
قوله تعالى: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي﴾ : في هذه الآيةِ أوجهٌ، أحدها: أن الضميرَ في «إخوانهم» يعود على الشياطين لدلالةِ لفظ الشيطان عليهم، أو على الشيطان نفسه لأنه لا يُراد به الواحدُ بل الجنس. والضمير المنصوب في «يَمُدُّونهم» يعود على الكفار، والمرفوع يعود على الشياطين أو الشيطان كما تقدَّم. والتقدير: وإخوان الشياطين يَمُدُّهم الشياطين، وعلى هذا الوجه فالخبرُ جارٍ على غير مَنْ هو له في المعنى، ألا ترى أن الإِمداد مسند إلى الشياطين في المعنى، وهو في اللفظ خبر عن «إخوانهم»، ومثله:
٢٣٧٤ - قوم إذا الخيلُ جالُوا في كواثبها | .............. |
الثاني: أن المرادَ بالإِخوان الشياطين، وبالضمير المضافِ إليه الجاهلون أو غيرُ المتَّقين؛ لأن الشيء يَدُلُّ على مقابله. والواو تعود على الإِخوان، والضميرُ المنصوب يعود على الجاهلين أو غير المتقين، والمعنى: والشياطين الذين هم إخوانُ الجاهلين أو غير المتقين يَمُدُّون الجاهلين أو غير المتقين في الغَيِّ، والخبرُ في هذا الوجه جارٍ على مَنْ هوله لفظاً ومعنى وهذا تفسير قتادة. صفحة رقم 548

الثالث: أن يعودَ الضمير المجرور والمنصوب على الشياطين، والمرفوع على الإِخوان وهم الكفار. قال ابن عطية: «ويكون المعنى: وإخوان الشياطين في الغيِّ بخلافِ الإِخوة في الله يَمُدُّون [الشياطين]، أي: بطاعتهم لهم وقبولهم منهم، ولا يترتَّب هذا التأويل على أن يتعلق في الغيّ بالإِمداد: لأن الإِنس لا يُغْوون الشياطين». قلت: يعني يكون في «الغيّ» حالاً من المبتدأ أي: وإخوانهم حال كونهم مستقرين في الغيّ، وفي مجيء الحال من المبتدأ خلاف، والأحسن أن يتعلق بما تضمَّنه إخوانهم من معنى المؤاخاة والأخوة، وسيأتي فيه بحث للشيخ.
قال الشيخ: «ويمكن أن يتعلَّق» في الغيّ «على هذا التأويل ب» يمدُّونهم «على جهة السببيّة، أي: يمدُّونهم بسبب غوايتهم نحو:» دخلت امرأة النار في هرة «، أي: بسبب هرةٍ»، ويُحتمل أن يكون «في الغيّ» حالاً فيتعلَّق بمحذوف، أي: كائنين في الغيّ، فيكون «في الغيّ» في موضعه، ولا يتعلَّق بإخوانهم، وقد جَوَّز ذلك ابن عطية. وعندي في ذلك نظرٌ، فلو قلت: «مُطْعِمُك زيدٌ لحماً» تريد: مطعمك لحماً زيدٌ، فتفصل بين المبتدأ ومعموله بالخبر لكان في جوازه نظر؛ لأنك فَصَلْتَ بين العامل والمعمول بأجنبي لهما معاً، وإن كان ليس أجنبياً لأحدهما وهو المبتدأ «.
قلت: ولا يظهر منعُ هذا البتةَ لعدم أجنبيَّته.
وقرأ نافع: «يُمِدونهم» بضم الياء وكسر الميم مِنْ أمدَّ، والباقون بفتح

الياء وضم الميم مِنْ مدَّ، وقد تقدَّم الكلام على هذه المادة، وهل هما بمعنى واحد أم بينهما فرق في أوائل هذا الموضوع. وقرأ الجحدري «يُمادُّونهم» مِنْ مادَّهُ بزنة فاعَلَه.
وقرأ العامة «يُقْصِرُون» مِنْ أَقْصَرَ، قال الشاعر:
٢٣٧٥ - لعَمْرك ما قلبي إلى أهله بحُرّْ | ولا مُقْصِرٍ يوماً فيأتيني بقُرّْ |
٢٣٧٦ - سما لك شوقٌ بعدما كان أَقْصَرا | وحَلَّتْ سُلَيْمى بَطْنَ قَوٍّ فعَرْعرا |
وقوله ﴿فِي الغي﴾ : قد تقدَّم أنه يجوزُ أن يكون متعلقاً بالفعل، أو بإخوانهم، أو بمحذوف على أنه حال: إمَّا من إخوانهم، وإمَّا مِنْ واو «يمدُّونهم»، وإمَّا مِنْ مفعوله. صفحة رقم 550