آيات من القرآن الكريم

وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ
[البقرة: ١٥] وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران: ٥٤] ونحو ذلك هل يطلق منها اسم الفاعل؟
فقالت فرقة: لا يطلق ذلك بوجه، وجوزت فرقة أن يقال ذلك مقيدا بسببه فيقال: الله مستهزىء بالكافرين وماكر بالذين يمكرون بالدين، وأما إطلاق ذلك دون تقييد فممنوع إجماعا، والقول الأول أقوى ولا ضرورة تدفع إلى القول الثاني لأن صيغة الفعل الواردة في كتاب الله تغني، ومن أسماء الله تعالى ما ورد في القرآن ومنها ما ورد في الحديث وتواتر، وهذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه، وقد ورد في الترمذي حديث عن أبي هريرة ونص فيه تسعة وتسعين اسما، وفي بعضها شذوذ وذلك الحديث ليس بالمتواتر وإنما المتواتر منه قول النبي ﷺ «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة»، ومعنى أحصاها عدها وحفظها وتضمن ذلك الإيمان بها والتعظيم لها والرغبة فيها والعبرة في معانيها، وهذا حديث البخاري، والمتحصل منه أن لله تعالى هذه الأسماء مباحا إطلاقها وورد في بعض دعاء النبي ﷺ «يا حنان يا منان» ولم يقع هذان الاسمان في تسمية الترمذي.
وقوله: فَادْعُوهُ بِها إباحة بإطلاقها، وقوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ قال ابن زيد: معناه اتركوهم ولا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم، فالآية على هذا منسوخة بالقتال، وقيل معناه الوعيد كقوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [المدثر: ١١] وقوله: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا [الحجر: ٣] ويقال ألحد ولحد بمعنى جار ومال وانحرف، وألحد أشهر، ومنه قول الشاعر: [الرجز] ليس الإمام بالشحيح الملحد قال أبو علي: ولا يكاد يسمع لأحد وفي القرآن وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ [الحج: ٢٥] ومنه لحد القبر المائل إلى أحد شقيه، وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «يلحدون» بضم الياء وكسر الحاء، وكذلك في النحل والسجدة، وقرأ حمزة الأحرف الثلاثة «يلحدون» بفتح الياء والحاء، وكذلك ابن وثاب وطلحة وعيسى والأعمش، ومعنى الإلحاد في أسماء الله عز وجل أن يسموا اللات نظيرا إلى اسم الله تعالى قاله ابن عباس، والعزى نظيرا إلى العزيز، قاله مجاهد، ويسمون الله ربا ويسمون أوثانهم أربابا ونحو هذا، وقوله: سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وعيد محض بعذاب الآخرة، وذهب الكسائي إلى الفرق بين ألحد ولحد وزعم أن ألحد بمعنى مال وانحرف ولحد بمعنى ركن وانضوى، قال الطبري: وكان الكسائي يقرأ جميع ما في القرآن بضم الياء وكسر الحاء إلا التي في النحل فإنه كان يقرؤها بفتح الياء والحاء ويزعم أنها بمعنى الركون وكذلك ذكر عنه أبو علي.
قوله عز وجل:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨١ الى ١٨٥]
وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥)

صفحة رقم 481

هذه آية تتضمن الخبر عن قوم مخالفين لمن تقدم ذكرهم في أنهم أهل إيمان واستقامة وهداية، وظاهر لفظ هذه الآية يقتضي كل مؤمن كان من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، قال النحاس: فلا تخلو الدنيا في وقت من الأوقات من داع يدعو إلى الحق.
قال القاضي أبو محمد: سواء بعد صوته أو كان خاملا، وروي عن كثير من المفسرين أنها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي في ذلك حديث رسول الله ﷺ قال: هذه الآية لكم، وقد تقدم مثلها لقوم موسى.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الآية وعيد، والإشارة إلى الكفار وسَنَسْتَدْرِجُهُمْ معناه سنسوقهم شيئا بعد شيء ودرجة بعد درجة بالنعم عليهم والإمهال لهم حتى يغتروا ويظنوا أنهم لا ينالهم عقاب، وقوله: مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ معناه من حيث لا يعلمون أنه استدراج لهم، وهذه عقوبة من الله على التكذيب بالآيات، لما حتم عليهم بالعذاب أملى لهم ليزدادوا إثما وقرأ ابن وثاب والنخعي «سيستدرجهم» بالياء.
وقوله: أُمْلِي معناه أؤخر ملاءة من الدهر أي مدة وفيها ثلاث لغات فتح الميم وضمها وكسرها، وقرأ عبد الحميد عن ابن عامر «أن كيدي» على معنى لأجل أن كيدي، وقرأ جمهور الناس وسائر السبعة «إن كيدي» على القطع والاستئناف، ومَتِينٌ معناه قوي، قال الشاعر: [الطويل]

لإلّ علينا واجب لا نضيعه متين قواه غير منتكث الحبل
وروى ابن إسحاق في هذا البيت أمين قواه، وهو من المتن الذي يحمل عليه لقوته، ومنه قول الشاعر وهو امرؤ القيس: [المتقارب]
لها متنتان حظاتا كما أكبّ على ساعديه النمر
وهما جنبتا الظهر، ومنه قول الآخر:
عدلي عدول اليأس وافتج يبتلى أفانين من الهوب شد مماتن
ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
ويخدي على صم صلاب ملاطس شديدات عقد لينات متان
ومنه الحديث في غزوة بني المصطلق فمتن رسول الله ﷺ بالناس أي سار بهم سيرا شديدا لينقطع الحديث بقول ابن أبي بن سلول لئن رجعنا إلى المدينة.
وقوله: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ الآية، تقرير يقارنه توبيخ للكفار، والوقف على قوله أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ثم ابتدأ القول بنفي ما ذكروه فقال: ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ أي بمحمد صلى الله عليه وسلم،

صفحة رقم 482
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية