آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا ۖ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ

الأصنام، فابن جرير- الذي هو أشدهم عناية بتقرير كل ما كان يعدّ شكلا والجواب عنه- لم يورده في الآية، وفسر العباد بالأملاك، وأما من بعده من المفسرين فقد أوردوا ذلك وأجابوا عنه بجوابين نقلهما الرازي.
عبارة الرّازيّ:
أحدها: أن المشركين لما ادّعوا أنها تضر وتنفع وجب أن يعقتدوا فيها كونها عاقلة فاهمة، فلا جرم وردت هذه الآية على وفق معتقداتهم، ولذلك قال: «فادعوهم فليستجيبوا لكم»، وقال:
إن الذين ولم يقل «التي».
والجواب الثاني أن هذا لغو ورد في معرض الاستهزاء بهم، أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء، فإذا ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم، ولا فضل لهم عليكم، فلم جعلتم أنفسكم عبيدا؟ وجعلتموهم آلهة وأربابا.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٩٦ الى ٢٠٠]
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)

صفحة رقم 514

اللغة:
(وَلِيِّيَ) : ناصري ومتولي أموري.
(الْعَفْوَ) : اليسر وضدّ الجهد. أي: خذ ما عفا لك من أخلاق الناس وأفعالهم، وما أتى منهم، وتسهّل من غير تكلف ولا إعنات، ولا تحرجهم وتشق عليهم، وقال النبي ﷺ في هذا المعنى: «يسّروا ولا تعسّروا». وقال:

خذي العفو مني تستديمي مودّتي ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
(العرف) : بضم العين: المعروف وكل جميل من الأفعال، قال الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازية لا يذهب العرف بين الله والناس (النزغ) : النخس والغرز، شبه وسوسة الشيطان بغرز السائق لما يسوقه.
الإعراب:
(إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) إن واسمها وخبرها، والذي

صفحة رقم 515

صفة لله، وجملة نزل الكتاب صلة الموصول (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) الواو حالية أو عاطفة، وهو مبتدأ، وجملة يتولى الصالحين خبر (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) عطف على ما تقدم، وقد مرّ إعرابه آنفا، وأنفسهم مفعول به مقدم لينصرون (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) عطف أيضا، وإن الشرطية وفعلها وجوابها (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) الواو استئنافية، وتراهم فعل مضارع، وفاعله مستتر تقديره أنت، والهاء مفعول به، وجملة ينظرون إليك حالية، والواو للحال، وهم مبتدأ، وجملة لا يبصرون خبر، وجملة وهم لا يبصرون حال أيضا (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) خذ فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره أنت، والعفو مفعول به، وفعلا الأمر الآخران عطف عليه (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الواو عاطفة وإن شرطية، أدغمت نونها بما الزائدة، وينزغنك فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وهو في محل جزم فعل الشرط. ومن الشيطان جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، لأنه في الأصل كان صفة ل «نزغ»، ونزغ فاعل، فاستعذ: الفاء رابطة لجواب الشرط، لأن الجواب بعدها طلبي، واستعذ فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره أنت، وبالله جار ومجرور متعلقان باستعذ، وإن واسمها، وخبرها، وجملة إن وما في حيزها للتعليل والاستئناف.
البلاغة:
أعجب العرب كثيرا بقوله تعالى: «خذ العفو» الى آخر الآية، لما فيها من سهولة سبك، وعذوبة لفظ، وسلامة تأليف، مع ما تضمنته من إشارات بعيدة، ورموز لا تتناهى، وأطلقوا على هذا النوع من

صفحة رقم 516

الأساليب اسم فنّ يقال له «الانسجام»، وهو أن يكون الكلام متحدّرا كتحدّر الماء المنسجم، حتى يكون للجملة من المنثور وللبيت من المنظوم وقع في النفوس، وتأثير في القلوب، ما ليس لغيره.
نماذج شعرية من الانسجام:
ومن النماذج الشعرية لهذا الفنّ التي خلت من البديع، إلا أن يأتي ضمن السهولة، من غير قصد، كقول بعضهم، وينسب الى ديك الجنّ الشاعر الحمصي:
يا بديع الدّلّ والغنج... لك سلطان على المهج
إنّ بيتا أنت ساكنه... غير محتاج إلى السّرج
وجهك المأمول حجّتنا... يوم تأتي الناس بالحجج
ولبهاء الدين زهير:
لحاظك أمضى من المرهف... وريقك أشهى من القرقف
ومن سيف لحظك لا أتّقي... ومن خمر ريقك لا أكتفي
أقاسي المنون لنيل المنى... ويا ليت هذا بهذا يفي
زها ورد خدّيك لكنه... بغير النواظر لم يقطف
وقد زعموا أنه مضعف... وما علموا أنه مضعفي
ومما يستحق أن يغنى به قول صفيّ الدين، وقد بلغ غاية الانسجام:

صفحة رقم 517

قالت: كحلت الجفون بالوسن... قلت: ارتقابا لطيفك الحسن
قالت: تسلّيت بعد فرقتنا... قلت: عن مسكني وعن سكني
قالت: تشاغلت عن محبتنا... قلت: بفرط البكاء والحزن
قالت: تخلّيت، قلت عن جلدي... قالت: تغيّرت، قلت: في بدني
قالت: أذعت الأسرار، قلت لها:... صيّر سري هواك كالعلن
قالت: فماذا تروم؟ قلت لها:... ساعة سعد بالوصال تسعفني
قالت: وعين الرقيب ترقبنا... قلت: فإنّي للعين لم أبن
أنحلتني بالبعاد عنك فلو... ترصّدتني العيون لم ترني
ونختم هذه المختارة بالحكاية الآتية: قيل: إن بعض الأدباء اجتاز

صفحة رقم 518
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية