
وتحريم العمل يوم السبت، وهذا ما تميزت به رسالة رسول الإسلام من الأخذ باليسر والسماحة، والبعد عن الحرج والمشقة وإرهاق النفس.
هذه هي خواص الرسالة المحمدية، فالذين آمنوا بالنبي العربي الأمي وبرسالته، وعزروه، أي منعوه من الأعداء، ونصروه، أي عظموه ووقروه، وأيدوه باللسان والجهاد، واتبعوا النور الإلهي الذي أنزل معه، وهو القرآن الكريم والوحي المبين له في السنة، فالنور كناية عن جملة الشرع، أولئك لا غيرهم هم المفلحون السعداء الفائزون ببغيتهم في الدنيا والآخرة، الناجون الفائزون بالرحمة والرضوان، دون من سواهم من حزب الشيطان الذين يخذلهم الله في الدنيا والآخرة لإعراضهم عن هدي القرآن واتباع شريعة الإسلام ذات المصدر الإلهي.
عموم رسالة الإسلام
إن خلود الشريعة الإسلامية وبقاءها إلى يوم القيامة، وكونها خاتمة الشرائع الإلهية، وأنها الشريعة التي لا يقبل سواها بعد مجيئها، كل ذلك اقتضى أن تكون شريعة عامة لجميع أبناء البشر، في العقيدة والعبادة والمعاملة وعقود الأسرة والمواريث والجنايات والعلاقات الداخلية والخارجية، وكونها عامة إنما هو من أجل خير البشر وإسعادهم في الدنيا والآخرة، لا لعصبية أو نزعة فوقية أو عرقية، قال الله تعالى مبينا هذا العموم والشمول ومقتضياته:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٨]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)
[الأعراف: ٧/ ١٥٨].
أوضحت هذه الآية مزية الرسالة الإسلامية، وهي أنها عامة شاملة، وأن بعثته

صلّى الله عليه وسلّم للناس كافة، يدعوهم فيها إلى الإيمان به وبشريعته، وأن كل من يتبعه تشمله تلك السعادة. وهذا ليس مجرد إخبار، بل إنه أمر من الله عزّ وجلّ لنبيه بإشهار الدعوة والحض على الدخول في الشرع الإلهي، لأن متبعيها أهل لرحمة الله وتكريمه كما ذكر في آية سابقة: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.
والمعنى: قل: يا محمد لجميع البشر من عرب وعجم، بيض أو سود، حمر أو صفر، إني رسول الله إليكم جميعا، لا إلى قومي العرب خاصة، وعموم رسالتي في كل وقت وزمان إلى يوم القيامة، فهو عموم يقتضي بعثته لجميع الناس، وعموم في الزمان، كما جاء في آية أخرى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) [الأنبياء:
٢١/ ١٠٧]. وقال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ: ٣٤/ ٢٨] وقال سبحانه: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: ٦/ ١٩] أي وأنذر به كل من بلغه. وقال جل جلاله: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) [الفرقان: ٢٥/ ١].
وأكدت الأحاديث النبوية الثابتة عموم الرسالة الإسلامية وعالميتها، مثل
حديث الصحيحين والنسائي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، منها: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة».
أي فكان كل نبي يبعث إلى فرقة خاصة دون العموم.
وأردف الله تعالى بيان العموم بما يقتضي الإذعان له، وهي أنه مالك السماوات والأرض بالخلق والإبداع، والإحياء والإماتة، لا إله هو، ولا معبود سواه.
تضمنت هذه الآية عناصر العقيدة الثالثة: وهي توحيد الربوبية بالإيمان، وتوحيد الألوهية بالإيمان والعمل، أي بعبادة الله وحده، ثم الإيمان برسالة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، ثم الإيمان بالبعث بعد الموت، وذلك معنى والإحياء والإماتة.

ورتب على هذا البيان الدعوة العلنية الصريحة إلى الإيمان، أي التصديق بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، في ربوبيته وألوهيته، والتصديق برسوله النبي الأمي الذي بعثه ربه إلى الخلق من الإنس والجن أجمعين. إن هذا النبي هو الذي يؤمن بوحدانية الله وكلماته التشريعية التي أنزلها الله عز وجل لهداية البشر، وكلماته التكوينية الدالة على قدرته وإرادته وحكمته، ويصدق قوله عمله، ويؤمن بما أنزل إليه من ربه، مما تضمنته الكتب الإلهية من التوراة والإنجيل والقرآن من أحكام وإرشادات وأدلة على وجود الله تعالى ووحدانيته وقدرته.
وهذا الأمر بالإيمان بالله، أتبعه بالأمر بالإسلام، أي اتبعوا منهج هذا النبي، واسلكوا طريقه في كل ما جاء به، لتهتدوا إلى الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه، أو رجاء أن تهتدوا بالإيمان واتباع الشرع، إلى ما فيه سعادتكم في الدنيا والآخرة.
الحق في هذا القرآن، والخير في هذا الدين، والسعادة باتباع شريعة خاتم النبيين، وبمقدار الالتزام بالشريعة يكون النجاح في الدنيا والآخرة. وإن من أهم مقومات عموم رسالة الإسلام ترفعها عن العصبية والقومية والحقد الطائفي، وكونها ذات نزعة إنسانية شاملة تبغي الخير للجميع، وتنشد السعادة لجميع البشر، ليعيشوا في أمان وسلام، وحبّ واستقرار، وتعاون وإخاء، وتقدم وتحضر شامل.
نعم الله على قوم موسى عليه السلام
إن منهاج الهدي الإلهي في التربية الترهيب أحيانا، والترغيب والتذكير بنعم الله أحيانا أخرى، فالغافل يستيقظ، والمقصر يتذكر، والمخالف أو المعرض يتنبه، والكل يعملون في حقل الإرشادات الإلهية لتحقيق الخير لهم، وإشاعة الود والمحبة والأخوة في ربوعهم، وأما المستقيم فيزداد استقامة، ويبادر إلى شكر الله تعالى على ما أنعم