آيات من القرآن الكريم

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

للإنسان تخييرا وكسبا في أمور ما عدا الحياة والموت والعز والذل والرزق ونحوها من الأصول وذلك لأن الله هو خالق الخلق ومتصف بالعدل، فيخلق أفعال الإنسان، ومن الظلم أن يحاسبه على فعل أكره عليه أو قهر عليه، والهداية من الله لها مفهومان: الدلالة، والتمكين من الوصول إلى الغاية، أي أن تعالى أرشد الإنسان ودلّه على طرق الخير: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد ٩٠/ ١٠] ثم وفقه لهدفه ومكنه من الوصول إليه بهداية أخرى، فمن سأل شرطيا عن طريق فدله عليه، فتلك الهداية الأولى، وإذا ركب معه في سيارته، وأوصله إلى المكان المطلوب فذلك هو التمكين من الهداية الثانية، والإنسان هو الذي يوجّه ما خلق الله فيه من قدرات في الخير والشر إلى كل منهما، وبهذا التوجيه يحاسب وعليه يعاقب.
واستدل العلماء بقوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها [الأعراف ٧/ ١٧٩] على أن محل العلم هو القلب لأنه تعالى نفى الفقه والفهم عن قلوبهم في معرض الذم، مما يدل على أن محل الفهم والفقه هو القلب.
أسماء الله الحسنى
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٠]
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠)
المفردات اللغوية:
الْأَسْماءُ جمع اسم: وهو ما يدل على الذات أو هو كل لفظ جعل للدلالة على المعنى إن لم يكن مشتقا، فإن كان مشتقا فهو صفة الْحُسْنى مؤنث الأحسن فَادْعُوهُ بِها سمّوه ونادوه بها للثناء عليه أو لطلب الحاجات منه وَذَرُوا اتركوا يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ يميلون عن الحق، حيث اشتقوا منها أسماء لآلهتهم، كاللات من الله، والعزى من العزيز، ومناة: من المنان.

صفحة رقم 171

صل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد، والميل والجور والانحراف. ومنه اللحد في القبر انحرافه إلى جهة القبلة سَيُجْزَوْنَ سيلقون في الآخرة جزاء أعمالهم.
المناسبة:
لما وصف الله تعالى المخلوقين لجهنم بأنهم هم الغافلون، لتعطيل عقولهم ومشاعرهم في فهم آيات الله وتزكية نفوسهم بالإيمان والعلم النافع، أمر بعده بذكر لله تعالى، فهو الدواء لتلك الغفلة، فقال: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وهو كالتنبيه على أن الموجب لدخول جهنم هو الغفلة عن ذكر الله تعالى، والمخلّص عن عذاب جهنم هو ذكر الله تعالى.
وقد ذكرت أسماء الله تعالى الحسنى في سور أربعة: أولها: هذه السورة، وثانيها: في آخر سورة الإسراء (بني إسرائيل) في قوله: قُلِ: ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ، أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الإسراء ١٧/ ١١٠]، وثالثها: في أول طه، وهو قوله: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [طه ٢٠/ ٨]، ورابعها: في آخر الحشر، وهو قوله: هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الحشر ٥٩/ ٢٤].
سبب النزول:
روي أن بعض المسلمين دعا الله أو الرحيم في صلاته، ودعا الرحمن مرة أخرى فقال المشركون: محمد وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو اثنين، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، أي أن هذه الأسماء إله واحد، وليست بآلهة متعددة.
التفسير والبيان:
لله دون غيره جميع الأسماء المشتملة على أحسن المعاني، فنادوه بها إما للثناء عليه، مثل: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة ٢/ ٢٥٥] ومثل: هُوَ

صفحة رقم 172

اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ
[الحشر ٥٩/ ٢٢] وإما للسؤال وطلب الحاجات.
وأسماء الله الحسنى تسع وتسعون، جاء
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «إن لله تسعا وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر»
ومعنى «أحصاها» عدها وحفظها وتفكر في مدلولها.
وقد ذكر الترمذي والحاكم هذه الأسماء من طريق الوليد بن مسلم عن شعيب، فقال بعد قوله: «يحب الوتر» :«هو الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصوّر، الغفار، القهار، الوهّاب، الرزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعزّ، المذلّ، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البرّ، التواب، المنتقم، العفوّ، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المانع «١»، الضارّ، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور» «٢».

