
(فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ... (٢٢)
* * *
الغرور هو ظن الضار مصلحة، والباطل حقا. ودلاه من التدلية، وهي إلقاء الدلو في البئر، وهي هنا إلقاء النفس في الغرور، والمعاصي، والمعنى دلاهما في المعاصي بالغرور الذي أوجده فيهما، فذاقا الشجرة التي نهاهما عن القرب منها، فلما ذاقاها بدت عوراتهما التي يسوء منظوها، ولما بدت أردا أن يستراها فطفقا، أي أخذا يخصفان أي يقطفان من ورق الجنة ما يستر عوراتهما، وقد بدت لهما، وكانت من قبل مستورة عنهما، وبذلك ظهو لهما بينا ألم المعصية وأثرها، وناداهما ربهما وهما في هذه الحال مذكرا بالنهي، فقال تعالى:
(وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ).
ناداهما نداء منبها قويا قائلا لهما وربهما الذي خلقهما، فسوى، وهو يعرف ما تخفي نفوسهما يلومهما في أمرين:

أولهما - أنه نهاهما ولم ينتهيا وقال لهما: (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) أي لقد نهيتكما عن تلكما الشجرة نهيا مؤكدا، ولكن أكلتما كما قال في آية أخرى: (... وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى).
الأمر الثاني - أنهما أطاعا الشيطان في تغريره، وحسبا أنه ناصح، وقد بين الله تعالى أنه عدو واضح العداوة، ولذا قال: (وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَان لَكُمَا عَدُو مُّبِينٌ) أي لقد قلت مؤكدا القول: إنه عدو واضح العداوة فما كان لكما أن تغترا به، أحس آدم بغرور الشيطان الذي ظهر في أثر العصيان، وأنهما بالعصيان ما صارا ملكين ولا صارا في الخالدين.
فقالا نادمَيْن:
* * *