَاتِكُم وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوى﴾، ثم قال: ﴿ذَلِكَ﴾ الذي ذكرته هو ﴿خَيْرٌ﴾ كله.
صفحة رقم 215