(١) وفي رواية: المغني. [.....]
(٢) قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة. والراجح لدى المحدثين أن سرد هذه الأسماء مدرج من الراوي، كما حقق الحافظ ابن حجر.

صفحة رقم 173

والمراد من الأسماء في الآية والحديث: التسميات بلا خلاف، وهي عبارات عن كون الله تعالى على أوصاف شتى، منها ما يستحقه لنفسه، ومنها ما يستحقه لصفة تتعلق به، ومنها صفات لذاته، ومنها صفات أفعال.
وهذه الأسماء عند العلماء توقيفية، فلا يسمى باسم لم يرد في القرآن والسنة كالرفيق والسخي والعاقل.
وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ أي اتركوا أولئك الذين يلحدون في أسمائه بالميل بألفاظها أو معانيها عن الحق، إلى سبل أخرى من تحريف أو تأويل، أو شرك، أو تكذيب، أو زيادة أو نقصان، أو ما ينافي وصفها بالحسنى.
والإلحاد يكون بثلاثة أوجه:
أحدها- بالتغيير فيها كما فعله المشركون، وذلك أنهم عدلوا بها عما هي عليه، فسمّوا بها أوثانهم، فاشتقوا اللّات من الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان.
الثاني- بالزيادة فيها، أي التشبيه، فالمشبهة وصفوه بما لم يأذن فيه.
الثالث- بالنقصان منها أي التعطيل، فالمعطلة سلبوه ما اتصف به، كما يفعل الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها الله تعالى بغير أسمائه، ويذكرونه بغير ما يذكر من أفعاله، إلى غير ذلك مما لا يليق به.
والسبب في تركهم أنهم سيلقون جزاء عملهم، ويعاقبون في الدنيا قبل الآخرة.

صفحة رقم 174

فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآية على ما يأتي:
١- الأسماء الحسنى ليست إلا لله تعالى لأن قوله وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يفيد الحصر.
٢- أسماء الله ليست إلا لله، والصفات الحسنى ليست إلا لله، فيجب كونها موصوفة بالحسن والكمال، وهذا يفيد أن كل اسم لا يفيد في المسمى صفة كمال وجلال، فإنه لا يجوز إطلاقه على الله سبحانه.
والأسماء: ألفاظ دالة على المعاني، فهي إنما تحسن بحسن معانيها ومفهوماتها، ولا معنى للحسن في حق الله تعالى إلا ذكر صفات الكمال ونعوت الجلال، وهي محصورة في نوعين: عدم افتقاره إلى غيره، وثبوت افتقار غيره إليه.
وأسماء الله تعالى يجوز إطلاقها كلها على غير الله تعالى، ما عدا اسمي: الله والرحمن.
وهذه الأسماء منها ما يمكن ذكره وحده، مثل: يا الله، يا رحمن، يا حكيم. ومنها ما لا يجوز إفراده بالذكر، بل يجب أن يقال: يا محيي يا مميت، يا ضار يا نافع.
ولا يجوز إطلاق اسم على الله غير وارد في القرآن والسنة، فهي أسماء توقيفية، ولا تنحصر في تسع وتسعين، بدليل
ما رواه الإمام أحمد، وأبو حاتم بن حبان البستي في صحيحة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «ما أصاب أحدا قط همّ ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته

صفحة رقم 175

أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله حزنه وهمه، وأبدل مكانه فرجا» فقيل: يا رسول الله، أفلا نتعلمها؟ فقال: «بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها».
وقد أورد ابن العربي مائة وستة وأربعين اسما من أسماء الله للتضرع والابتهال، وذكر في موضع آخر زيادة ثلاثين اسما «١». فصار المجموع مائة وستة وسبعين، مثل الطيّب والمعلّم والجميل: وهو الذي لا يشبهه شيء.
٣- لله أسماء حسنة، يجب على الإنسان أن يدعو الله بها، وهذا يدل على أن أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية، كما تبين، فيجوز أن يقال: يا جواد، ولا يجوز أن يقال: يا سخي، يا عاقل، يا طبيب، يا فقيه.
٤- الاسم غير المسمى لأن أسماء الله كثيرة، ولا شك أن الله واحد منها، فلزم القطع بأن الاسم غير المسمى.
لذا قال جماعة من العلماء: المراد بهذه الأسماء التسميات لأنه سبحانه واحد، والأسماء جمع. ذكر ابن عطية في تفسيره أن الأسماء في الآية بمعنى التسميات إجماعا من المتأولين لا يجوز غيره.
فمعنى قوله: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى أي التسميات الحسنى التي يدعى بها لا بغيرها. وقيل: ولله الصفات. والاسم هو المسمى، أو صفة له تتعلق به، وهو غير التسمية.
٥- سمى الله سبحانه أسماءه بالحسنى لأنها حسنة في الأسماع والقلوب فإنها تدل على توحيده وجوده ورحمته وإفضاله.

(١) أحكام القرآن: ٢/ ٧٩٨- ٨٠٥

صفحة رقم 176

٦- ليس للإنسان أن يدعو ربه إلا بتلك الأسماء الحسنى، وهذه الدعوة تتطلب فهم معاني تلك الأسماء. وقد ذكر ابن العربي في أحكام القرآن «١» وغيره تلك المعاني، فيطلب بكل اسم ما يليق به، يقول: يا رحيم ارحمني، يا حكيم احكم لي، يا رزاق ارزقني، يا هادي اهدني. وإن دعا باسم عام قال: يا مالك ارحمني، يا عزيز احكم لي، يا لطيف ارزقني، وإن دعا بالاسم الأعظم قال:
يا الله، فهو متضمن لكل اسم، قال ابن العربي: وهكذا، رتّب دعاءك تكن من المخلصين.
٧- يجب تنزيه الله تعالى عن الإلحاد في أسمائه، وذلك على ثلاثة أوجه:
الأول- إطلاق أسماء الله المقدسة الطاهرة على غير الله، كتسمية الكفار الأوثان آلهة، وتسمية أصنام لهم باللات والعزى ومناة، من الإله، والعزيز، والمنان. وكان مسيلمة الكذاب لقب نفسه بالرحمن.
والثاني- أن يسمى الله بما لا يجوز تسميته به، مثل تسميته أبا للمسيح، وقول النصارى: الأب، والابن، وروح القدس.
والثالث- أن يذكر العبد ربه بلفظ لا يعرف معناه، ولا يتصور مسماه، فإنه ربما كان مسماه أمرا غير لائق بجلال الله تعالى.
وقد ختمت الآية بقوله تعالى: سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وهو تهديد ووعيد لمن ألحد في أسماء الله تعالى.
قالت المعتزلة: الآية قد دلت على إثبات العمل للعبد، وعلى أن الجزاء مفرع على عمله وفعله.

(١) المرجع والمكان السابق.

صفحة رقم 177

والدعاء مشروع وعبادة، قال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي، فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [البقرة ٢/ ١٨٦].
ولا يكون الدعاء لغير الله تعالى من أي مخلوق حي أو ميت، فالله وحده هو الذي يقصد في الدعاء، فهو الصمد أي الذي لا يقصد في المطالب غيره، وقال: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ، وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ، أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل ٢٧/ ٦٢] أي لا يجيب المضطر إلا هو، فهو المستحق وحده للعبادة، المقصود بالدعاء.
وفوائد الأمر بذكر الله في الآية: فَادْعُوهُ بِها كثيرة: منها ترسيخ معالم الإيمان وتنميته، وتحقيق مراقبة الله والخشوع له، والرغبة فيما عنده، وتهوين شأن الدنيا ولذاتها، روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي: «من نزل به غم أو كرب أو أمر مهمّ، فليقل: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض، ورب العرش الكريم».
وروى الحاكم في المستدرك عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: «ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ أن تقولي إذا أصبحت، وإذا أمسيت: يا حيّ، يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين».

صفحة رقم 178
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية