ووعظته لم ينزجر ولم يتعظ وان تركته لم يهتد ولم يعقل فهو متردد الى ما لا غاية وراءه فى الحسة والدناءة فانظر حب الدنيا وشؤمها ماذا يجلب للعلماء خاصة وفى الحديث (من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله تعالى الا بعدا) والنعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها وهو الكفور الذي لا يؤدى شكرها وكما ان الكلب لا يعرف الإكرام من الاهانة والرفعة والشرف من الحقارة وانما الكرامة كلها عنده فى كسرة يطعمها او عراق مائدة يرمى اليه سواء تقعده على سرير معك او فى التراب والقذر فكذا العبد السوء لا يعرف قدر الكرامة ويجهل حق النعمة فينسلخ عن لباس الفضل والكرم ويرتدى برداء القهر والمكر قال فى التأويلات النجمية فلا يغترن جاهل مفتون بان اتباع الهوى لا يضره فان الله تعالى حذر الأنبياء عن اتباع الهوى وأوعدهم عليه بالضلال كقوله يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: قال الحافظ
مباش غره بعلم وعمل فقيه مدام
كه هيچكس ز قضاى خداى جان نبرد
ذلِكَ اى ذلك المثل السيّء مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وهم اليهود وكما ان بلعم بعد ما اوتى آيات الله انسلخ منها ومال الى الدنيا حتى صار كالكلب كذلك اليهود بعد ما أوتوا التوراة المشتملة على نعت الرسول ﷺ وذكر القرآن المعجز وبشرى الناس باقتراب مبعثه وكانوا يستفتحون به انسلخوا مما اعتقدوا فى حقه وكذبوه وحرفوا اسمه فَاقْصُصِ الْقَصَصَ [پس بخوان بر ايشان اين خبر را] والقصص مصدر سمى به المفعول كالسلب واللام للعهد لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ راجيا تفكرهم تفكرا يؤدى بهم الى الاتعاظ ساءَ مَثَلًا ساء بمعنى بئس ومثلا تمييز من الفاعل المضمر فى ساء مفسر له الْقَوْمُ مخصوص بالذم بتقدير المضاف لوجوب التصادف بينه وبين الفاعل والتمييز اى ساء مثلا مثل القوم وبئس الوصف وصف القوم قال الحدادي وهذا السوء انما يرجع الى فعلهم لا الى نفس المثل كأنه قال ساء فعلهم الذي جلب إليهم الوصف القبيح فاما المثل فهو من الله حكم وصواب الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا بعد قيام الحجة عليها وعلمهم بها وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ اى ما ظلموا بالتكذيب الا أنفسهم فان وباله لا يتخطاها مَنْ يَهْدِ اللَّهُ اى يخلق فيه الاهتداء فَهُوَ الْمُهْتَدِي لا غير كائنا من كان وانما العظة والتذكير من قبيل الوسائط العادية فى حصول الاهتداء من غير تأثير لها فيه سوى كونها دواعى الى صرف العبد اختياره نحو تحصيله وَمَنْ يُضْلِلْ بان لم يخلق فيه الاهتداء بل خلق الله فيه الضلالة لصرف اختياره نحوها فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ اى الكاملون فى الخسران لا غير وفيه اشارة الى ان من أدركته العناية ولحقته الهداية اليوم لم ينزل عن المراتب العلوية الى المدارك السفلية فهم الذين أصابهم رشاش النور الذي رش عليهم من نوره ومن خذله حتى اتبع هواه فاضله الهوى عن سبيل الله فهم الذين اخطأهم ذلك النور ولم يصبهم فوقعوا فى الضلالة والخسران وكان سفيان الثوري يقول اللهم سلم سلم كأنه فى سفينة يخشى الغرق ولما قدم البشير على يعقوب عليه السلام
صفحة رقم 279
يعنى سيجزون الخذلان ليعملوا بالطبع والهوى ما كانوا يعملون بالإلحاد فى الأسماء والصفات انتهى كلام التأويلات پيچيده شود بپاى هر كس عملش قال الحافظ
دهقان سالخورده چهـ خوش گفت با پسر
اى نور چشم من بجز از كشته ندروى
وَمِمَّنْ خَلَقْنا اعلم ان الله تعالى كما جعل من قوم موسى ائمة هادين مهديين كما قال وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ جعل من هذه الامة المرحومة ايضا كذلك فقال وممن خلقنا ومحل الظرف الرفع على انه مبتدأ اما باعتبار مضمونه او تقدير الموصوف وما بعده خبره اى وبعض من خلقنا او وبعض ممن خلقنا أُمَّةٌ اى طائفة كثيرة يَهْدُونَ الناس ملتبسين بِالْحَقِّ اى محقين او يهدونهم بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة وَبِهِ اى وبالحق يَعْدِلُونَ اى يحكمون فى الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجورون فيها وعنه عليه الصلاة والسلام (ان من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى) والمراد لا يخلوا الزمان منهم وفى الحديث (لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض الله الله) قال الشيخ الكبير صدر الدين القنوى قدس سره أكده بالتكرار ولا شك ان لا يذكر الله ذكرا حقيقيا وخصوصا بهذا الاسم الأعظم الجامع المنعوت بجميع الأسماء الا الذي يعرف الحق بالمعرفة التامة وأتم الخلق معرفة بالله فى كل عصر خليفة