آيات من القرآن الكريم

أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

وأنصار، أو رجل به جنون؛ لأنهم كانوا يقتلون من يخالفهم في شيء من الأمر، فلما رأوا رسول اللَّه خالفهم واستقبلهم بما يكرهون، ولم يروا ماله أنصارًا ولا أعوانًا ظنوا أنه لا يخالفهم إلا بجنون فيه، فنسبوه إلى الجنون لذلك، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن تكون نسبتهم إياه إلى الجنون لما حرم عايهم عبادة الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها، وهم قد رأوا العقلاء منهم قد عبدوا الأصنام ولم يحرموا ذلك، فلما حرم ذلك عليهم ظنوا أنه إنما حرم ذلك لآفة، لذلك حملهم بالنسبة إلى الجنون، واللَّه أعلم.
ثم عاتبهم بتركهم التفكر فيه بقوله: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ)؛ ليتبين لهم أنه ليس به جنون، وذلك يحتمل وجهين:
أنهم لو تفكروا في رسول اللَّه بما أخبرهم من المرغوب والمرهوب والمحذور في كتابهم على غير لسانهم، واختلاف منه إلى أحد منهم، ولا تعلم - لعلموا أنه رسول، وأن ما أخبر إنما أخبر باللَّه. أو أن يكون قوله: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ)، أي: قد تفكروا فيه وعرفوا أن ليس به جنون؛ وكذلك في قوله: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.....) الآية، أي: قد تفكروا في ذلك، وعرفوا أن مثل هذا لم يخلق عبثًا باطلًا؛ كما يقال: أولم تفعل كذا، أي: قد فعلت، لكنهم عاندوا وكابروا آياته وحججه.
وأمكن أن يكون قوله: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) أي: في أنفسهم، وفي أُولَئِكَ الذين عبدوا من الأصنام والأوثان؛ ليظهر لهم أنهم على باطل وسفه، وفي نبين لهم أن الحق هو ما يدعوهم إليه مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لا ما كانوا هم عليه.
وفيه دلالة أن الحق يلزم وإن كان لا يعلم ذلك إلا بالتنكر والتدبر؛ لما لحق هَؤُلَاءِ من الوعيد الشديد والعقاب العظيم لما تركوا هم التفكر، وكان لهم سبيل الوصول إلى معرفة ذلك.
وقوله: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ) أنه ليس به جنة:! هذا جواب من اللَّه.
ويحتمل: لو تفكروا في صاحبهم، لعرفوا أنه ليس به جنة.
ثم أخبر أنه نذير مبين، ليس كما يقولون: إنه مجنون؛ إذ معه آيات وبراهين، فهو نذير مبين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... (١٨٥)
يحتمل هذا على الابتداء.

صفحة رقم 103

ويحتمل على الصلة بالأول، وهو أنهم إذا تفكروا في ملكوت السماوات والأرض، عرفوا ألوهية اللَّه وربوبيته؛ لما يرون من اتصال منافع بعض ببعض على بعد ما بينهما، واتساق التدبير في ذلك، فعرفوا أن ذلك كله مسخر لمن له التمييز، وأن المقصود في خلقه أهل التمييز، فإذا عرفوا ذلك عرفوا أنهم يحتاجون إلى من يعرفهم ذلك، ويعلمهم ما يحتاجون في ذلك.
ويحتمل على ابتداء الأمر بالتفكر في ملكوت السماوات والأرض (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ)؛ ليدلهم على وحدانية اللَّه، وربوبيته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ).
كأن هذا نزل فيمن عرف صدقه، لكنه عاند في تكذيبه، فقال: (وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) يحذرهم؛ ليرجعوا إلى تصديقه، مخافة الخروج من الدنيا على ما هم عليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).
هذا يتوجه وجهين:
أحدهما: أنكم ممن تقبلون الأخبار والحديث، فإذا لم تقبلوا حديث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وخبره ولم تصدقوه، فبأي حديث بعده تقبلون وتصدقون، ومعه حجج وبراهين؟ والله أعلم.
والثاني: أن يكون قوله: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) يعني، بعد القرآن يؤمنون، وهو كما وصفه: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ...) الآية، وقال: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ)، فإذا لم تقبلوا هذا ولم تصدقوه وهو بالوصف الذي ذكر، وأنتم ممن تقبلون الحديث، فبأي حديث بعده تقبلون.
وجائز أن يكون قوله: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) يريد به في الآخرة؛ يقول: إذا اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون، أي: لا حديث بعده يؤمنون به، والتأويل الآخر في الدنيا.

صفحة رقم 104
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية