آيات من القرآن الكريم

وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ

الْآيَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا تَعَلُّقٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَانْقَطَعَ النَّظْمُ، وَحَصَلَ فَسَادُ التَّرْتِيبِ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِكَلَامِ اللَّه تَعَالَى، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ سِوَى هَذَا الْوَجْهِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى كَوْنَ الْقُرْآنِ بَصَائِرَ وَهُدًى وَرَحْمَةً، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ معجزة دالة على صدق محمد عليه الصلاة وَالسَّلَامُ، وَكَوْنُهُ كَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِشَرْطٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ اسْتَمَعُوا لَهُ وَأَنْصَتُوا حَتَّى يَقِفُوا عَلَى فَصَاحَتِهِ، وَيُحِيطُوا بِمَا فِيهِ مِنَ الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُمْ كَوْنُهُ مُعْجِزًا دَالًّا عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَسْتَعِينُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ عَلَى طَلَبِ سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ، وَيَظْهَرُ لَهُمْ صِدْقُ قَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ: أَنَّهُ بَصَائِرُ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَثَبَتَ أَنَّا إِذَا حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اسْتَقَامَ النَّظْمُ وَحَصَلَ التَّرْتِيبُ الْحَسَنُ الْمُفِيدُ، وَلَوْ حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى مَنْعِ الْمَأْمُومِ مِنَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَسَدَ النَّظْمُ وَاخْتَلَّ التَّرْتِيبُ، فَثَبَتَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ/ بِكَوْنِهِ مُعْجِزًا عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِهِ، وَعِنْدَ هَذَا يَسْقُطُ اسْتِدْلَالُ الْخُصُومِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى، وُجُوهٌ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فُصِّلَتْ: ٢٦] فَلَمَّا حَكَى عَنْهُمْ ذَلِكَ نَاسَبَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِاسْتِمَاعِ وَالسُّكُوتِ، حَتَّى يُمْكِنَهُمُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ الْبَالِغَةِ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ: هَذَا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فَحَكَمَ تَعَالَى بِكَوْنِ هَذَا الْقُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ وَالْجَزْمِ.
ثُمَّ قَالَ: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَلَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ: فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ لَمَا قَالَ: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لِأَنَّهُ جَزَمَ تَعَالَى قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ بِكَوْنِ الْقُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ قَطْعًا فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لَعَلَّ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ يَكُونُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ؟ أَمَّا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ:
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا هُمُ الْكَافِرُونَ، صَحَّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لِأَنَّ الْمَعْنَى فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا فَلَعَلَّكُمْ تَطَّلِعُونَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ، فَتُؤْمِنُوا بِالرَّسُولِ فَتَصِيرُوا مَرْحُومِينَ، فَثَبَتَ أَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ حَسُنَ قَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَلَوْ قُلْنَا إِنَّ الْخِطَابَ خِطَابٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَحْسُنْ ذِكْرُ لَفْظِ «لَعَلَّ» فِيهِ.
فَثَبَتَ أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى، وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ اسْتِدْلَالُ الْخَصْمِ بِهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، لِأَنَّا بَيَّنَّا بِالدَّلِيلِ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ مَا يَتَنَاوَلُ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا تَنَاوَلَ الْكُفَّارَ فِي أَوَّلِ زَمَانِ تَبْلِيغِ الوحي والدعوة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠٥]
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: [في أن الْآيَةُ جَارِيَةً مَجْرَى أَمْرِ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى القوم بصوت عال رفيع] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الْأَعْرَافِ: ٢٠٤] اعْلَمْ أَنَّ قَارِئًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِصَوْتٍ عَالٍ حَتَّى يُمْكِنَهُمُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ الْقَارِئَ لَيْسَ إِلَّا الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَارِيَةً مَجْرَى أَمْرِ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى الْقَوْمِ بِصَوْتٍ عَالٍ رَفِيعٍ،

صفحة رقم 441

وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَبْلِيغِ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ/ تَعَالَى أَرْدَفَ ذَلِكَ الْأَمْرَ، بِأَنْ أَمَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنْ يَذْكُرَ رَبَّهُ فِي نَفْسِهِ، وَالْفَائِدَةُ فِيهِ: أَنَّ انْتِفَاعَ الْإِنْسَانِ بِالذِّكْرِ إِنَّمَا يَكْمُلُ إِذَا وَقَعَ الذِّكْرُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، لِأَنَّهُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَالتَّضَرُّعِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ بِالذِّكْرِ مُقَيَّدًا بِقُيُودٍ.
الْقَيْدُ الْأَوَّلُ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ اللَّه فِي نَفْسِهِ كَوْنُهُ عَارِفًا بِمَعَانِي الْأَذْكَارِ الَّتِي يَقُولُهَا بِلِسَانِهِ مُسْتَحْضِرًا لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْعِزِّ وَالْعُلُوِّ وَالْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ إِذَا كَانَ عَارِيًا عَنِ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ كَانَ عَدِيمَ الْفَائِدَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ: بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَلَا يَفْهَمُ مِنْهَا شَيْئًا، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ والشراء، فكذا هاهنا وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَحْكَامٌ:
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ سَمِعْتُ أَنَّ بَعْضَ الْأَكَابِرِ مِنْ أَصْحَابِ الْقُلُوبِ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَ وَاحِدًا مِنَ الْمُرِيدِينَ بِالْخَلْوَةِ وَالذِّكْرِ، أَمَرَهُ بِالْخَلْوَةِ وَالتَّصْفِيَةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عِنْدَ اسْتِكْمَالِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَحُصُولِ التَّصْفِيَةِ التَّامَّةِ، يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءَ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ، وَيَقُولُ لِذَلِكَ الْمُرِيدِ اعْتَبِرْ حَالَ قَلْبِكَ عِنْدَ سَمَاعِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، فَكُلُّ اسْمٍ وَجَدْتَ قَلْبَكَ عِنْدَ سَمَاعِهِ قَوِيَ تَأَثُّرُهُ وَعَظُمَ شَوْقُهُ، فَاعْرِفْ أَنَّ اللَّه إِنَّمَا يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْمُكَاشَفَاتِ عَلَيْكَ بِوَاسِطَةِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذِكْرِ ذَلِكَ الِاسْمِ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا طَرِيقٌ حَسَنٌ لَطِيفٌ فِي هَذَا الْبَابِ.
الْحُكْمُ الثَّانِي قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ كَلَامِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ رَسُولَهُ بِأَنْ يَذْكُرَ رَبَّهُ فِي نَفْسِهِ وَجَبَ الِاعْتِرَافُ بِحُصُولِ الذِّكْرِ النَّفْسَانِيِّ وَلَا مَعْنَى لِكَلَامِ النَّفْسِ إِلَّا ذَلِكَ.
فَإِنْ قَالُوا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الذِّكْرِ النَّفْسَانِيِّ الْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةَ؟
قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَطْلُبَهُ حَالَ حُصُولِهِ أَوْ حَالَ عَدَمِ حُصُولِهِ. وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ. وَالثَّانِي بَاطِلٌ لأن ما لا يكون منصوراً، كَانَ الذِّهْنُ غَافِلًا عَنْهُ وَالْغَافِلُ عَنِ الشَّيْءِ يَمْتَنِعُ كَوْنُهُ طَالِبًا لَهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى تَحْصِيلِ التَّصَوُّرَاتِ، فَامْتَنَعَ وُرُودُ الْأَمْرِ بِهِ، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى وُرُودِ الْأَمْرِ بِالذِّكْرِ النَّفْسَانِيِّ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ النَّفْسَانِيُّ مَعْنًى مُغَايِرًا لِلْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ وَالتَّصَوُّرِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ.
الْحُكْمُ الثَّالِثُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ وَلَمْ يَقُلْ: وَاذْكُرْ إِلَهَكَ وَلَا سَائِرَ الْأَسْمَاءِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِاسْمِ كَوْنِهِ رَبًّا، وَأَضَافَ نَفْسَهُ إِلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نِهَايَةِ الرَّحْمَةِ وَالتَّقْرِيبِ وَالْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ، أَنْ يَصِيرَ الْعَبْدُ فرحاً مبتهجاً عِنْدَ سَمَاعِ هَذَا الِاسْمِ، لِأَنَّ لَفْظَ الرَّبِّ مُشْعِرٌ بِالتَّرْبِيَةِ وَالْفَضْلِ، وَعِنْدَ

صفحة رقم 442

سَمَاعِ هَذَا الِاسْمِ يَتَذَكَّرُ الْعَبْدُ أَقْسَامَ نِعَمِ اللَّه عَلَيْهِ، وَبِالْحَقِيقَةِ لَا يَصِلُ عَقْلُهُ إِلَى أَقَلِّ أَقْسَامِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [إِبْرَاهِيمَ: ٣٤] فَعِنْدَ انْكِشَافِ هَذَا الْمَقَامِ فِي الْقَلْبِ يَقْوَى الرَّجَاءُ، فَإِذَا سَمِعَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: تَضَرُّعاً وَخِيفَةً عَظُمَ الْخَوْفُ، وَحِينَئِذٍ تَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ مُوجِبَاتُ الرَّجَاءِ وَمُوجِبَاتُ الْخَوْفِ، وَعِنْدَهُ يَكْمُلُ الْإِيمَانُ عَلَى مَا
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَوْ وُزِنَ خَوْفُ الْمُؤْمِنِ ورجاؤه لاعتدلا»
إلا أن هنا دَقِيقَةً، وَهِيَ أَنَّ سَمَاعَ لَفْظِ الرَّبِّ يُوجِبُ الرَّجَاءَ وَسَمَاعَ لَفْظِ التَّضَرُّعِ وَالْخِيفَةِ يُوجِبُ الْخَوْفَ، فَلَمَّا وَقَعَ الِابْتِدَاءُ بِمَا يُوجِبُ الرَّجَاءَ، عَلِمْنَا أَنْ جَانِبَ الرَّجَاءِ أَقْوَى.
الْقَيْدُ الثَّانِي: مِنَ الْقُيُودِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الذِّكْرِ حُصُولُ التَّضَرُّعِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: تَضَرُّعاً وَهَذَا الْقَيْدُ مُعْتَبَرٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَالْمَعْقُولُ. أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الْأَنْعَامِ: ٦٣] وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلِأَنَّ كَمَالَ حَالِ الْإِنْسَانِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِانْكِشَافِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عِزَّةُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ، إِنَّمَا يَتِمُّ بِقَوْلِهِ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ الثَّانِي: بِمُشَاهَدَةِ ذِلَّةِ الْعُبُودِيَّةِ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكْمُلُ بِقَوْلِهِ: تَضَرُّعاً فَالِانْتِقَالُ مِنَ الذِّكْرِ إِلَى التَّضَرُّعِ يُشْبِهُ النُّزُولَ مِنَ الْمِعْرَاجِ، وَالِانْتِقَالُ مِنَ التَّضَرُّعِ إِلَى الذِّكْرِ يُشْبِهُ الصُّعُودَ، وَبِهِمَا يَتِمُّ معراج الأرواح القدسية وهاهنا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّه مِنْ لَوَازِمِهَا التَّضَرُّعُ، وَالْخَوْفُ، وَالذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ يَمْتَنِعُ انْفِكَاكُهُ عَنِ التَّضَرُّعِ وَالْخَوْفِ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي اعْتِبَارِ هَذَا التَّضَرُّعِ وَالْخَوْفِ؟ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا يَلْزَمُهَا التَّضَرُّعُ وَالْخَوْفُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَحْكَمَ فِي عَقْلِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُعَاقِبُ أَحَدًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْعِقَابَ إِيذَاءٌ لِلْغَيْرِ، وَلَا فَائِدَةَ لِلْحَقِّ فِيهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُعَذِّبُ فَإِذَا اعْتَقَدَ هَذَا، لَمْ يَكْمُلِ التَّضَرُّعُ وَالْخَوْفُ. فَلِهَذَا السَّبَبِ نَصَّ اللَّه تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْخَوْفَ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: خَوْفُ الْعِقَابِ، وهو مقام المبتدين. وَالثَّانِي: خَوْفُ الْجَلَالِ وَهُوَ مَقَامُ الْمُحَقِّقِينَ، وَهَذَا الْخَوْفُ مُمْتَنِعُ الزَّوَالِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْرَفَ بِجَلَالِ اللَّه كَانَ هَذَا الْخَوْفُ فِي قَلْبِهِ أَكْمَلَ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّ لِأَصْحَابِ الْمُكَاشَفَاتِ مَقَامَيْنِ: مُكَاشَفَةُ الْجَمَالِ، وَمُكَاشَفَةُ/ الْجَلَالِ، فَإِذَا كُوشِفُوا بِالْجَمَالِ عَاشُوا، وَإِذَا كُوشِفُوا بِالْجَلَالِ طَاشُوا، وَلَا بُدَّ فِي مَقَامِ الذِّكْرِ مِنْ رِعَايَةِ الْجَانِبَيْنِ.
الْقَيْدُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: وَخِيفَةً وَفِي قِرَاءَةٍ أخرى وَخِيفَةً وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَصْلُهَا «خِوْفَةً» فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، أَقُولُ هَذَا الْخَوْفُ يَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: خَوْفُ التَّقْصِيرِ فِي الْأَعْمَالِ. وَثَانِيهَا: خَوْفُ الْخَاتِمَةِ. وَالْمُحَقِّقُونَ خَوْفُهُمْ مِنَ السَّابِقَةِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْخَاتِمَةِ مَا سَبَقَ الْحُكْمُ بِهِ فِي الْفَاتِحَةِ، وَلِذَلِكَ
كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: «جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وَثَالِثُهَا: خَوْفُ أَنِّي كَيْفَ أُقَابِلُ نِعْمَةَ اللَّه الَّتِي لَا حَصْرَ لَهَا وَلَا حَدَّ بِطَاعَاتِي النَّاقِصَةِ وَأَذْكَارِي الْقَاصِرَةِ؟ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْوَاسِطِيُّ يَقُولُ: الشُّكْرُ شِرْكٌ، فَسَأَلُونِي عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فَقُلْتُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ واللَّه أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ حَاوَلَ مُقَابَلَةَ وُجُوهِ إِحْسَانِ اللَّه بِشُكْرِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ.
لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: مِنْكَ النِّعْمَةُ وَمِنِّي الشُّكْرُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا شِرْكٌ، فَأَمَّا إِذَا أَتَى بِالشُّكْرِ مَعَ خَوْفِ التَّقْصِيرِ وَمَعَ الِاعْتِرَافِ بِالذُّلِّ وَالْخُضُوعِ، فَهُنَاكَ يُشَمُّ فِيهِ رَائِحَةُ الْعُبُودِيَّةِ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ: وَهُوَ قَوْلُهُ: وَخُفْيَةً فَالْإِخْفَاءُ فِي حَقِّ الْمُبْتَدِينَ يُرَادُ لِصَوْنِ الطَّاعَاتِ عَنْ شَوَائِبِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَفِي حَقِّ الْمُنْتَهِينَ الْمُقَرَّبِينَ مَنْشَؤُهُ الْغَيْرَةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ إِذَا اسْتَكْمَلَتْ أَوْجَبَتِ الْغَيْرَةَ، فَإِذَا كَمُلَ هَذَا التَّوَغُّلُ وَحَصَلَ الْفَنَاءُ، وَقَعَ الذِّكْرُ فِي حِينِ الْإِخْفَاءِ بِنَاءً عَلَى
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ عَرَفَ اللَّه كَلَّ لِسَانُهُ».

صفحة رقم 443

الْقَيْدُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ الذِّكْرُ بِحَيْثُ يَكُونُ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا [الْإِسْرَاءُ: ١١٠] وَقَالَ عَنْ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا [مَرْيَمَ: ٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ: وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ الْمَعْنَى أَنْ يَذْكُرَ رَبَّهُ عَلَى وَجْهٍ يُسْمِعُ نَفْسَهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ حُصُولُ الذِّكْرِ اللِّسَانِيِّ، وَالذِّكْرُ اللِّسَانِيُّ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ، فَإِنَّهُ يَتَأَثَّرُ الْخَيَالُ مِنْ ذَلِكَ الذِّكْرِ، وَتَأَثُّرُ الْخَيَالِ يُوجِبُ قُوَّةً فِي الذِّكْرِ الْقَلْبِيِّ الرُّوحَانِيِّ، وَلَا يَزَالُ يَتَقَوَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ، وَتَنْعَكِسُ أَنْوَارُ هَذِهِ الْأَذْكَارِ مِنْ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَصِيرُ هَذِهِ الِانْعِكَاسَاتُ سَبَبًا لِمَزِيدِ الْقُوَّةِ وَالْجَلَاءِ وَالِانْكِشَافِ وَالتَّرَقِّي مِنْ حَضِيضِ ظُلُمَاتِ عَالَمِ الْأَجْسَامِ إِلَى أَنْوَارِ مُدَبِّرِ النُّورِ وَالظَّلَامِ.
وَالْقَيْدُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وهاهنا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي لَفْظِ «الْغُدُوِّ» قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَصْدَرٌ يُقَالُ غَدَوْتُ أَغْدُو غدواً غدوا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: غُدُوُّها شَهْرٌ [سَبَأٍ: ١٢] / أَيْ غُدُوُّهَا لِلسَّيْرِ، ثُمَّ سُمِّيَ وَقْتُ الْغُدُوِّ غُدُوًّا، كَمَا يُقَالُ: دَنَا الصَّبَاحُ أَيْ وَقْتُهُ، وَدَنَا الْمَسَاءُ أَيْ وَقْتُهُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْغُدُوُّ جَمْعُ غُدْوَةٍ، قَالَ اللَّيْثُ: الْغُدُوُّ جَمْعٌ مثل الغدوات وواحد الغدوات غدوة، وأما الْآصالِ فَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَاحِدُهَا أُصُلٌ وَوَاحِدُ الْأُصُلِ الْأَصِيلُ. قَالَ يُقَالُ جِئْنَاهُمْ مُؤَصِّلِينَ أَيْ عِنْدَ الْآصَالِ، وَيُقَالُ الْأَصِيلُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَصْلِ وَالْيَوْمُ بِلَيْلَتِهِ، إنما يبتدأ بِالشُّرُوعِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَآخَرُ نَهَارِ كُلِّ يَوْمٍ مُتَّصِلٌ بِأَوَّلِ لَيْلِ الْيَوْمِ الثَّانِي، فَسُمِّيَ آخِرُ النَّهَارِ أَصِيلًا، لِكَوْنِهِ مُلَاصِقًا لِمَا هُوَ الْأَصْلُ لِلْيَوْمِ الثَّانِي.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: خُصَّ الْغُدُوُّ وَالْآصَالُ بِهَذَا الذِّكْرِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ عِنْدَ الْغَدْوَةِ انْقَلَبَ الْإِنْسَانُ مِنَ النَّوْمِ الَّذِي هُوَ كَالْمَوْتِ إِلَى الْيَقَظَةِ الَّتِي هِيَ كَالْحَيَاةِ، وَالْعَالَمُ انْقَلَبَ مِنَ الظُّلْمَةِ الَّتِي هِيَ طَبِيعَةٌ عَدَمِيَّةٌ إِلَى النُّورِ الَّذِي هُوَ طَبِيعَةٌ وُجُودِيَّةٌ. وَأَمَّا عِنْدَ الْآصَالِ فَالْأَمْرُ بِالضِّدِّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْقَلِبُ فِيهِ مِنَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَوْتِ، وَالْعَالَمُ يَنْقَلِبُ فِيهِ مِنَ النُّورِ الْخَالِصِ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَالِصَةِ، وَفِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ يَحْصُلُ هَذَانِ النَّوْعَانِ مِنَ التَّغْيِيرِ الْعَجِيبِ الْقَوِيِّ الْقَاهِرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّغْيِيرِ إِلَّا الْإِلَهُ الْمَوْصُوفُ بِالْحِكْمَةِ الْبَاهِرَةِ وَالْقُدْرَةِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ، فَلِهَذِهِ الْحِكْمَةِ الْعَجِيبَةِ خَصَّ اللَّه تَعَالَى هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ بِالْأَمْرِ بِالذِّكْرِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: ذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَالْمُرَادُ مُدَاوَمَةُ الذِّكْرِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ [الْأَعْرَافِ: ١٩١] لَوْ حَصَلَ لِابْنِ آدَمَ حَالَةٌ رَابِعَةٌ سِوَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَأَمَرَ اللَّه بِالذِّكْرِ عِنْدَهَا وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالذِّكْرِ عَلَى الدَّوَامِ.
وَالْقَيْدُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ وَالْمَعْنَى أَنَّ قَوْلَهُ: بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ حَاصِلًا فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَقَوْلُهُ: وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ الْقَلْبِيَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَائِمًا، وَأَنْ لَا يَغْفُلَ الْإِنْسَانُ لَحْظَةً وَاحِدَةً عَنِ اسْتِحْضَارِ جَلَالِ اللَّه وَكِبْرِيَائِهِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَالْقُوَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ، أَنَّ بَيْنَ الرُّوحِ وَبَيْنَ الْبَدَنِ عَلَاقَةً عَجِيبَةً، لِأَنَّ كُلَّ أَثَرٍ حَصَلَ فِي جَوْهَرِ الرُّوحِ نَزَلَ مِنْهُ أَثَرٌ إِلَى الْبَدَنِ، وَكُلُّ حَالَةٍ حَصَلَتْ فِي الْبَدَنِ صَعَدَتْ مِنْهَا نَتَائِجُ إِلَى الرُّوحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَخَيَّلَ الشَّيْءَ الْحَامِضَ ضَرِسَ سِنُّهُ، وَإِذَا تَخَيَّلَ حَالَةً مَكْرُوهَةً وَغَضِبَ سَخِنَ بَدَنُهُ، فَهَذِهِ آثَارٌ تَنْزِلُ مِنَ الرُّوحِ إِلَى الْبَدَنِ، وَأَيْضًا

صفحة رقم 444
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية