آيات من القرآن الكريم

وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﲿ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى موقف المستهزئين من دعوة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذكر هنا طرفاً من عنادهم واستهزائهم بسؤالهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن وقت قيام الساعة، ثم ذكر الحجج والبراهين على بطلان عقيدة المشركين في عبادة الأوثان والأصنام، وختم السورة الكريمة ببيان عظمة شأن القرآن ووجوب الاستماع والإِنصات عند تلاوته.
اللغَة: ﴿مُرْسَاهَا﴾ استقرارها وحصولها من أرساه إذا أثبته وأقره ومنه رست السفينة إذا ثبتت ووقفت ﴿يُجَلِّيهَا﴾ يظهرها: والتجلية: الكشفُ والإِظهار ﴿حَفِيٌّ﴾ الحفيُّ: المستقصي للشيء المعتني بأمره قال الأعشى:

صفحة رقم 450

فإن تسألي عنّي فيا ربَّ سائلٍ حفيٍّ عن الأعشى به حيث أصْعَدا
والإِحفاء الاستقصاء ومنه إحفاء الشوارب وحفي عن الشيء إذا بحث للتعرف عن حاله ﴿العرف﴾ المعروف وهو كل خصلة حميدة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس ﴿الآصال﴾ جمع أصيل قال الجوهري: والأصيل الوقت بعد العصر إلى المغرب.
سَبَبُ النّزول: روي أن المشركين قالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إن كنتَ نبياً فأخبرنا عن الساعة متى تقوم؟ فأنزل الله ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾.
التفسِير: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة﴾ أي يسألونك يا محمد عن القيامة ﴿أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ أي متى وقوعها وحدوثها؟ وسميت القيامة ساعة لسرعة ما فيها من الحساب كقوله ﴿وَمَآ أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ [النحل: ٧٧] ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ أي قل لهم يا محمد لا يعلم الوقت الذي يحصل قيام القيامة فيه إلا الله سبحانه ثم أكَّد ذلك بقوله ﴿لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا يكشف أمرها ولا يظهرها للناس إلا الرب سبحانه بالذات هو العالم بوقتها ﴿ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض﴾ أي عظًمت على أهل السماوات والأرض حيث يشفقون منها ويخافون شدائدها وأهوالها ﴿لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ أي يسألونك يا محمد عن وقتها كأنك كثير السؤال عنها شديد الطلب لمعرفتها ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله﴾ أي لا يعلم وقتها إلا الله لأنها من الأمور الغيبية التي استأثر بها علاّم الغيوب ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي لا يعلمون السبب الذي لأجله أُخفْيتْ قال الإِمام الفخر: والحكمة في إخفاء الساعة عن العباد أنهم إذا لم يعلموا متى تكون كانوا على حذرٍ منها فيكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾ أي لا أملك أن أجلب إلى نفسي خيراً ولا أدفع عنها شراً إلا بمشيئته تعالى فكيف أملك علم الساعة؟ ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير﴾ أي لو كنت أعرف أمور الغيب لحصّلت كثيراً من منافع الدنيا وخيراتها ودفعت عني آفاتها ومضراتها ﴿وَمَا مَسَّنِيَ السواء﴾ أي لو كنت أعلم الغيب لاحترست من السوء ولكنْ لا أعلمه فلهذا يصيبني ما قُدَّر لي من الخير والشر ﴿إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ أي ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لقوم يصدقون بما جئتهم به من عند الله ﴿هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي هو سبحانه ذلك العظيم الشأن الذي خلقكم جميعاً وحده من غير معين من نفسٍ واحدة هي آدم عليه السلام ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ أي وخلق منها حواء ﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ أي ليطمئن إليها ويستأنس بها ﴿فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً﴾ أي فلما جامعها حملت بالجنين حملاً خفيفاً دون إزعاج لكونه نطفةً في بادئ الأمر قال أبو السعود: فإنه عند كونه نطفة أو علقة أخف عليها بالنسبة إلى ما بعد ذلك من المراتب، والتعرضُ لذكر خفته للإِشارة إلى

صفحة رقم 451

نعمته تعالى عليهم في إنشائه إياهم متدرجين في أطوار الخلق من العدم إلى الوجود، ومن الضعف إلى القوة ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ أي استمرت به إلى حين ميلاده ﴿فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ﴾ أي ثقل حملها وصارت به ثقيلة لكبر الحمل في بطنها ﴿دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا﴾ أي دعوا الله مربيهما ومالك أمرهما ﴿لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين﴾ أي لئن رزقتنا ولداً صالحاً سويَّ الخِلْقة لنشكرنَّك على نعمائك ﴿فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً﴾ أي فلما وهبهما الولد الصالح السويّ ﴿جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا﴾ أي جعل هؤلاء الأولاد والذرية شركاء مع الله فعبدوا الأوثان والأصنام ﴿فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي تنزّه وتقدّس الله عما ينسبه إليه المشركون ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً﴾ الاستفهام للتوبيخ أي أيشركون مع الله ما لا يقدر على خلق شيء أصلاً ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ أي والحال أن تلك الأوثان والآلهة مخلوقة فكيف يعبدونها مع الله؟ قال القرطبي: وجمع الضمير بالواو والنون لأنهم اعتقدوا أن الأصنام تضر وتنفع فأجريت مجرى الناس ﴿وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً﴾ أي لا يستطيع هذه الأصنام نصر عابديها ﴿وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ﴾ أي ولا ينصرون أنفسهم ممن أرادهم بسوء، فهم في غاية العجز والذلة فكيف يكونون آلهة؟ ﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ﴾ أي أن الأصنام لا تجيب إذا دعيت إلى خير أو رشاد لأنها جمادات ﴿سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامتون﴾ أي يتساوى في عدم الإِفادة دعاؤكم لهم وسكوتكم قال ابن كثير: يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها، وسواء لديها من دعاها ومن دحاها كما قال إبراهيم
﴿ياأبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً﴾ [مريم: ٤٢] ﴿إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ أي إن الذين تعبدونهم من دونه تعالى من الأصنام وتسمونهم آلهة مخلوقون مثلكم بل الأناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش وتلك لا تفعل شيئاص من ذلك فلهذا قال ﴿فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أمرٌ على جهة التعجيز والتبكيت أي أدعوهم في جلب نفع أو دفع ضرٍّ إن كنتم صادقين في دعوى أنها آلهة {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ

صفحة رقم 452

يَمْشُونَ بِهَآ} توبيخ إثر توبيخ وكذلك ما عبده من الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي هل لهذه الأصنام ﴿أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ﴾ أي أم هل لهم أيدٍ تفتك وتبطش بمن أرادها بسوء؟ ﴿أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ﴾ أي أم هل لهم أعينٌ تبصر بها الأشياء؟ ﴿أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ أي أم هل لهم أذان تسمع بها الأصوات؟ والغرض بيان جهلهم وتسفيه عقولهم في عبادة جمادات لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عن عابدها شيئاً لأنها فقدت الحواس وفاقد الشيء لا يعطيه، والإِنسان أفضل بكثير من هذه الأصنام لوجود العقل والحواس فيه فكيف يليق بالأكمل الأشرف أن يشتغل بعبادة الأخسّ الأدون الذي لا يحسُّ منه فائدة أبداً لا في جلب منفعة ولا في دفع مضرّة؟! ﴿قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ﴾ أي قل لهم يا محمد أدعوا أصنامكم واستنصروا واستعينوا بها عليَّ ﴿ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ﴾ أي ابذلوا جهدكم أنتم وهم في الكيد لي وإلحاق الأذى والمضرة بي ولا تمهلون طرفة عين، فإني لا أبالي بكم لاعتمادي على الله قال الحسن: خوفوا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بآلهتهم فأمره تعالى أن يجابههم بذلك ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ الله الذي نَزَّلَ الكتاب﴾ أي إنَّ الذي يتولى نصري وحفظي هو الله الذي نزَّل عليَّ القرآن ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين﴾ أي هو جل وعلا يتولى عباده الصالحين بالحفظ والتأييد، وهو وليهم في الدنيا والآخرة ﴿والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ ولا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ كرّره ليبيّن أن ما يعبدونه لا نفع ولا يضر ﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَسْمَعُواْ﴾ أي وإن تدعوا هذه الأصنام إلى الهداية والرشاد لا يسمعوا دعاءكم فضلاً عن المساعدة والإِمداد ﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ أي وتراهم يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد لا تبصر لأن لهم صورة الأعين وهم لا يرون بها شيئاً ﴿خُذِ العفو﴾ أمرٌ له عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ بمكارم الأخلاق أي خذ بالسهل اليسير في معاملة الناس ومعاشرتهم قال ابن كثير: وهذا أشهر الأقوال ويشهد له قول جبريل للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
«إن الله يأمركَ أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك» ﴿وَأْمُرْ بالعرف﴾ أي بالمعروف والجميل المستحسن من الأقوال والأفعال ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين﴾ أي لا تقابل السفهاء بمثل سفههم بل احلم عليهم قال القرطبي: وهذا وإن كان خطاباً لنبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فهو تأديبٌ لجميع خلقه ﴿وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ﴾ أي وإِمّا يصيبنَّك يا محمد طائف من الشيطان بالوسوسة والتشكيك في الحق ﴿فاستعذ بالله﴾ أي فاستجر بالله والجأ إليه في دفعه عنك ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي سميعٌ لما تقول عليهمٌ بما تفعل ﴿إِنَّ الذين اتقوا﴾ أي الذين اتصفوا بتقوى الله ﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان﴾ أي إذا أصابهم الشيطان بوسوسته وحام حولهم بهواجسه ﴿تَذَكَّرُواْ﴾ أي تذكروا عقاب الله وثوابه ﴿فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ أي يبصرون الحق بنور البصيرة ويتخلصون من وساوس الشيطان ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي﴾ أي إخوان الشياطين الذين لم يتقوا الله وهم الكفرة الفجرة فإن