الله وهو كامل ذلك العصر فكأن يقول ﷺ لا تقوم الساعة وفى الأرض انسان كامل وهو المشار اليه بانه العمد المعنوي الماسك وان شئت قلت الممسك لاجله فاذا انتقل انشقت السماء وكورت الشمس وانكدرت النجوم ونشرت الصحف وسيرت الجبال وزلزلت الأرض وجاءت القيامة انتهى كلامه فى الفكوك ورووا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ (ان لله فى الأرض ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم وله أربعون قلوبهم على قلب موسى وله سبعة قلوبهم على قلب ابراهيم وله خمسة قلوبهم على قلب جبريل وله ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل وله واحد قلبه على قلب اسرافيل فاذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامة يدفع الله بهم البلاء عن هذه الامة) والواحد المذكور فى هذا الحديث هو القطب وهو الغوث ومكانه ومكانته من الأولياء كالنقطة من الدائرة التي هى مركزها به يقع صلاح العالم ورووا عن ابى الدرداء انه قال (ان لله عبادا يقال لهم الابدال لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة الصوم والصلاة والتخشع وحسن الحلية ولكن بلغوا بصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدور والرحمة لجميع المسلمين اصطفاهم الله بعلمه واستخلصهم لنفسه وهم أربعون رجلا على مثل قلب ابراهيم لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد انشأ من يخلفه) واعلم انهم لا يسبون شيأ ولا يلعنونه ولا يؤذون من تحتهم ولا يحقرونه ولا يحسدون من فوقهم أطيب الناس خبرا وألينهم عريكة وأسخاهم نفسا لا تدركهم الخيل المجراة ولا الرياح العواصف فيما بينهم وبين ربهم انما قلوبهم
صفحة رقم 286
تصعد فى السقوف العلى ارتياحا الى الله تعالى فى استباق الخيرات أولئك حزب الله ألا ان حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون انتهى كلامه فى روض الرياحين للامام اليافعي رحمه الله تعالى واعلم ان اهل الحق انما نالوا ما نالوا بهدايتهم للناس وعدلهم فيما بين الخلق بعد ما كانوا مهديين وعادلين فى أنفسهم- وروى- عن عبد الله بن المبارك انه كان يتجر ويقول لولا خمسة ما اتجرت السفيانان وفضيل وابن السماك وابن علية ليصلهم فقدم سنة فقيل له قد ولى ابن علية القضاء فلم يأته ولم يصله بشىء فاتاه ابن علية فلم يرفع رأسه اليه ثم كتب اليه ابن المبارك
يا جاعل العلم له بازيا... يصطاد اموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها... بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعد ما... كنت دواء للمجانين
اين رواياتك فى سردها... لترك أبواب السلاطين
ان قلت أكرهت فذا باطل... زلّ حمار العلم فى الطين
فلما وقف إسماعيل بن علية على الأبيات ذهب الى الرشيد ولم يزل به الى ان استعفاه من القضاء فاعفاه ونعم ما قيل
ابو حنيفة قضا نكرد وبمرد... تو بميرى اگر قضا نكنى
وقيل اعدل تكن من صروف الدهر ممتنعا... فالصرف ممتنع للعدل فى عمر
والعدل من اسماء الله تعالى ومعناه العادل وهو الذي يصدر منه فعل العدل المضاد للجور والظلم ولن يعرف العادل من لم يعرف عدله ولا يعرف عدله من لم يعرف فعله وحظ العبد من العدل لا يخفى وأول ما عليه من العدل فى صفات نفسه هو ان يجعل الشهوة والغضب اسيرين تحت اشارة العقل والدين ومهما جعل العقل خادما للشهوة والغضب فقد ظلم نفسه هذا جملة عدله فى نفسه. وتفصيله مراعاة حدود الشرع كله وعدله فى كل عضو ان يستعمله على الوجه الذي اذن الشرع فيه. واما عدله فى اهله وذويه ثم فى رعيته ان كان من اهل الولاية فلا يخفى وربما ظن ان الظلم هو الإيذاء والعدل هو إيصال النفع الى الناس وليس كذلك بل لو فتح الملك خزائنه المشتملة على الاسلحة والكتب وفنون الأموال ولكن فرق الأموال على الأغنياء ووهب الاسلحة للعلماء وسلم إليهم القلاع ووهب الكتب للاجناد واهل القتال وسلم إليهم المساجد والمدارس فقد نفع ولكنه قد ظلم وعدل عن العدل إذ وضع كل شىء فى غير موضعه اللائق به ولو آذى المريض بسقى الادوية والحجامة والفصد بالإجبار عليه وآذى الجناة بالعقوبة قتلا وقطعا وضربا كان عادلا لانه وضعها فى موضعها وحظ العبد دينا من هذا الوصف انه لا يعترض على الله تعالى فى تدبيره وحكمه وسائر أفعاله وأفق مراده او لم يوافق لان كل ذلك عدل وهو كما ينبغى وعلى ما ينبغى ولو لم يفعل ما فعله لحصل منه امر آخر هو أعظم ضررا مما حصل كما ان المريض لو لم يحتجم ابصر ضررا يزيد على ألم الحجامة وبهذا يكون الله تعالى عدلا والايمان يقطع الإنكار والاعتراض ظاهرا وباطنا. وتمامه ان لا يسب الدهر ولا ينسب الأشياء الى الفلك ولا يعترض عليه كما جرت به العادة بل يعلم ان كل ذلك اسباب مسخرة وانها رتبت ووجهت