
قال: اهبطوا- والخطاب لآدم وحواء وإبليس- اهبطوا بعضكم لبعض عدو في الدنيا، ولكم فيها استقرار وسكون إلى أجل مسمى عند الله. ولكم فيها متاع إلى أجل محدود.
قال الله- سبحانه وتعالى- وحكم: في هذه الأرض تحيون وفيها تموتون. ومنها تخرجون إلى البعث والجزاء: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى [سورة طه آية ٥٥].
الغرض من القصة: ذكر في الجزء الأول ص ٣٣.
من نعم الله وفضله علينا [سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧)
المفردات:
رِيشاً ريش الطائر: ما ستره الله به، والذي عليه أكثر أهل اللغة أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة. لا يَفْتِنَنَّكُمُ الفتنة: الابتلاء والاختبار، من قولهم: فتن الصائغ الذهب أو الفضة في البوتقة ليعرف الجيد من الرديء. قَبِيلُهُ: جماعته كالقبيلة.

المعنى:
يا بنى آدم: تذكروا نعم الله عليكم وعلى أبيكم من قبل، وإياكم والمعاصي، وعليكم بتقواه في السر والعلن، فهو قد أنزل عليكم من السماء مطرا أنشأ منه نبات القطن والكتان، والصوف والوبر، وغير ذلك مما يتخذ لباسا للضرورة كستر العورة أو لباسا لستر البدن أو للزينة والتجمل، يا سبحان الله! دين الإسلام ودين الفطرة والطبيعة، لا يمنع من اتخاذ اللباس للزينة والتجمل إلا الحرير الذي يكسر قلوب الفقراء ويكون لبسه إرضاء للنفس وغرائزها.
ولباس التقوى ذلك خير وأجدى وهو لباس معنوي، لباس العمل الصالح والإيمان الخالص، ولا شك أنه خير من الرياش واللباس.
وخير لباس المرء طاعة ربه | ولا خير فيمن كان لله عاصيا |
يا بنى آدم: لا تغفلوا عن أنفسكم، ولا تتركوها غير محصنة بالتقوى، واجلوها بذكر الله دائما فإن القلب ليصدأ كما يصدأ الحديد، حتى تقوى النفس على مقاومة الشيطان وغروره، وتنجح في ابتلائه واختباره، واحذروه فإنه أخرج أبويكم من الجنة، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما.
احذروه إنه يراكم هو وجماعته وبنو جنسه وأنتم لا ترونه، ولا شك أن العدو المباغت الذي لا يرى أشد من العدو المبارز الظاهر.
والوقاية منه تكون بتقوية الروح والصلة بالله، وبمعالجة الوساوس بعد طروئها، والاستعاذة بالله منه.
احذروه لأن الله جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ [سورة الحجر آية ٤٢] وهذا تحذير شديد. صفحة رقم 704