صفحة رقم 453

الشياطين تغويهم وتزين لهم سبل الضلال ﴿ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ﴾ أي لا يُمْسكون ولا يكفّون عن إغوائهم ﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ﴾ أي وإذا لم تأتهم بمعجزةٍ كما اقترحوا ﴿قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها﴾ أي هلاّ اختلقتها يا محمد واخترعته من عند نفسك؟! وهو تهكمٌ منهم لعنهم الله ﴿قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يوحى إِلَيَّ مِن رَّبِّي﴾ أي قل لهم يا محمد ليس الأمر إليَّ حتى آتي بشيءٍ من عند نفسي وإنما أنا عبدٌ امتثل ما يوحيه الله إليَّ ﴿هذا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ﴾ أي هذا القرآن الجليل حججٌ بيّنة، وبراهين نيّرة يغني عن غيره من المعجزات فهو بمنزلة البصائر للقلوب به يُبْصر الحق ويُدرك ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي وهداية ورحمة للمؤمنين لأنهم المقتبسون من أنواره والمنتفعون من أحكامه ﴿وَإِذَا قُرِىءَ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ﴾ أي وإذا تليت آيات القرآن فاستمعوها بتدبر واسكتوا عند تلاوته إعظاماً للقرآن وإجلالاً ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي لكي تفوزوا بالرحمة ﴿واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ أي واذكر ربك سراً مستحضراً لعظمته وجلاله ﴿تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾ أي متضرعاً إليه وخائفاً منه ﴿وَدُونَ الجهر مِنَ القول﴾ أي وسطاً بين الجهر والسرّ ﴿بالغدو والآصال﴾ أي في الصباح والعشيّ ﴿وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين﴾ أي ولا تغفلُ عن ذكر الله ﴿إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ﴾ أي الملائكة الأطهار ﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ أي لا يتكبرون عن عبادة ربهم ﴿وَيُسَبِّحُونَهُ﴾ أي ينزهونه عما لا يليق به ﴿وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ أي لا يسجدون إلا لله.
البَلاَغَة: ١ - ﴿كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ التشبيه مرسل مجمل لذكر أداة التشبيه وحذف وجه الشبه.
٢ - ﴿فَلَماَّ تَغَشَّاهَا﴾ التغشي هنا كناية عن الجماع وهو من الكنايات اللطيفة.

٣ - ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ ﴾ الخ هذا الأسلوب يسمى «الإِطناب» وفائدته زيادة التقريع والتوبيخ.
٤ - ﴿يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ﴾ شبّه وسوسة الشيطان وإغراءه الناس على المعاصي بالنزغ وهو إِدخال الإِبرة وما شابهها في الجلد ففيه استعارة لطيفة.
٥ - ﴿هذا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ﴾ فيه تشبيه وأصله هذا كالبصائر، حُذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فهو بليغ ويرى بعض العلماء أنه من قبيل المجاز المرسل حيث أطلق المسبّب على السبب لأن القرآن لما كان سبباً لتنوير العقول أطلق عليه لفظ البصيرة.
لطيفَة: حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سوَّل لك الخطايا؟ قال: أجاهده قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده، قال إن هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور ماذا تصنع؟ قال: أكابده وأرده جهدي قال: هذا يطول عليك ولكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك، فهذه فائدة الإستعاذة.

صفحة رقم 454
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية