
هود (١) عند قوله ﴿مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ (٢) [هود: ٤٦].
٢٢ - قوله تعالى: ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ الآية، معنى التدلية (٣) في اللغة: التعليق، يقال: دلى فلان الشيء في مهواة، وتدلى ذلك الشيء بنفسه.
قال أبو عبيدة: (دلاهما: خذلاهما وخلاهما من تدلية الدلو، وهو إرسالها في البئر) (٤).
وقال أبو إسحاق: (دلاهما في المعصية (٥) بأن غرهما) (٦).
وذكر أبو منصور الأزهري -رحمه الله- لهذه الكلمة أصلين:
أحدهما: قال: (أصله الرجل العطشان يدلي في البئر ليروى من الماء فلا يجد فيها ماء، فيكون مدلس فيها بالغرور، فوضعت التدلية موضع الإطماع فيما لا يجدي نفعًا، فيقال: دلاه إذا أطمعه (٧) ومنه قول أبي جندب (٨) الهذلي:
(٢) لفظ: ﴿بِهِ عِلْمٌ﴾ ساقط من (ب).
(٣) انظر: "العين" ٨/ ٦٩، و"الجمهرة" ٢/ ٦٨٢، و"الصحاح" ٦/ ٢٣٣٩، و"المفردات" ص ٣١٧ (دلو).
(٤) ذكر الثعلبي في "الكشف" ١٨٨ب، ولم أقف عليه في "مجاز القرآن".
(٥) في (ب): (دلاهما في المعصية غرهما بأن غرهما)، وهو تحريف.
(٦) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٢٧. انظر: "معاني النحاس" ٣/ ٢١.
(٧) في (ب): (إذا أطعمه)، وفي (أ): (إذا طعمه)، وهو تحريف.
(٨) أبو جُنْدَب بن مُرَّة بن قرد الهذلي، شاعر جاهلي، وهو أحد عشر إخوة كانوا جميعًا شعراء دهاة.
انظر: "الشعر والشعراء" ص ٤٤٠، و"شرح ديوان الهذليين" ١/ ٣٤٥، و"الأغاني" ٢٢/ ٢٢١، ٢٢٨، ٢٣٠.

أَحُصُّ فلا أجِيرُ وَمنْ أجِرْةُ | فَلَيْسَ كَمَنْ يُدَلَّى بالغُرُورِ (١) |
والثاني: ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾، أي جرأهما (٢) إبليس على أكل الشجرة بغروره (٣) [و] (٤) الأصل فيه (٥) دَلَّلهمَا من الدَّالّ (٦) والدَّالَّة: وهي الجرأة) (٧).
قال شمر: (يقال: ما دَلَّك علي، أي: ما جَرَّأك علي) (٨)، وأنشد لقيس بن زهير (٩):
أظُنُّ الحِلْمَ دَلَّ عليَّ قْومِي | وقد يسْتَجْهَلُ الرجلُ الحَليمُ (١٠) |
(٢) في (أ): (أي أخبرهما)، وهو تحريف.
(٣) في (ب): (بغرور).
(٤) لفظ: (الواو) ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (فيهما).
(٦) في (ب): (من الدلال)، وهو تحريف.
(٧) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢١٤.
(٨) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٢١.
(٩) قَيْس بن زُهَيْر بن جَذيِمة العَبْسي، شاعر جاهلي، وفارس عبس وسيدها، ومعدود في الأمراء والدهاة والشجعان والخطباء والشعراء، وهو صاحب الفرسين داحس والغبراء، وكان شريفًا، حازمًا ذا رأي، يضرب بدهائه المثل.
انظر: "معجم المرزباني" ص ١٧٨، و"الإصابة" ٣/ ٢٨٢، و"الأعلام" ٥/ ٢٠٦.
(١٠) الشاهد في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٢١، و"اللسان" ٣/ ١٤١٣ (دليل)، و"الدر المصون" ٥/ ٢٨١، وقال المرزباني في "معجمه" ص ١٧٨ في شرح البيت: (ليس قوله: وقد يستجهل الرجل الحليم بمعنى ينسب إلى الجهل، وإنما هو بمعنى =

قال محمد بن حبيب (١): (معناه: جَرَّأهم) (٢).
قال ابن عباس: (يريد: غرهما باليمين، وكان آدم يظن أنه لا أحد يحلف بالله كاذبًا) (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾، قال ابن عباس: (يريد: ظهرت عورتهما وتقلص ذلك النور عنهما، فصار أظفارًا (٤) في الأيدي والأرجل) (٥).
قال وهب (٦): (كان على فرج آدم نور يحول بينه وبين النظر إليه
(١) محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي -مولاهم- أبو جعفر البغدادي، علامة بالإنساب والأخبار واللغة والشعر، له عدة مصنفات منها المحبر، والمؤتلف والمخلف في النسب، والمنمق، وغيرها، توفي سنة ٢٤٥ هـ.
انظر: "تاريخ بغداد" ٢/ ٢٧٧، و"إنباه الرواة" ٣/ ١١٩، و"معجم الأدباء" ١٨/ ١١٢، و"البغية" ١/ ٧٣، و"الأعلام" ٦/ ٧٨.
(٢) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٢١، وفيه: (دل على قومي أي: جرأهم) اهـ.
(٣) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٦٧، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ١٨٠، والرازي ١٤/ ٤٩، وانظر: "تفسير السمرقندي" ١/ ٥٣٤، والبغوي ٣/ ٢١٩، و"بدائع التفسير" ٢/ ٢٠١.
(٤) في (ب): (أظفرًا).
(٥) أخرجه الطبري ٨/ ١٤٣ بسند ضعيف عنه نحوه، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٣٩، وأخرج الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣١٩، عن ابن عباس قال: (كان لباس آدم وحواء مثل الظفر، فلما ذاقا الشجرة، جعلا يخصفان عليهما من روق الجنة، قال: وهو ورق التين) اهـ. قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه) اهـ. ووافقه الذهبي في "التلخيص".
(٦) وهب بن مُنبه بن كامل اليماني، تقدمت ترجمته.

فلا (١) يبصره، فلما عصى بدت عورته) (٢).
وقال قتادة: (كان لباس آدم وحواء في الجنة ظفرًا (٣) كله، فلما واقعا الذنب كُشِط (٤) عنهما، وبدت سوءاتهما فاستحيا وطفقا يخصفان الورق عليهما) (٥).
وقال الكلبي: (فلما أكلا منها تهافت لباسهما عنهما، فأبصر كل واحد منهما عورة صاحبه فاستحيا) (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾، قال الليث: (طَفِق بمعنى علق يفعل كذا، وهو يجمع ظل وبات) (٧). وقال الزجاج: (معنى طلق: أخذ في الفعل) (٨).
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٤٣، وذكره ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٢٣١، وقال: (رواه ابن جرير بسند صحيح إليه).
(٣) قال ابن الأثير في "النهاية" ٣/ ١٥٨: (وفي الحديث: "كان لباس آدم عليه السلام الظُّفُر" بتشديد الظاء والضم، أي شيء يشبه الظُّفُر في بياضه وصفائه وكثافته) اهـ. انظر "اللسان" ٥/ ٢٧٥٠ (ظفر).
(٤) الكشط: القلع والنزع والكشف. انظر: "اللسان" ٧/ ٣٨٨٣ (كشط).
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٤٣ بسند ضعيف. وذكره الثعلبي في "الكشف" ١٨٨ ب، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٢٢٠.
(٦) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٦٧، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٢٢٠.
(٧) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٠٠، وفيه: (وهو يجمع معنى ظل وبات) اهـ.
وانظر: "العين" ٥/ ١٠٦، و"الجمهرة" ٢/ ٩١٥، و"الصحاح" ٤/ ١٥١٧، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٤١٣، و"المفردات" ص ٥٢١، و"اللسان" ٥/ ٢٦٨١ (طفق).
(٨) "معاني القرآن" ٢/ ٣٢٧، ونحوه ذكر النحاس في "معانيه" ٣/ ٢٢.

وقال ابن قتيبة ﴿وَطَفِقَا﴾ أي: علقا وأقبلا، يقال: طفِقْت أفعل كذا) (١).
وقوله تعالى: ﴿يَخْصِفَانِ﴾ أي: يطبقان (٢) على أبدانهما الورق. وقال الزجاج: (معنى ﴿يَخْصِفَانِ﴾: يجعلان ورقة على ورقة، ومنه قيل للذي يرقع النعل: خَصَّاف وهو يخصِفُ) (٣) والمِخْصَفُ مِثقَبُ ذلك، ومنه قول الهذلي (٤):
..... رَوْثَةُ أنْفِها كالمِخْصَفِ (٥)
(٢) الخصف، بفتح فسكون: الجمع والضم، وكل ما طورق بعضه على بعض، فقد خُصِف.
انظر: "الجمهرة" ١/ ٦٠٤، و"الصحاح" ٤/ ١٣٥٠، و"المجمل" ٢/ ٢٩٠، و"المفردات" ص ٢٨٤ (خصف).
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٢٧، ونحوه في "مجاز القرآن" ١/ ٢١٢، و"غريب اليزيدي" ص ١٤٤، و"تفسير الغريب" لابن قتيبة ص ١٦٦، و"تفسير الطبري" ٨/ ١٤٢، و"نزهة القلوب" ص ٣١١، و"معاني النحاس" ٣/ ٢٢، و"تفسير المشكل" لمكي ص ٨٤.
(٤) هو عامر بن الحليس الهُذلي أبو كَبير، تقدمت ترجمته.
(٥) "شرح ديوان الهذليين" ٣/ ١٠٨٩، و"تهذيب اللغة" ١/ ١٠٣٩، و"مقاييس اللغة" ٢/ ١٨٦، و"اللسان" ٢/ ١١٧٤ (خصف)، و"الدر المصون" ٥/ ٢٨٣، وهو يصف العقاب وتمامه:
حَتَّى انْتَهَيْتُ إلى فِرَاشِ عَزِيزِةٍ... سَوْدَاءَ.................
وفراش العزيزة يعني: عش العقاب، والروثة: طرف الأنف، المنقار.
والمخصف هو: الذي تخصف به أخفاف الإبل يريد أن منقارها حديد دقيق كأنه مِخْصَفُ.

وقال الليث: (خصف العريان على نفسه إذا أخذ ورقًا عريضًا يخصف بعضه على بعض يستتر به) (١).
وقال الأزهري: (﴿يَخْصِفَانِ﴾ أي: يطابقان بعض الورق على بعض.
كما يخصف طرائق النعل بعضها على بعض) (٢).
ومنه قول العباس يمدح رسول الله - ﷺ -:
...... طِبْتَ في الظّلال وفي... مُسْتَودَع حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ (٣)
يعني: في الجنة حيث خصف آدم وحواء الورق. قال مجاهد: (﴿يَخْصِفَانِ﴾ يرقعان كهيئة الثوب) (٤).
وقال الكلبي: (يخرزان بعضه إلى بعض) (٥).
وقال قتادة: (أقبلا وجعلا يرقعان ويصلان عليهما من ورق الجنة، وهو ورق التين حتى صار كهيئة الثوب) (٦).
(٢) "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٣٩، وقوله: (كما يخصف النعل..) لا يوجد فيه، وانظر: " الزاهر" ١/ ٣٧٦.
(٣) تمامه: (مَنْ قَبْلها طبت..) وهو في "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة ص ٨٨، و"أمالي الزجاجي" ص ٤٤، و"اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ٢٣١، و"تهذيب اللغة" ١/ ١٠٣٩، و"أمالي ابن الشجري" ٣/ ١١٤، و"اللسان" ٢/ ١١٧٤ (خصف)، و"الدر المصون" ٥/ ٢٨٣.
(٤) "تفسير مجاهد" ١/ ٢٣٣، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٤٢، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٥٢ بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٤٠.
(٥) في "تنوير المقباس" ٢/ ٨٥ نحوه.
(٦) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٦٧، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٢٢٠، وأخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٥/ ١٤٥٣ بسند جيد عن قتادة قال: (يوصلان عليهما من ورق الجنة) اهـ.