آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ

﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ﴾ منصوبٌ بمضمرٍ معطوفٌ على ما انتصب به إذ نتقنا مَسوقٌ للاحتجاج على اليهود بتذكير الميثاقِ العام المنتظمِ للناس قاطبةً وتوبيخِهم بنقضه إثرَ الاحتجاج عليهم بتذكير ميثاقِ الطورِ وتعليقُ الذكر بالوقت مع أن المقصودَ تذكيرُ ما وقع فيه من الحوزادث قد مر بيانُه مراراً أي واذكرُ لهم أخذ ربُّك ﴿مِن بَنِى آدم﴾ المرادُ بهم الذين وَلدَهم كائناً من كان نسلاً بعد نسلٍ سوى مَنْ لم يولدْ له بسبب من الأسباب كالعُقم وعدمِ التزوج والموت صغير وإيثارُ الأخذ على الإخراج للإيذان بالاعتناء بشأن المأخوذِ لما فيه من الإنباء عن الاجتناء والاصطفاء هو السببُ في إسناده إلى اسم الربِّ بطريق الالتفاتُ مع ما فيه من التمهيد للاستفهام الآتي وإضافتُه إلى ضميره ﷺ للتشريف وقوله تعالى ﴿مِن ظُهُورِهِمْ﴾ بدلٌ من بني آدمَ بدلَ البعضِ بتكرير الجار كما في قوله تعالى لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ آمن منهم ومن في الموضعين ابتدائيةٌ وفيه مزيدُ تقريرٍ لابتنائه على البيان بعد الإبهامِ والتفصيلُ غب الإجمال وتنبيه على أن الميثاقَ قد أُخذ منهم وهم في أصلاب الآباءِ ولم يُستودَعوا في أرحام الأمهات وقوله تعالى ﴿ذُرّيَّتُهُم﴾ مفعولُ أخذَ أُخِّر عن المفعول بواسطة الجارِّ لاشتماله على ضمير راجعٍ إليه ولمراعاة أصالتِه ومنشتيته ولما مرا مراراً من التَّشويقِ إلى المؤخّر وقرىء ذرّياتِهم والمرادُ بهم أولادُهم على العموم فيندرج فيهم اليهودُ المعاصِرون لرسول الله ﷺ اندراجاً أولياً كما اندرج أسلافُهم في بني آدم كذلك وتخصيصُهما باليهود سلفاً وخلفاً مع أن ما أريد بيانُه من بديع صنع الله تعالى عزَّ وجلَّ شاملٌ للكل كافة مُخِلٌّ بفخامة التنزيلِ وجزالةِ التمثيل ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ أي أشهد كل واحدةٍ من أولئك الذرياتِ المأخوذين من

صفحة رقم 289

الأعراف آية ١٧٣
ظهور آبائهم على نفسها لا على غيرها تقريراً لهم بربوبيته التامةِ وما تستتبعه من المعبودية على الاختصاص وغيرِ ذلك من أحكامها وقوله تعالى ﴿أَلَسْتَ بربكم﴾ على إرادى ة القولِ أي قائلاً ألست بربكم ومالكَ أمرِكم ومربيكم على الإطلاق من غير أن يكون لأحد مدخلٌ في شأن من شئونكم فينتظم استحقاقُ المعبودية ويستلزم اختصاصَه به تعالى ﴿قَالُواْ﴾ استئناف مبنيٌّ على سؤال نشأَ من الكلامِ كأنَّه قيل فماذا قالوا حينئذ فقيل ﴿قالوا بلى شَهِدْنَا﴾ أي على أنفسنا بأنك ربنا وإلهنا لا ربَّ لنا غيرُك كما ورد في الحديث الشريف وهذا تمثيلٌ لخلقه تعالى إياهم جميعاً في مبدأ الفطرةِ مستعدين للاستدلال بالدلائل المنصوبةِ في الآفاق والأنفسِ المؤدية إلى التوحيد والإسلامِ كما ينطِق به قوله ﷺ كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة الحديث مبنيٌّ على تشبيه الهيئةِ المنتزَعَةِ من تعريضه تعالى إياهم لمعرفة ربوبيتِه بعد تمكينِهم منها بما رَكَّز فيهم من العقول والبصائر ونصبَ لهم في الآفاق والأنفسِ من الدلائل تمكيناً تاماً ومن تمكنهم منها تمكنا كاملا وتعهرضهم لها تعرضاً قوياً بهيئة منتزعةٍ من حمله تعالى إياهم على الاعتراف بها بطريق الأمرِ ومن مسارعتهم إلى ذلك من غير تلعثم أصلاً من غير أن يكون هناك أخذٌ وإشهادٌ وسؤالٌ وجواب كما في قوله تعالى فَقَالَ لهاوللأرض ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ وقوله تعالى ﴿أَن تَقُولُواْ﴾ بالتاء على تلوين الخطابِ وصرفِه عن رسول الله ﷺ إلى معاصريه من اليهود تشديداً في الإلزام أو إليهم وإلى متقدّميهم بطريق التغليبِ لكن لا من حيث إنهم مخاطَبون بقوله تعالى أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ فإنه ليس من الكلام المحكىء وقرىءبالياء على أن الضمير للذرية وأيا ما كان فهو مفعولٌ له لما قبله من الأخذ والإشهاد أيْ فعلنَا ما فعلنَا كراهةَ أن تقولوا أو لئلا تقولوا أيها الكفرةُ أو يقولوا هم ﴿يَوْمُ القيامة﴾ عند ظهور الأمرِ ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا﴾ عن وحدانية الربوبيةِ وأحكامِها ﴿غافلين﴾ لم ننبه عليه فإنه حيث جُبلوا على ما ذكر من التهيؤ التامِّ لتحقيق الحقِّ والقوة القريبةِ من الفعل صاروا محجوجين عاجزين عن الاعتذار بذلك إِذْ لا سبيلَ لأحدٍ إلى إنكار ما ذُكر من خلقَهم على الفطرة السليمةِ وقوله تعالى

صفحة رقم 290
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية